شهدت وسائل التواصل الاجتماعي، وحتى وسائل الإعلام العربية والإسلامية، مؤخراً، موجة من الغضب في أوساط اللاجئين والمهاجرين بسبب سياسات سحب الأطفال من أسرهم بطرق قسرية في السويد من طرف "السوسيال"، وأثارت هذه الأخبار موجة من الغضب بين من يتهم السلطات في السويد بالظلم والعنصرية، وبين من يتهم الأولياء بسبب تقصيرهم وإهمالهم.
سلطات السوسيال
وتعتبر الخدمة الاجتماعية، أو دائرة الشؤون الاجتماعية، أو "السوسيال" في السويد، السلطة المسؤولة قانونياً عن ضمان تنشئة الطفل في بيئة "آمنة"، وفي حال شكّت هذه المؤسسة بوجود خطر على حالة الطفل الصحية أو النفسية، يحق لها أخذ الطفل بقوة القانون، ووضعه عند عائلة أخرى "مضيفة".
لكن ما أثار موجة السخط هي الأعداد الكبيرة والمتزايدة لأرقام الأطفال، الذين جرى نقلهم للعيش في بيوت عوائل أخرى، على الرغم من أن السويد من الدول الأوروبية التي تدعي احترام حقوق الإنسان واهتمامها بشكل كبير بالأطفال.
حيث تذكر بعض المصادر أن السويد أقرت في سبعينات القرن الماضي قوانين صارمة حول التعامل مع الطفل، ووقتها خضع المواطنون السويديون الأصليون لدورات مكثفة في تربية الأطفال، وخطت السويد خطوات كبرى تتعلق بأخذ المجتمع ككل نحو هذا التوجه.
والآن في ظل هذه الأزمة وإذا سلمنا أن الخلل في الأسر العربية أو الإسلامية يتساءل اللاجئون: لماذا لا يخضعون بدورهم لدورات خاصة بتربية أطفالهم كما جرى القيام به سابقاً مع المواطنين السويديين الأصليين، لماذا أصبح خيار حرمان الأولياء من أطفالهم هو الأقرب والأسرع تنفيذاً، والذي أصبح كأنه "خطف" للأطفال كأسلوب للعقاب.
بالرغم من تصنيف السويد كأكثر الدول الأوروبية سلمية إلا أنها بدورها شهدت حوادث ضد المسلمين، ففي 2015 أقر مجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة أنه يجب دق ناقوس الخطر وعبر عن مخاوفه إزاء ارتفاع حدة الهجمات التي باتت تستهدف الإسلام ومسلمي هذا البلد.
عودة الإسلاموفوبيا
يرى الباحث السياسي السويدي ماغنوس رانستروب أن ارتفاع حدة "الإسلاموفوبيا" في السويد يأتي في وقت أصبحت فيه الحكومة عاجزة عن مواجهة الكم الهائل من المهاجرين واللاجئين الذين يصلون إلى البلاد، ويتزامن أيضاً مع ظهور عدة جماعات متطرفة وعنصرية عنيفة تنشط على الأرض في العديد من مدن البلاد.
فهل تعتبر هذه السياسات الصارمة ضد اللاجئين من طرف "السوسيال" عقاباً لكبح وتقليل نسبة التواجد العربي الإسلامي على الأراضي السويدية، أو رغبة في تقليل نسبة المهاجرين؟
يمكن تصنيف هذه السياسة في إطار الإسلاموفوبيا، حيث أكد عدد من اللاجئين أن إبعاد الأطفال العرب والمسلمين عن أسرهم يكون في حالات كثيرة عند ظهور أي نوع من التميز الديني على الطفل، وأي مظاهر تدين إسلامية والتزام ولو بدرجة بسيطة، ويتم مباشرة تصنيفها على أنها انتهاك للطفولة، وأنها إجبار للطفل على ممارسة أمور وسلوكيات لا يريدها.
وكان العديد من رجال الدين في السويد ودول أخرى قد تطرقوا لأداء "السوسيال" متهمين إياها بأخذ الأطفال من دون أسباب موضوعية، داعين المؤسسة السويدية إلى تغيير طريقة عملها بما يتواءم مع ثقافة الجالية العربية والإسلامية.
تقول الناشطة إليزابيت بروم، في ندوة حول أخذ الأطفال من قبل دائرة الشؤون الاجتماعية "السوسيال"، في العاصمة السويدية ستوكهولم، إن دائرة "السوسيال" لا تقوم بتطبيق القانون كما هو مكتوب، وإن تقاريرها تتم المصادقة عليها في المحكمة بنسبة تقارب 98٪.
وأضافت أنها و"حوالي 40 محامياً احتجوا على السوسيال لتعسفها وعدم التزامها، ولكن ذلك لم يجدِ نفعاً، فتوجهت إلى المحكمة الأوروبية ولم يسمح لهم بالكلام هناك لتسليط الضوء على هذه القضية سوى لمدة خمس دقائق فقط".
وتأكد أن الأرقام كبيرة جداً؛ حيث عام 2010 جرى سحب 17 ألفاً و200 طفل وهذا رقم مخيف، وحتى عام 2014 جرى سحب 32 ألف طفل. وأضافت أن الحكومة تصرف أموالاً باهظة للعائلات التي يوضع عندها أطفال وتقدر بالملايين، وهناك وضع غير صحيح لأن "السوسيال" تعمل على إغراء الطفل المحتجز، ويقدم له ما يريد من أجل ألا يعود لأهله.
بالتالي تستغل السويد النمط الغربي المتحرر في إغراء الأطفال، وتوفير كل الأساليب والظروف الحياتية الممكنة للتخلي عن أسرهم الحقيقية وعن توجهاتهم الأصلية، لتؤسس لفرد سويدي خوفاً من تزايد عدد المسلمين في الدولة.
بالنظر إلى الوضع من ناحية نفسية، فإن اللاجئين يعانون من مشاكل بسبب الأوضاع المتأزمة التي عاشوا فيها في ظل الحرب والظلم الكبير، وأن هذه المؤسسات التي تدعي الإنسانية كان من المفروض عليها تقديم الدعم النفسي والاجتماعي لهذه الأسر ودمجها في المجتمع دون المساس بقيمهم ودينهم، ودون فرض أسلوب معين للتربية على الآباء، ولكن ما نشهده هو العكس تماماً.
ومع تزايد نسبة العنف والجرائم في السويد في الفترة الأخيرة ارتفعت أصابع الاتهام تجاه المسلمين مرة أخرى، فبغض النظر عن سبب أو شدة العنف هذه، فإن الرواية القائلة بأن العنف يزداد سوءاً وأكثر بشاعة بسبب المهاجرين لها تأثير حقيقي للغاية على الرأي والسياسات ويصدقها فئة كبيرة من المواطنين، على الرغم من قلة البيانات أو الدلائل أن العنف مصدره عربي أو إسلامي.
ومن خلال "وسائل الإعلام البديلة"، تتم مشاركة التقارير حول اعتداءات الملونين والمسلمين بشكل مستمر والمبالغة فيها في كثير من الحالات.
ويشكل المسلمون حوالي 8٪ من سكان السويد، أو حوالي 800 ألف، بالتالي كغيرها من الدول الأوروبية يتخوف المتطرفون في السويد من طغيان العنصر الإسلامي على السويدي وفقدان النموذج الغربي، أو تأثر الغرب بقيم ودين المسلمين.
لهذا تعتبر كل هذه السياسات كأسلوب ضغط على المهاجرين واللاجئين وفي نفس الوقت تقليل احتمالية انتشار العنصر المسلم، فعندما يتم إعادة هيكلة وتربية الأطفال في أسر غربية بعيداً عن عائلاتهم تكون بمثابة تجنب إنتاج فرد مسلم جديد قد يشكل تهديداً، حسب اعتقادهم.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.