تسبَّبت الطبيعة السياسية للنظام اللبناني في هذه البلاد على مر الزمن في كوارث لا تعد ولا تحصى، لكنها لم تبلغ في شدتها كوارث "العهد القوي" التي تجاوزت بقوتها التدميرية درجات مقياس ريختر المستخدم في قياس الزلازل وما زال هذا العهد قائماً يمارس لعبة "الطميشة" كأن التاريخ توقف، فمبدأ أهل القوى هو "نحن أو لا أحد". وهذا ما ذكرني بجدتي التي كانت تدعونا للبكاء على مصيبة الذئب وكنا نسألها ما مصيبة الذئب؟ فكانت تجيب عينوه راعياً للغنم وكنا نبكي معها تضامناً.
وأهل لبنان أسمى وأرفع شأناً من هذا التشبيه، لكن قادة النظام الطائفي هم من عاملوا أهل لبنان كذلك، فأمعنوا في تلقيحهم بفيروس الطائفية القاتل عبر رشوة الوظيفة وشراء الضمائر وبث التعصب. ودليلنا في ذلك أن صقور الحرب الأهلية الذين دمروا البلاد وقتلوا وجرحوا وشردوا مئات الآلاف تحولوا بين ليلة وضحاها إلى حمائم السلام وما زالوا أصحاب الأمر والنهي في بلد وضعوه على طريق الزوال.
لكننا على يقين بأن الناس في لبنان لم تعد تعنيهم مطلقاً حكاية جدتي كذلك الأمر لا تعنيهم "همروجة" مطاردة حاكم مصرف لبنان "رياض سلامة" التي باتت حكايته تشبه حكاية السلحفاة والعقرب في التراث الهندي؛ إذ يحكى أن نهراً فاضت مياهه فتعاقدت السلحفاة مع العقرب على نقله إلى الضفة المقابلة بشرط ألا يلدغها، لكن عندما شعر العقرب أنه اقترب من ضفة الأمان لدغ السلحفاة وفي طريقهما نحو القعر سألته السلحفاة: لماذا فعلت هذا؟ فأجابها هذا هو طبعي.
يومها كان رياض سلامة مطلوباً لتعويم أحد البنوك لصالح نافذين في تيار سياسي، لذلك تم تمديد صلاحية رياض سلامة بكل سرور، لكنه اليوم بات عقبة يجب إزالتها من أجل تعيين بديل مطيع بلعبة مكشوفة عمادها عدالة حسب الطلب.
هو الخجل إن مات أو ارتحل، حينها يصبح القاضي فوق القضاء وتصبح "البلطجة" قانوناً.
لذلك لا بد من تذكير الرئيس ميقاتي أنه لم يعد كافياً وقف ملاحقة رياض سلامة منفرداً، لم يعد كافياً إظهار المواهب في تدوير الزوايا لأن الزوايا لم تعد تحتمل التدوير، خصوصاً بعد انتقال سيف العدالة الانتقائية إلى اللواء عثمان، وذنب الأخير أنه نفذ القانون اللبناني لا قانون من يريد اختزال لبنان في شخصه.
بل بات ملحاً يقول كفى، كفى لدغاً دون وجه حق!
وفي جانب آخر، يقال إن هذه السلسلة من الهزل والفبركة مقصودة وهدفها صرف انتباه الرأي العام عما يشاع حول وجود طبخة ما تحوم حولها شبهات في ملف ترسيم حدود البلاد البحرية مع العدو الصهيوني، حيث أسماء الخطوط وأرقامها تتمايل كعقارب الساعة.
هذا احتمال وارد أيضاً لأنه ليس غريباً على من اجتهد في رسم تفاصيل جهنم لبلاده وتولى أمر تنفيذها أن يستثمر في أي ملف خصوصاً أننا في عهد الاستهتار المطلق بحياة الناس، ظناً منه أنهم ممثلون في مشهد من فيلم "the walking dead" أي "الموتى السائرون" وخلاصته أن تتصرف كأنك حي بينما الموت فيك حي.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.