بين تشبث الدبيبة ومساعي باشاغا.. ما السيناريوهات الثلاثة التي تنتظر الشعب الليبي؟

عربي بوست
تم النشر: 2022/02/17 الساعة 13:13 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/02/17 الساعة 13:13 بتوقيت غرينتش
عبدالحميد الدبيبة وفتحي باشاغا - تعبيرية / الأناضول

تُحيي ليبيا في 17 فبراير/شباط، الذكرى الحادية عشرة لثورتها على نظام معمر القذافي، وقد عاشت منذ 2011 حالةً من التجاذب المتواصل بين أطراف مختلفة.

كان الاختلاف بالأساس على أرضية الانتماء الجغرافي، والموقف من الثورة، بين بعضٍ في الغرب مناصر، وبعضٍ في الشرق يسعى إلى الارتداد عليها.

عرفت ليبيا خلال السنوات الـ11 الماضية عديداً من الحكومات، آخرها حكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبد الحميد الدبيبة، وكان من المنتظر أن تشهد ليبيا في نهاية سنة 2021 انتخابات تشريعية ورئاسية تُنهي الفترة الانتقالية الطويلة.

عرف مسار الانتخابات صراعات واختلافات ليعلن عن تأجيلها، ما أسهم في بروز حالة من الانقسام بين مكونات الشعب الليبي ومناطقه، وعودة تنازع الشرعيات بين مؤسسات البرلمان والحكومة والمجلس الأعلى للدولة.

وبلغ الانقسام مرحلة التشظي، بعد إعلان البرلمان فتحي باشاغا رئيساً للحكومة، وتمسُّك الدبيبة بمنصبه حتى إجراء الانتخابات.

المسار من التوافق إلى الانقسام

بعد سنوات من النزاع المسلح سقط خلاله مئات الضحايا، ودُمرت مدن، وشُتت عائلات، وُقّع في أكتوبر/تشرين الأول 2020، اتفاقٌ بين الجيش الليبي التابع لحكومة الوفاق الوطني، برئاسة فايز السراج، والقوات العسكرية التابعة لخليفة حفتر، في جنيف. واجتمع الطرفان على أرضية التأكيد على وحدة ليبيا، والامتناع عن رهن القرار الوطني ومقدرات البلاد إلى قوى خارجية، ومكافحة الإرهاب، بالإضافة إلى احترام حقوق الإنسان.

وتمثّلت بنود الاتفاق في وقف إطلاق النار، وخروج المرتزقة والمقاتلين الأجانب من التراب الليبي، وإخضاع القوات العسكرية لسيطرة الدولة، بالإضافة إلى إيقاف التصعيد الإعلامي وخطاب الكراهية.

وتواصلت حوارات الأطراف الليبية واتفاقياتها، وأهمها ملتقى الحوار السياسي في تونس، في نوفمبر/تشرين الثاني 2020، الذي اتفق فيه مختلف الأطراف على تحديد موعد 24 ديسمبر/كانون الأول 2021، لإجراء انتخابات تشريعية ورئاسية على أسس دستورية، إضافة إلى تحديد اختصاصات السلطة التنفيذية الجديدة، وشروط الترشح للمجلس الرئاسي والحكومة.

وجاءت حكومة الوحدة الوطنية إثر انتخابات شارك فيها 75 ممثلاً عن مختلف الأطراف الليبية، في ملتقى الحوار السياسي في جنيف، في فبراير/شباط 2021، وفازت القائمة، التي ضمّت محمد يونس المنفي رئيساً للمجلس الرئاسي، وعضوي المجلس موسى الكوني، وعبد الله حسين اللافي، ورئيس الحكومة عبد الحميد الدبيبة، أمام القائمة التي ضمت عقيلة صالح رئيساً للمجلس الرئاسي، وعضوي المجلس أسامة الجويلي، وعبد المجيد سيف النصر، ورئيس الحكومة فتحي باشاغا.

رئيس الحكومة الليبية عبدالحميد الدبيبة ورئيس مجلس النواب عقيلة صالح، أرشيفية/ تويتر

وتعهد المترشحون خطياً، خلال الملتقى، بالالتزام بخارطة الطريق المتفق عليها في تونس، وإجراءِ انتخابات يوم الرابع والعشرين من ديسمبر/كانون الأول 2021، كما تعهدوا بالالتزام بنتائج التصويت على اختيار السلطة التنفيذية.

وكان واضحاً من البداية أن طول الصراع المسلح بين الفرقاء في ليبيا، وما تركه في نفوسهم وذاكرتهم من آثار سلبية، مع ما تقوم به عدة أطراف خارجية من تأجيج وتأليب وتوظيف خدمة لمصالحها سيجعل الاتفاق هشاً.

وكان الرهان على نجاح حكومة الوحدة الوطنية ومختلف مكونات المشهد الليبي، في الذهاب بالشعب إلى مصالحة شاملة، تُنهي الصراع، وتتجه بالبلاد نحو انتخابات تشريعية ورئاسية على أسس دستورية وقانونية متفق عليها، وهو الأمل الوحيد للخروج من حالة الانقسام، إلا أنها فشلت في ذلك.

يُرجع البعض هذا الفشل إلى تركيز عبد الحميد الدبيبة على تسويق صورته مرشحاً للانتخابات، عوضاً عن التركيز على القضايا الشاغلة للمجتمع الليبي، وبذل الجهد من أجل المساهمة في تحقيق الاتفاق على الدستور والقانون الانتخابي، بالإضافة إلى عدم مراعاته لموازين القوى، خاصة في الغرب، في التعيينات والبرامج الحكومية.

في المقابل، يرى آخرون أن التعطيل تم من الطرف المقابل، الذي لم يستطع تجاوز هزيمته العسكرية في طرابلس، وهزيمته الانتخابية في جنيف، وليست الحجج القانونية والأمنية المعلنة وتحميل حكومة الدبيبة الفشل في الوصول إلى الانتخابات في موعدها سوى مطية للانقلاب على الاتفاق.

ويُرجع البعض الآخر الفشل إلى ضعف البعثة الأممية، وعجزها عن القيام بمهمتها في تقريب وجهات النظر بين مختلف الأطراف الليبية، بالإضافة إلى عجزها عن وقف التدخلات الأجنبية التي عطّلت مسار التوافق.

من الانقسام إلى التشظي

بالعودة إلى الوراء قليلاً، وقراءة المناخ الذي ساد فترة الإعلان عن الترشح للانتخابات الرئاسية المؤجلة، وما لحقها من تجاذب وتنازع للشرعيات إثر إعلان التأجيل، تتضح هشاشة الوضع في ليبيا. تعمقت الأزمة وزادت الهشاشة بعد تمسك البرلمان بتغيير رئيس الحكومة، وانتخاب فتحي باشاغا رئيساً للحكومة بدلاً من عبد الحميد الدبيبة.

رفض الدبيبة قرار البرلمان، واتَّهم قراراته "بالعبث الذي يشوبه التزوير والتدليس"، كما أعلن تمسكه بمنصبه رئيساً للحكومة، معتبراً أن مدة ولايته تنتهي إثر إجراء الانتخابات وتسليم القيادة إلى حكومة منتخبة.

أعلن الدبيبة أيضاً عن خطة للانتخابات، وطالب أنصارَه بالتظاهر بكثافة في كل المدن يوم 17 فبراير/شباط، للمطالبة بانتخابات سريعة. كما تحدث عن أمله في عدم حصول اشتباك عسكري بسبب التنازع السياسي الحاصل، وهو ما فُهم على أنه إشارة إلى إمكانية حدوث هذا السيناريو.

ويتواصل في الأيام الأخيرة التحشيد المسلح في العاصمة طرابلس، من قِبل كتائب داعمة لبقاء الدبيبة، تحسباً لأي صراع قد يحصل. وبالإضافة إلى القوى العسكرية يحظى الدبيبة بدعم عائلته، ذات النفوذ الاقتصادي القوي في طرابلس، بالإضافة إلى دعم الأمم المتحدة وبعض القوى الإقليمية.

في المقابل، أعلنت جملة من الكتائب المسلحة في مصراتة وغيرها من المدن الغربية، بالإضافة إلى قوى خليفة حفتر في الشرق، دعمَها للمرشح فتحي باشاغا.

فتحي باشاغا وزير الداخلية الليبي السابق لحظة وصوله لطرابلس، رويترز
فتحي باشاغا وزير الداخلية الليبي السابق لحظة وصوله لطرابلس، رويترز

ويستمد باشاغا قوته أساساً من بعض القوى المعارضة لسياسات حكومة الدبيبة في الجهة الغربية، المتمركزة أساساً في مدن الزاوية والزنتان وغريان، وأيضاً مصراتة، مسقط رأسه، وكذلك من علاقاته الواسعة مع عدد من الكتائب، بحكم خلفيته الأمنية، وإشرافه سابقاً على وزارة الداخلية، بجانب دعم البرلمان وعدد من القوى الإقليمية بينها مصر.

وقد ميَّز التذبذب والتردد موقف المجلس الأعلى للدولة، حيث أعلن 75 منهم في البداية عن دعم انتخاب باشاغا، و54 آخرون أعلنوا دعم بقاء حكومة الدبيبة.

خالد المشري، رئيس المجلس الأعلى، بدوره صرّح في البداية بأن قضية تغيير الحكومة لم تكن وليدة الفترة الحالية، وأن المجلسين (النواب والدولة) توافقا على فتح ملف السلطة التنفيذية وفتح باب الترشح لرئاسة الحكومة من جديد.

ثم عدل من موقفه قائلاً إن التعديل الدستوري، وتغيير الحكومة المُقرَّة من قِبل البرلمان خلال جلسته الأخيرة "غير نهائية"، منوهاً بأن "هناك العديد من الملاحظات حولها".

ليعبر فجر الأربعاء، 16 فبراير/شباط، عن موقف جديد، قال فيه إن قيام مجلس النواب بتكليف رئيس جديد للحكومة هو "إجراء غير سليم".

رجح الموقف الأخير لخالد المشري والمجلس الأعلى للدولة الكفة في مستوى المؤسسات لصالح الدبيبة حتماً، ويبدو أنه جاء إثر قراءة لموازين القوى ميدانياً، وتجنباً لما تخوف منه سابقاً بأن يكون رئيس الحكومة مطعوناً في إجراءات انتخابه.

ورغم هذا لم يتوقف فتحي باشاغا عن مشاورات تشكيل حكومته، ويسعى لأن تحظى هذه الحكومة بثقة البرلمان، كما يواصل البحث عن الأطراف الداعمة له دولياً وإقليمياً.

السيناريوهات الممكنة

الواضح من خلال ما تقدم أنّ ليبيا أمام سيناريوهات ثلاثة.

 الأول: هو فشل فتحي باشاغا في تشكيل الحكومة ومواصلة حكومة الدبيبة باتفاق الجميع.

الثاني: نجاح باشاغا في تشكيل حكومة تحظى بموافقة البرلمان، وحصوله على الدعم الشعبي والدولي الكافي، وانسحاب الدبيبة في هدوء.

الثالث: نجاح باشاغا في تشكيل الحكومة، والحصول على ثقة البرلمان، ورفض الدبيبة تسليم الحكم.

من خلال تمسك طرفي النزاع بمواقفها، وفي ظل عدم قدرة البعثة الأممية على فرض خياراتها، يبدو أن ليبيا ستعود إلى ما قبل 2021، أي تحت سلطة حكومتين، وسط انقسامٍ تَجاوَز المعيار الجغرافي بين الشرق والغرب، على أساس الموقف من الثورة إلى التشظي داخل المنطقة نفسها، بين داعم لحكومة الدبيبة وداعم لحكومة باشاغا.

ماذا يريد الليبيون؟

رفعت الثورة الليبية منذ انطلاقتها شعارات سياسية، تُطالب بالحرية والديمقراطية، ولم تكن المطالب الاجتماعية حاضرةً في ذهن المواطن الليبي، لما يحظى به حينها من أمان في هذا المستوى.

لكن انعكس طولُ سنواتِ النزاع، وتَواصُل الحرب على الوضع الاقتصادي والاجتماعي في ليبيا، لتبرز مطالب الاستقرار والتنمية هاجساً لدى الليبيين، ويعزز هذا الهاجس ما تزخر به ليبيا من خيرات نفطية، وثروات مائية وطبيعية هائلة، تمكّنها من التحول إلى دولة رفاه اقتصادي.

ويطمح الليبيون في الذكرى الحادية عشرة لثورتهم إلى إنهاء حالة الانقسام، والذهاب نحو تأسيس ليبيا الديمقراطية، من خلال الاستفتاء على دستور يُعبر عنهم، وإرساء منظومة انتخابية شفافة، وإنهاء حالة الانتقال من خلال انتخابات جامعة.

مظاهرات في ليبيا 2021/ الأناضول
مظاهرات في ليبيا 2021/ الأناضول

الليبيون المشتتون في مختلف دول العالم سئموا من تواصل النزاعات المسلحة، ويرقبون من النخب السياسية تحقيق اتفاقات وتسويات تنتهي بمصالحة وطنية شاملة، تُعجّل العودة لوطنهم.

كما يطمح الليبيون أيضاً إلى إنهاء التدخل الأجنبي في قرارات بلادهم السيادية، وأن تلعب مختلف الأطراف المعنية بليبيا، دوليةً كانت أو إقليميةً أدواراً إيجابية في تجميع الليبيين لا تفريقهم، وأن يقود المرحلة قادة أكفاء، لا ولاء لهم لغير وطنهم، ولا مصلحة لهم غير مصلحة شعبهم.

كما يريدون كذلك الإسراع في تركيز مؤسسات ديمقراطية تشريعية وتنفيذية وقضائية قوية، ترسخ معاني الدولة الحديثة، وتُخرجهم من سطوة تأثير القبيلة والسلاح في العملية السياسية.

 تأتي الذكرى الحادية عشرة للثورة الليبية وشبح عودة الحرب يخيم عليها، وسط مخاوف أبنائها من إعادة سيناريوهات ظنّوا أنها في طيّ النسيان، خاصةً بعد الاتفاقات السياسية التي حصلت قبيل انتخاب حكومة الوحدة الوطنية.

تأتي ذكرى الثورة في وقت يراهن الليبيون فيه أكثر من أي وقت مضى، على عدم انجرار الأطراف المتنازعة مجدداً إلى القوة والسلاح، وأن يهتدوا إلى تسويات تُسرع بتحقيق المصالحة الشاملة، وإرساء دولة الديمقراطية والرفاه الاجتماعي المنشودة.

تأتي هذه الذكرى أيضاً وأنصار ثورات الربيع العربي، التي شهدت جُلها انتكاسات مختلفة المستويات، يأملون بأن تكون الثورة الليبية الاستثناء، وتنجح في تحقيق أهدافها.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

سليمان شعباني
كاتب ومحلل سياسي تونسي
خريج قانون من كلية الحقوق والعلوم السياسية بسوسة (تونس)، متحصل على شهادة في العلوم السياسية من معهد تونس للسياسة ومتخرج من الأكاديمية الدولية للحوكمة الرشيدة بالمدرسة الوطنية للإدارة في تونس، كاتب صحفي في عديد من المواقع التونسية والعربية، وصدر له كتاب بعنوان القوانين المنظمة لاستغلال الأراضي الدولية في تونس
تحميل المزيد