منذ عدة أيام اقتحمت روسيا دولة أوكرانيا، انتشرت الصواريخ في سماء الليل المظلمة، وجعلت ليل الأوكرانيين جحيماً حقيقياً، وتحولت من جديد المشاهد الهوليودية التي قد نشاهدها في الأفلام إلی واقع مُعاش. هرب الناس إلی الأنفاق والمخابئ، وحاولوا عبور الحدود المجاورة بحثًا عن النجاة.. وكأن هذا العالم لم يُكتب له الهدوء، وكأنه ليس مُقدّراً لنا العيش بلا هلع، وبلا إحصائيات عن ضحايا الحرب وخسائرها.
مَن الفائز؟
في الحرب لا أحد يخسر، كل الأطراف تسعی للخروج بمكاسب مُرضية، لا أحد من القادة يضع الخسارة نصب عينيه، باستثناء الخسائر في الأرواح، فإن كل من يشعل فتيل الحرب لا يهتم إلا بالمكاسب المادية ووجود حجة قوية للحصول علی الدعم أو الصمت من الجميع للاستمرار. يری العالم أن ما يحدث في الحرب علی أوكرانيا أمر غير مقبول، وتعرب الدول عن قلقها وغضبها في إجراء ممل وطبيعي اعتدنا عليه، ونعرف أنه لا توجد أي نتائج مترتبة عليه.
ولكن في مثل هذه الظروف نحتاج لعقد مقارنات بين الموقف الإنساني الذي تتخذه بعض الدول في الدفاع عن دولة أوكرانيا والمدنيين فيها وبين ما يحدث كل عام في أي مكان في العالم.
يرغب الجميع في الوقوف علی الحياد أمام محاربة الفلسطينيين للكيان الصهيوني باعتباره صراعاً قائماً علی أساس ديني، وكذلك صراعات المسلمين في الهند أو الإيغور في الصين، كلها أحداث لا تلفت نظر العالم، ولا تستدعي في نظره الشجب أو إدانة المعتدي، ولكن حينما يصبح الضحية إنساناً أبيضَ أوروبياً يمكن أن يصرخ الجميع ليطالب بوقف الحرب.
لم نرَ أي دعوات في الملاعب الأوروبية والعالمية لوقف أي حرب قبائلية في إفريقيا، أو مطالبة بتوقف الاحتلال الإسرائيلي عن سفك وضرب فلسطين، أو دعوات بمنع إسرائيل كفريق لكرة القدم من لعب أي منافسات دولية كما حدث بالفعل مع روسيا التي سارع الجميع لغسل أيديهم من التعامل معها لعدم تلطيخها بدماء مدنيين أوكرانيا أو الاختلاط بقوتها الغاشمة، بالرغم من أن ما تفعله روسيا هو مجرد رد فعل بعد سنوات كثيرة من بطش أمريكا وحدها بأي دولة في العالم لأي سبب!
هل يختصم الشعب دولته؟
ما يحدث في أوكرانيا هو معركة سياسية بحتة في الأساس، قائمة بين قوی العالم، ولا تعد أوكرانيا فيه إلا مجرد مسرح للأحداث، ولكن من يدفع الثمن هم الهاربون، الضحايا الحقيقيون لكل حرب هم المدنيون، الأطفال والنساء الأبرياء في هذا العالم هم دائماً من يدفعون الثمن، بينما الرجال يذهبون للحرب وفي أغلب الأحيان لا يعودون!
من الصعب ألا يشعر أي مواطن بالغضب تجاه بلده في مثل هذه الأحوال؛ لأن البلد في بعض الأوقات قد يتمثل في قادته وقياداته الذين يسيرون مصيره، وحينما يحدث الخطأ يمكن للجميع أن يغضبوا، وأن يعلنون فشل الرئيس في حمايتهم كما يحدث حالياً في صراع القوة.
مَن يحكم أوكرانيا؟
الرئيس الأوكراني الحالي هو "فلاديمير زيلينسكي" بطل مسلسل "خادم الشعب" الذي تحول من وقت عرض المسلسل من فنان كوميدي إلی رئيس دولة بشكل حقيقي. يبدو وكأن هذا الرجل لم يكن يعرف أنه وبعد ثلاث سنوات فقط سيضطر لمحاربة الدب الروسي الذي يحاول أن يعيد أمجاده الماضية. روسيا التي دعمت نظام بشار الأسد علی مدار أكثر من 10 سنوات لا تجد الصعوبة في تحدي العالم بأكمله لإعادة الهيمنة من جديد مع حليف استراتيجي مثل الصين، تبدو معركة الحرب تحتاج لعقول تعرف من أين تؤكل الكتف. في هذا العالم لا يصلح إلا أن تكون صياداً أو قناصاً، أي دور آخر سيكون دور فريسة، لا أحد يرحم الفرائس. كلنا في هذا العالم فرائس لدول كبری، لم ينجُ أي إنسان في العالم من الاحتلال. تختلف الأسباب وترجع إلی الصراعات التاريخية، والحدودية، والطائفية، أو لأي سبب، ولكن المؤكد والمعروف أن دستور هذه الأرض هو أنها لا تنعم بالهدوء لأي وقت.
الموقف الحالي ليس جديداً، فحينما اقتحم العراقُ الكويت كان المبرر الروسي في اجتياح أوكرانيا هو الدافع الأول، وحينما اجتاحت أمريكا العراقَ لسرقة كل خيرها لأكثر من 10 سنوات كان المبرر هو نشر الديمقراطية. يحدث في هذا العالم الكثير من الأشياء القاسية باسم الحق أو الديمقراطية!
الإرهاب والكباب!
رغم مرور سنوات، فإن ثورية فيلم الإرهاب والكباب القائمة في الأساس علی الغضب كردة فعل تجاه القمع والظلم. رغم مرور سنوات، فإنه يبدو أن هذا الفيلم ما زال يمكنه أن ينبئ بالثورة، يلوح برايات الإنذار ويشكل بوصلة لأبناء هذا العالم. بدت التصريحات الأخيرة عن اختصام المواطن لدولته بدلاً من اختصامه للفساد أمراً ملتبساً، وبينما تأتي التصريحات ونحن نشهد قيام حرب كبری علی الضفة الأخری من العالم، فإن التصريحات تبدو غير معنونة. الفيلم الذي يتم محو آخر لقطاته عند إذاعته علی الشاشات المصرية حتی لا يتأثر أي مشاهد من رؤية هذه اللقطات التي يسير فيها عادل إمام مبتسماً وهو ينظر لمجمع التحرير يبدو وكأنه بُعث من جديد ليكون محل نقد، وكما نسير في ميدان التحرير بعد مرور سنوات علی الثورة ونبتسم نفس ابتسامة الزعيم في آخر مشاهد الفيلم، فإنه يمكننا الابتسام أيضاً لأن الثورة لا تموت، وكما يقول جورج أورويل: لو أن هناك أملاً فإن الأمل يكمن دائماً في العامة.
حروب الأفكار: هل يحارب الشعب دولته؟
في عدة أحاديث سابقة للرئيس أكد فيها أن ثورة يناير كتبت شهادة وفاة الدولة المصرية، فإننا وبعد أكثر من 10 سنوات كاملة علی الثورة لا نجد إلا أن نعترف بأن لا ثورة في تاريخ مصر أهم من 25 يناير، وأن كل ما وصلت إليه مصر من نجاحات وإنجازات في عصر الرئيس الحالي هو نتيجة حدوث ثورة 25 يناير، وأن ثورة 30 يونيو التي جاء علی أثرها الرئيس الحالي هي إحدى تبعات 25 يناير. لماذا يصر الجميع علی إنكار 25 يناير؟ ولماذا يحارب الجميع هذه الذكری؟! كل ما وقع من أحداث مأساوية وصعبة في السنوات الماضية تألم منها أبناء هذا البلد. كل من عبروا بالبلد لهذه المرحلة الآمنة هم من آمنوا بالثورة وقدرتها علی تحقيق العدالة الاجتماعية، وكل من دعوا للثورة هم عقول مستنيرة، وكل من شاركوا في الثورة هم أشرف من في هذا البلد. حينما يثور الشعب لا أحد من أبنائه يرغب في محاربة وطنه، ولا تدميره، ولكن مَن يدمرون هم الأعداء، الأعداء وحدهم من يقتلون ويكسرون ويكفرون، أما أبناء الوطن هم وحدهم من يرغبون في التغيير، ومن يريدون للوطن أن يصل للأفضل.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.