في شهر مايو/آيار من عام 1945، وخلال الأيام الأخيرة للحرب العالمية الثانية وبعد انتحار الزعيم النازي أدولف هتلر، شهدت الحرب إحدى أغرب المعارك على الإطلاق، لم يكن ليحلم بحدوثها أكبر المتفائلين، فبينما كان صدى العداوة بين الولايات المتحدة وألمانيا يصل للفضاء، كان بعض جنود الدولتين بصدد إنشاء تحالف ثلاثي، إلى جانب بعض المقاتلين الفرنسيين، فيما أُطلق عليها معركة "قلعة لاتر" Castle Itter"".
رهائن القلعة
عكفت ألمانيا النازية على استغلال كل الوسائل الممكنة للوصول لأهدافها، ولم تكن عمليات احتجاز الأسرى عشوائية، بل سلاحاً مؤثراً في طريق السيطرة على الدول، أو على الأقل الخروج بأقل الخسائر من موقف صعب؛ لذلك كان يتم أحياناً القبض على بعض كبار الشخصيات العامة من الدول المحتلة، ووضعهم فيما يشبه الإقامة الجبرية، ليعيشوا في ترف أو ما يسمى سجن VIP، في قلعة معزولة تعود للعصور الوسطى تحت حراسة مشددة، ليتم استخدامهم في المساومة أو عمليات التفاوض إذا لزم الأمر، أو ابتزاز أقاربهم والحد من دورهم المؤثر.
أحد تلك السجون كان في قلعة Itter في النمسا، التي كان معظم قاطنيها من السجناء الفرنسيين، ومنهم رئيسا وزراء سابقان لفرنسا، وبطل تنس فرنسي وعدد من الجنرالات الكبار، وشقيقة الجنرال الشهير شارل ديجول، رئيس فرنسا فيما بعد، وظلوا في سجنهم بعيداً عن الحرب والقتال، حتى حضرت الحرب من أجلهم.
مع قرب نهاية الحرب والهزيمة المؤكدة لألمانيا، سارع حراس السجن بالهرب وتخلّوا عن مراكزهم، ولوهلة كان السجناء بأمان، حتى اكتشفوا سريعاً تعقّد الأمور، بسبب تواجد الشرطة السرية النازية سيئة السمعة والمعروفة بـSS، في الغابات حول القلعة بأعداد كبيرة، وبلا شك سيعبرون القلعة في طريقهم، وكعادتهم يقومون بإعدام السجناء قبل الرحيل ولا يسمحون بنجاة أحد.
معركة القلعة
اختلف السجناء عن الطريقة المُثلى لمواجهة الموقف، خاصة في ظل صعوبة التنقل من الغابة واقتراب جبهة القتال من المنطقة كل يوم، فكان الحل في طلب المساعدة من خارج القلعة، وبالفعل أرسلوا طباخ السجن للبحث عن أي مساعدة قريبة، ووصل عند ضابط ألماني شهير يدعى جوزيف جانجل Josef Ganglالذي اشتُهر في أوساط المقاومة بكرهِ النازية، ومعروف بمساعدة المقاومة المحلية، ووافق على مساعدة السجناء.
لكنه لم يكن يملك تحت إمرته غير 20 جندياً تقريباً من الموالين له، ولن يتمكن من الدفاع عن القلعة بمفرده، فقرر طلب المساعدة بدوره من أعدائه، فرفع العلم الأبيض وتوجه لأقرب وحدة عسكرية أمريكية، وعرض عليهم الموقف وطالبهم بالتدخل السريع.
ولحسن الحظ استجاب له نقيب أمريكي يدعى جاك لي Jack Lee الذي أرسل يطلب إمدادات عاجلة من الجيش الأمريكي، لكنها فشلت في الوصول بسبب مشاكل استراتيجية واختلاف الأولويات، وقرر في النهاية التوجه مع مجموعته بصحبة الألمان صوب القلعة، ومحاولة الصمود حتى وصول التعزيزات باستخدام دبابة وحيدة امتلكتها مجموعته.
تمركز الجنود الألمان بين عدوهم الأمريكي والآخر الفرنسي، حيث جمع السجناء أسلحة الحرس الهاربين وشاركوا في القتال، في حين تم وضع الدبابة الأمريكية أمام بوابة القلعة، وفي اليوم نفسه شنت قوات الـ SS هجوماً عنيفاً على القلعة، وقاموا بتدمير الدبابة وفتح طريقة البوابة، وسط قتال عنيف من الطرفين.
وتمكنت القوة الألمانية-الأمريكية-الفرنسية من الصمود ببسالة، في مواجهة ما يزيد على 150- 200 فرد من أقوى الوحدات النازية، حتى وصلت التعزيزات المدرعة في اليوم التالي، وهاجمت الدبابات الأمريكية النازيين ونجحوا في أسر 100 جندي منهم، وأنقذوا القلعة بعد قتال دامٍ، سقط فيه الضابط الألماني جوزيف جانجل، الذي تم الاحتفاء به بصفته أحد أبطال الحرب بعد تلك الواقعة، وتكريمه بطلاً قومياً في النمسا بعد الوفاة.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.