حتى لو هدأت الحرب.. لماذا ستبقى أوكرانيا منطقة للصراع الجيوسياسي بين روسيا والغرب؟

عدد القراءات
2,300
تم النشر: 2022/03/01 الساعة 14:37 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/03/01 الساعة 14:37 بتوقيت غرينتش
أوكرانيا تعد ثاني أكبر دولة أوروبية بعد روسيا، وتتبعها فرنسا - iStock

في فجر الرابع والعشرين من شهر فبراير/شباط 2022، قرر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين التوغل عسكرياً في أوكرانيا، بعد مُضيّ أيام معدودات على اعتراف بلاده باستقلال إقليمي دونيتسك، ولوغانسك، جمهوريتين منفصلتين عن سلطة أوكرانيا، لتأخذ الأزمة بعدها مساراً أكثر خطورة وتعقيداً، دون أن يلوح في الأفق أي حلول دبلوماسية، من شأنها إعادة الهدوء للقارة العجوز، التي نهض قادتها لفرملة الدوران الروسي حول أوكرانيا.

تعود جذور الأزمة للعام 1991، وفي مثل هذا الشهر الذي اندلعت فيه الأزمة بالتحديد، عندما التقى وزير الخارجية الأمريكي جيمس بيكر، بآخر رئيس للاتحاد السوفييتي ميخائيل غورباتشوف، وتعهد للأخير بعدم توسيع حلف الناتو "بوصة واحدة" شرقاً، إلّا أن هذا التعهد كان لفظياً، أي أنه لم يكن مُلزِماً، ولم يُترجم إلى اتفاق مكتوب يرقى إلى أن يكون حجة قانونية لدى وريثة الاتحاد السوفييتي، روسيا التي تخوض معركتها اليوم ليبقى نطاقها الجيوسياسي خالياً من قوات حلف الناتو، الذي نقض عهده، ولم يتوسع بوصة واحدة فحسب، بل 1,177,459 كم²، في الدول التي تقع في المجال الحيوي لروسيا، الأمر الذي تعتبره تهديداً صريحاً لأمنها القومي.

بعد تفكك الاتحاد السوفييتي، وانضمام عدد من الجمهوريات التي كانت تخضع لسلطته إلى حلف شمال الأطلسي، كان التحلي بالصبر الاستراتيجي خياراً وحيداً بالنسبة لروسيا، إذ لم يكن بمقدورها في ذلك الحين منع جيرانها من الانضمام لحلف شمال الأطلسي، بسبب الظروف الداخلية التي خلَّفتها تبعات الحرب الباردة، وانهيار الاتحاد السوفييتي.

وبعد وصول الرئيس فلاديمير بوتين إلى سدة الحكم في روسيا عام 1999، بدأ بتعزيز قدرات بلاده العسكرية، وتطويرها، وهو بمثابة خطوة ضرورية لتحقيق رؤيته المتعلقة بمواجهة النظام العالمي الأحادي التي أسسته الولايات المتحدة الأمريكية على أنقاض الاتحاد السوفييتي.

وتحسنت أوضاع روسيا الاقتصادية خلال السنوات الأخيرة، بعد استكمال مرحلة التعافي التي قادها بوتين، حتى أصبح بمقدور روسيا وقف انتشار الناتو بالقرب من حدودها بالقوة، فكان من سوء حظ أوكرانيا أن يترافق الحديث عن إدماجها في الحلف، مع توفر المقومات السياسية والاقتصادية والعسكرية لدى روسيا لمنع ذلك.

وبينما كان الاتحاد السوفييتي آخذٌ بالانهيار، كان الاعتقاد لدى الروس، أن دور حلف شمال الأطلسي سينتهي بالتزامن مع تفكك الاتحاد وأفول نجم الشيوعية، ليظهر لاحقاً أن هناك دوراً جديداً للحلف، يتمثل بتطويق روسيا، وتقليص هامش تأثيرها حتى في الدول التي تشترك معها في الروابط الثقافية، واللغوية، والعرقية، وهذا ما أدركه الروس في وقت متأخر.

ونتيجة لهذا الإدراك، ينطلق الروس في موقفهم من أوكرانيا لتأكيد الحق الجيوسياسي الخاص بهم، ويرتكز هذا الفهم على سوابق حاولت فيها روسيا التأكيد على ذلك في سياق مشابه، عندما اعترفت باستقلال إقليمَي أبخازيا، وأوسيتيا الجنوبية عن سلطة جورجيا عام 2008.

ويعتقد الروس أن ضم أوكرانيا لحلف شمال الأطلسي سيُمدِّد النفوذ الغربي لقبالة حدود روسيا، بما يؤدي لتقليم مخالب النفوذ الروسي من قبل الغرب في تلك المنطقة، ولأن أوكرانيا تقع في الجوار المباشر لروسيا، وتُشكِّل منطقة استراتيجية تعزل روسيا عن الغرب، سيكون من الصعب على بوتين أن يتراجع عن مطالباته بعدم ضم أوكرانيا لحلف شمال الأطلسي (الناتو)، وتخلي الحلف عن نشر الأسلحة الهجومية بالقرب من الحدود الروسية، ومطالبته بإعادة مستوى الحضور العسكري للحلف إلى الحالة التي كان عليها عام 1997، شريطة أن يتم الحصول على ضمانات مكتوبة للقيام بذلك.

كما أن بوتين يعتمد بشدة على التاريخ لتبرير موقف بلاده من الأزمة الأخيرة، وهذا ما كان واضحاً في خطابه المطوّل الذي ألقاه قُبيل أن يعترف باستقلال الجمهوريتين المُنفصلتين عن سلطة أوكرانيا.

وعلى الجانب الآخر، يرفض الغرب التنازل عن استراتيجية حصار روسيا، بل يسعى لتوسعة حضوره العسكري في تخومها، لتقليص نفوذها في المنطقة المركزية، وهي كامل أوروبا الشرقية، إذ لم يبقَ سوى أوكرانيا، وبيلاروسيا من الدول التي كانت تدور في الفلك السوفييتي، لم تنضما بعدُ للاتحاد الأوروبي، أو حلف شمال الأطلسي.

والجدير بالذكر أن بعض الدول الأوروبية أبدت تفهُّماً للطلبات الروسية، كفرنسا وبريطانيا، ومن المرجح أن تعترض هذه الدول على ضم أوكرانيا لحلف الناتو في هذه المرحلة، لضمان عدم قيام روسيا برفع مستوى التصعيد الذي قد يهتز بسببه أمن القارة الأوروبية واستقرارها.

لكن على المدى الطويل ستبقى أوكرانيا منطقةً للتنافس الروسي الغربي لصوغ المعادلة الجيوسياسية في المنطقة، بالشكل الذي يُعطي الأفضلية الأمنية والسياسية والاقتصادية للطرف الذي يكسب هذه المنافسة.

وغنيٌّ عن القول أن كلا الطرفين مدرك لأهمية أوكرانيا الجيوسياسية، وعلى أساس هذا الإدراك، ومع توافر الرغبة الجادة لدى كل طرف لتحقيق رؤيته الخاصة في أوكرانيا، تدحرجت الأزمة وصولاً لواجهة الأحداث الدولية هذه اللحظة، لتبقى مفتوحة على كل الاحتمالات، في الوقت الذي تُشدد فيه القوات الروسية الخناق على العاصمة الأوكرانية كييف، وينحصر الرد الأمريكي في فرض العقوبات الاقتصادية على روسيا التي لم يُفاجئها ذلك، ولن يؤدي لإجبار موسكو على تغيير السياسات الأخيرة تجاه أوكرانيا.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

أحمد عبدالحافظ الضرابعة
كاتب وناشط مدني أردني
كاتب وناشط مدني، مهتم بالشأن الإقليمي والدولي، ومساعد بحثي في مجلس الأمة الأردني
تحميل المزيد