في فبراير/شباط الجاري زار القاهرة قائد القيادة المركزية الأمريكية كينيث ماكينزي الذي يشرف على مسرح عمليات يمتد من مصر إلى أفغانستان، واللافت في هذه الزيارة أنها أول زيارة لمسؤول أمريكي عقب إعلان إدارة بايدن إلغاء 130 مليون دولار من المساعدات العسكرية للقاهرة بذريعة وجود مخاوف تتعلق بحقوق الإنسان في مصر.
حظر السلاح الروسي
وقد كانت زيارة ماكينزي لمصر، التي اجتمع فيها مع السيسي في فبراير 2021 هي أول زيارة لمسؤول أمريكي بعد تولّي بايدن للرئاسة الذي تجاهل الاتصال بالسيسي على خلاف المعهود في العلاقات بين رؤساء الدولتين، ولم يتصل بايدن بالسيسي سوى مع اندلاع حرب أسوار القدس في مايو/أيار 2021. وهو ما يشير إلى أن البنتاغون وبالتحديد قائد القيادة المركزية الأمريكية لاعب أساسي في إدارة ملف العلاقات المصرية- الأمريكية، وأنه المخوّل بالتواصل في حال برود العلاقات بين إدارة البلدين.
وقُبيل الزيارة الأخيرة أدلى ماكينزي بتصريحات لرويترز تحدث خلالها عن أن تجميد 130 مليون دولار لا يمثل جزءاً كبيراً من 1.3 مليار دولار تخصصها واشنطن كمعونة عسكرية لمصر، مضيفاً أنه مبلغ صغير جدًا، لكنه يحمل إشارة لابدَّ أن تفهمها القاهرة، كما تطرق إلى ملف آخر حساس وهو مبيعات الأسلحة الروسية لمصر؛ إذ قال: "نرغب في الحفاظ على شراكة وثيقة مع مصر، وهو ما سيتأثر بالضرورة في حال شراء مصر صفقات أسلحة كبيرة مع روسيا"، في تذكير منه بتهديد وزيرَي الدفاع والخارجية الأمريكيين مارك إسبر ومايك بومبيو في نوفمبر/تشرين الثاني 2019 خلال رسالة مشتركة بعثا بها لوزير الدفاع المصري محمد زكي بفرض عقوبات على مصر في حال شرائها طائرات "سوخوي- إس 35" الروسية، وذلك وفق قانون "جاستا- قانون التصدي لأعداء الولايات المتحدة" والذي يشمل الدول التي تشتري السلاح الروسي.
وبالفعل لم تتسلم مصر حتى الآن طائرات "سوخوي- إس35" التي سبق أن أعلنت صحيفة كومرسانت الروسية في مارس/آذار 2019 أن القاهرة وقعت عقداً مع موسكو بقيمة 2 مليار دولار لشراء 20 طائرة مفترض تسلّمها خلال عامَي 2020 و2021.
العلاقات العسكرية المصرية- الأمريكية
بعد قطيعة دامت سبع سنوات في العلاقات المصرية- الأمريكية عقب حرب 1967، عادت العلاقات مجدداً في عام 1974، ولعب البنتاغون دوراً مركزياً في إدارة العلاقة بين البلدين، وبالأخص مع بدء تدشين تمارين النجم الساطع بين البلدين على الأراضي المصرية في عام 1980 بعد عقد اتفاقية كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل، فضلاً عن تحوّل تسليح الجيش المصري من العتاد الروسي إلى العتاد الأمريكي، وهو ما تطلب إيفاد عسكريين مصريين للتدرب في أمريكا واستكمال دراساتهم العليا، ومن أبرز هؤلاء عبد الفتاح السيسي رئيس النظام المصري الحالي، فيما دربت واشنطن 7108 من العسكريين المصريين بين عامَي 2009 و2018 على الأراضي الأمريكية بحسب دراسة نشرها مشروع الديمقراطية في الشرق الأوسط (POMED) في عام 2020 بعنوان "المساعدة الأمنية الأمريكية إلى مصر".
وبداية من عام 1987 أمدت واشنطن مصر بمساعدات عسكرية سنوية بقيمة 1.3 مليار دولار، وتوزع تلك المساعدات وفق بنود محددة تكفل لواشنطن التحكم في مسارات إنفاقها بما لا يخل بتفوق إسرائيل على جيوش المنطقة وفق نصوص بيانات موافقة وكالة التعاون الدفاعي الأمريكي على بيع عتاد وأسلحة عسكرية لمصر. وتلك البنود هي:
- 39٪ لتطوير أنظمة التسليح الأمريكية الموجودة ابتداء.
- 34٪ لمتابعة عقود الصيانة والدعم الفني للمعدات الأمريكية المستخدمة بالجيش المصري.
- 27٪ لإجراء تعاقدات جديدة.
تمثل مصر أهمية لواشنطن من عدة زوايا يتحدث عنها دوماً التقرير السنوي لمركز أبحاث الكونغرس الذي يتناول العلاقات المصرية- الأمريكية فضلاً عن إفادات كبار المسئولين في واشنطن خلال جلسات الاستماع أمام لجنة الدفاع الفرعية المنبثقة عن لجنة المخصصات بمجلس النواب الأمريكي، وخلاصتها أن الجيش المصري هو صمام أمان للاستقرار بالمنطقة، وحصن منيع ضد التطرف في ظل وجود عدد سكان ضخم يفوق 100 مليون نسمة، ووجود حدود مشتركة لمصر مع الكيان الصهيوني وقطاع غزة، ومرور قناة السويس ضمن الأراضي المصرية فضلاً عن تمتع القاهرة بثقل سياسي وديني عربي وإسلامي حيث يقع بها مقر الجامعة العربية، وجامعة الأزهر.
وفيما يخص البنتاغون تحديداً، فإن الجيش المصري يقدم عدة تسهيلات توفر ميزة استراتيجية لسرعة تحرك القوات الأمريكية المنتشرة في البحر المتوسط والخليج العربي والمحيط الهندي، ومن أهم تلك التسهيلات إعطاء أسبقية المرور في قناة السويس للسفن الحربية الأمريكية خلال 24 ساعة إلى 48 ساعة من تقدمها بطلب العبور، علماً أن القانون المصري ينص على إعطاء مهلة 30 يوماً قبل التصديق على عبور القناة.
ورغم ذلك فقد تعرضت العلاقات بين المؤسستين العسكريتين في البلدين لبعض التوترات في حوادث متنوعة من أبرزها إلقاء القبض في عام 1988 بأمريكا على عالم الصواريخ المصري الأصل عبد القادر حلمي مع مصادرة صناديق محملة بمواد تدخل في صناعة الصواريخ من على متن طائرة نقل عسكرية طراز C-130 تابعة للجيش المصري في مطار بواشنطن. وقد اتُّهم حلمي بتلقِّي أكثر من مليون دولار من التحويلات المالية لتمويل مشتريات مصرية لمواد محظورة تدخل في صناعة صواريخ أرض-أرض، ضمن مشروع مصري مشترك مع الأرجنتين بدعم عراقي. واتُّهم في القضية ضابطان مصريان يحملان رتبة عقيد، أحدهما يدعى حسام خيرت، والآخر هو فؤاد الجمل، لكن لم يُقبض عليهما لتمتّعهما بحصانة دبلوماسية آنذاك. وتردد أن تلك القضية كانت من أسباب إقالة حسني مبارك لوزير الدفاع المصري أبو غزالة، على خلفية إشرافه على تلك العملية بعيداً عن قنوات التواصل المصرية- الأمريكية الرسمية.
علاقة راسخة رغم التوتر
ومع اندلاع الثورة المصرية، وتخوّف واشنطن من انعتاق مصر من القبضة الأمريكية، أدرج الكونغرس في عام 2012 شروطاً لتقديم اعتمادات مالية لمصر تتطلب شهادة وزير الخارجية الأمريكي بأن الحكومةَ المصرية تلتزم بالديمقراطية وحماية حقوق الإنسان. لكن سرعان ما وقف البنتاغون بجوار السيسي عقب عزله للرئيس محمد مرسي عام 2013، وضغط على إدارة أوباما لامتصاص التوتر بينها وبين النظام المصري الجديد، وهو ما سرده الصحفي الأمريكي ديفيد كيركباتريك في كتابه "في أيدي العسكر".
وفي ظل توجهات إدارة أوباما بتخفيض الالتزامات الأمنية الأمريكية في الشرق الأوسط، أبلغت واشنطن القاهرة في عام 2015 أنه بدءاً من السنة المالية 2018، فإن المعدات العسكرية الأمريكية الجديدة المقدمة إلى مصر ستقتصر على أربعة أنواع تلبي الاحتياجات الأمنية لمصر ومصالح الأمن القومي الأمريكي، هي: مكافحة الإرهاب، وأمن الحدود، والأمن البحري، وأمن سيناء. وبالتالي لم تعد واشنطن تدرج الأسلحة الثقيلة والمتطورة ضمن برامج مساعداتها إلى مصر، وهو ما دفع النظام المصري للتوجه نحو موسكو وباريس وبرلين لشراء تلك النوعية من الأسلحة مثل طائرات الرافال وسوخوي 35 التي تعترض واشنطن عليها.
وفي المحصلة تظل علاقات وزارة الدفاع الأمريكية مع النظام المصري راسخة في ظل تحقيقها لمصالح الطرفين بغض النظر عن التوترات السياسية التي تصيب العلاقات بين القاهرة وواشنطن، على خلفية بعض الملفات، مثل الملف الحقوقي في مصر. ولذا تحافظ زيارات قائد المنطقة المركزية الأمريكية لمصر على دوريتها حتى في حال تجميد بعض المساعدات الأمريكية.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.