مع اقتراب ذكرى 20 فبراير/شباط، ومع تصاعد مؤشرات الاحتقان الاجتماعي بالمغرب ووجود حالة من الانتظار في سلوك الحكومة، ثمة جدل حول إمكانية تجدد الحراك، واحتمال تطوره إلى طلب سياسي على إسقاط حكومة السيد عزيز أخنوش.
مؤشرات الاحتقان الاجتماعي بدأت مبكراً، وبشكل عملي، مع موجة رفض إجبارية التلقيح، فتحركت فعاليات اجتماعية في العديد من المدن ترفض الضغط الذي مارسته السلطة بإيعاز من قرارات حكومية، للتضييق على حرية الناس في المجال العام، وحتى داخل المرفق العمومي بحجة عدم توفرهم على جواز السفر، لكن سرعان ما تراجعت السلطات، وانعطفت إلى نهج أسلوب التواصل من أجل الإقناع بأهمية التلقيح في عودة الأنشطة الاقتصادية وعافية النسيج الاقتصادي المغربي.
ثلاثة تحديات وشارع ملتهب
اليوم، يعرف المغرب ثلاثة تحديات أساسية، ستزيد بلا شك من حدة الاحتقان الاجتماعي، لا سيما إن التزمت حكومة أخنوش نفس سلوكها الانتظاري السابق، ولم تسارع إلى اتخاذ قرارات عاجلة لامتصاص هذا الاحتقان.
أول هذه التحديات هو ارتفاع فاتورة الطاقة عالمياً، وانعكاس ذلك على ارتفاع أسعار النفط بشكل خاص، بحكم أن غاز البوتان لم يتغير ثمنه بسبب استمرار دعم الدولة لهذه المادة الحيوية.
حكومة السيد عبد الإله بن كيران، كانت قد طمأنت الشعب بأن سقف ثمن الكازوال لن يتجاوز عشرة دراهم، وأن الحكومة أبرمت عقود تأمين مع شركات عالمية، من أجل أن تتحمل الثمن الزائد عن هذه العتبة، لكن يبدو أن هذا الإجراء تبخر مع حكومة السيد أخنوش، فبلغ سعر الكازوال اليوم 11 درهماً، وهو ما سيكون له انعكاس كبير على أسعار النقل، وأيضاً على أسعار كل المواد، لا سيما الغذائية منها.
الجمعية المهنية للنقل واللوجستيك أصدرت بلاغاً قررت فيه الزيادة في أسعار النقل بـ20%، معللة قرارها بأنها منذ مدة طويلة، وهي تتحمل الزيادة في أسعار المحروقات، دون أن تقدم على أي زيادة في أسعار النقل، وأن السلطات لم تتجاوب مع مناشداتها المستمرة، لكن المفاجئ أنها اضطرت في أقل من 24 ساعة إلى العدول عن قرارها، دون أن تفصح عن التطور الذي دعاها لتغيير موقفها، وما إذا كانت قد تفاوضت مع السلطة المختصة وتم الاتفاق معها على حل مُرضٍ!
بعض الفاعلين السياسيين والنقابيين اعتبروا قرار رفع أسعار النقل خطيراً، بحكم أنه يزيد من تأزم الوضعية الاجتماعية وارتفاع أسعار المواد الغذائية فوق ما هي عليه اليوم، فمنذ جائحة كورونا وأسعار هذه المواد، تعرف ارتفاعات كبيرة، يتم تبريرها غالباً من قبل المسؤولين الحكوميين بأن الأمر يتعلق بارتفاع أسعار المواد الخام عالمياً.
التحدي الثاني، وهو المرتبط بارتفاع الأسعار بسبب تداعيات كوفيد، وغياب أي إجراءات تخفيفية من قبل الحكومة، حتى إن بعض نشطاء التواصل الاجتماعي يتداولون بكثافة، مشهد تذوق رئيس الحكومة لتفاحة، ومطالبته بالرفع من سعرها، في إشارة منهم إلى أن رئيس الحكومة لا يحس بمعاناة الشعب، وأنه يبارك هذه الزيادات، ويتمنى أن تستمر في وتيرتها!
التحدي الثالث، وهو الأخطر، مرتبط بموجة الجفاف غير المسبوق، فالمؤشرات الحالية تشير إلى أن السدود قد سجلت عجزاً بمعدل 64% عما هو معهود عليه في سنة فلاحية عادية!
فسَدُّ المسيرة، الذي يلبي احتياجات منطقة الوسط، أي الدار البيضاء وسطات وبرشيد، وهو بالمناسبة ثاني أكبر سد في المغرب، امتلأت حقينته بأقل من 7%، في حين بدأت مراكش ومنطقة الرشيدية تتحسس أزمة ندرة المياه، وسط توقعات بأن السنة الفلاحية ستكون الأضعف خلال هذا العقد إذا استمر احتباس التساقطات إلى شهر أبريل/نيسان القادم.
بين الجفاف والبحث عن الطاقة
المشكلة أن مطالبات عدة، توجهت إلى الحكومة لاتخاذ قرارات عاجلة لمواجهة آثار الجفاف وتداعياته على وضعية الفلاحة، وعلى ندرة المياه، وما يمكن أن يترتب على ذلك من أزمة عطش في بعض المناطق، لكن المبادرة جاءت من الملك خلال استقبال رئيس الحكومة لوزير الفلاحة، الأربعاء الماضي، وتم فيه التوجيه إلى اتخاذ إجراءات عاجلة، منها على وجه الخصوص تخصيص 10 مليارات درهم لمواجهة آثار الجفاف ورفع المعاناة عن العالم القروي، بما يفيد بأن هذه التحديات توجد في سلم انشغالات الدولة.
البعض يتوقع أن تتفاقم التحديات إذا تم تصعيد الموقف في أوكرانيا بين روسيا والغرب، وتم الفشل في تسوية النزاع، إذ سيكون من تداعيات ذلك، وجود تنافس شديد في الطلب على الغاز الطبيعي، واحتمال أن يغطي الطلب الأوروبي على ما سواه، كما يمكن أن يكون من تداعيات ذلك مزيد من ارتفاع الأسعار لا سيما إن فشلت الولايات المتحدة الأمريكية في إقناع السعودية بضخ كميات إضافية من النفط لتخفيض سعره، في الوقت الذي تلتزم فيه مع دول الأوبك بالمحافظة على أسعار النفط، ففي هذه الحالة يمكن أن يتجاوز سعر المحروقات كل العتبات السابقة، ويصعب أن يتم إقناع جمعيات أرباب النقل بالحفاظ على أسعار النقل.
على مستوى تأمين حاجة المغرب من الطاقة، تحرك المغرب في اتجاهين اثنين، الأول عبر زيارة رسمية لرئيس الحكومة ووزير الخارجية إلى قطر، لطلب تزويد المغرب بالغاز وتفعيل اللجنة المغربية القطرية، والثاني عبر مفاوضات تجري في الخفاء مع مدريد للنظر في كيفية تأمين تدفق الغاز إلى المغرب عبر الأنبوب المغاربي.
ما من شك أن مجموع هذه التحديات سيكون له أثر كبير على الوضعية الاجتماعية، ويمكن أن يدفع في مزيد من الاحتقان، بل من الممكن جداً أن يأخذ هذا الاحتقان طابعاً سياسياً، بأن يصير هناك طلب على إسقاط حكومة يسميها الرأي العام "حكومة رجال الأعمال".
20 فبراير جديد؟
لكن في المقابل، ثمة أسئلة كثيرة تثار بخصوص انتظار الحكومة، وعدم سعي الحكومات الثلاث التي أعقبت حراك 20 فبراير/شباط إلى استخدام الأداة الاستراتيجية للتحكم في أسعار النفط، أي مصفاة لاسامير التي كان يستخدمها المغرب في ادخار كميات ضخمة من النفط، كان يقتنيها عند انخفاض سعره في السوق العالمية، ويقوم بتكريرها. فلحد الآن، هناك غموض كبير يكتنف هذا الملف، ولم تستطع أي حكومة أن تقترب من هذا الملف الساخن، مع أن دوره استراتيجي في امتصاص مثل هذه الأزمات.
كما أن هناك تخوفات من أن تستغل ذلك النخب الاقتصادية التي تتاجر في المحروقات لتجديد مطالباتها بعودة منظومة الدعم لإبطال مفعول إصلاح صندوق المقاصة الذي قامت به حكومة بن كيران، فقد بدأت هناك بعض المطالبات بعودة منظومة الدعم بحجة تخفيف المعاناة الاجتماعية، وأيضاً بحجة أن الحكومات الثلاث السابقة قامت بتحرير أسعار النفط دون أن تقيدها بالشروط التي تمنع حصول التركيزات الاحتكارية، فلحد الساعة لا يزال موقف مجلس المنافسة مرتبكاً بخصوص ملف المحروقات، ولم تسفر مخرجات لجنة الاستطلاع البرلمانية التي قدمت عملها بخصوص الاحتكارات الحاصلة في المحروقات عن أي إجراء عملي ينهي هذه الممارسات غير المشروعة والتي تؤثر على أسعار المحروقات.
كل المؤشرات تفيد بأن الوضع الاجتماعي سيزداد تأزماً، فأسعار النفط لا تزال في وتيرة متسارعة، وتسارع الزمن نحو شهر أبريل/نيسان دون تساقطات مطرية يؤكد أن موجة الجفاف ستكون قاسية هذه السنة، واستمرار احتدام التوتر بين الغرب وروسيا في أوكرانيا سيزيد الوضع حدة، وسيعقد قدرة السلطة على امتصاص الاحتقان الاجتماعي.
التجارب السابقة تثبت وجود أوراق اعتماد كثيرة يمكن أن تلجأ إليها السلطة لامتصاص الاحتقان، ففي غمرة الأزمة الاقتصادية التي شكلتها لحظة كورونا دعا الملك إلى تفعيل مبدأ التضامن، ونجحت الدولة في أن توفر سيولة مهمة لتجاوز الوضع، كما لجأت السلطة إلى إخراج ورقة الإصلاح الدستوري وورقة التغيير السياسي لحظة الربيع العربي، وهي أوراق لا تزال تملك صلاحيتها، وإن كان بشكل أقل بالنسبة إلى الورقة السياسية، بحكم عدم وجود فاعل سياسي بجاذبية كبيرة، يمكن أن يقوم بالدور الذي قام به حزب العدالة والتنمية في حراك 2011.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.