"أنت بتشتغل عشان تقدر تتجوزها في أسرع وقت، وهي بتشتغل عشان تقدر تسيبك فى أي وقت".. بتلك العبارات الرنانة يطل علينا Trend جديد يصبح حديث الشارع على ساحات التواصل الاجتماعي؛ ليدور نقاش ساخن حول عمل المرأة، ويبدأ كل شخص يأخذ طرفاً ما ويُدلي بدلوه في هذا الموضوع.
بطبيعة الحال لدينا عدة فرق، فريق المدافعين عن الرجال المنتهكة حقوقهم المنسحقين تحت طاحونة الحياة والعمل، وفريق المدافعين أو المدافعات عن عمل المرأة وعموماً حقوق النساء في العمل والحرية في كل ما يردن فعله، وفريق ثالث هو بمثابة رمانة الميزان فيعطي بعض الحق لفريق وبعضه الآخر للفريق الآخر، وبالطبع لدينا فريق رابع نعرفه جميعاً في كل القضايا المطروحة ليس له في بلح الشام ولا عنب اليمن وهو المسمى بفريق الكنَبة، الذي يشاهد ما يجري في صمت.
بناءً على كل ما سبق، تعالوا نستعرض معاً موضوع "عمل المرأة" وتحديداً مع زواجها، بجانب تربوي اجتماعي، ونتناول فيه كل الأسئلة التي تدور في ذهن كل فريق، نفكر ونصل للإجابات معاً وفى كل الأحوال ستبقى الإجابة مجرد رأي.
ما الحكاية؟! لنفكر معاً
عندما تطرح قضية العمل بمثل هذا الوصف يتبادر للذهن فوراً أن المرأة شريرة لا تقدر جهد الرجل وتضحياته لأجلها ولا تساعده، وإن فكرت يوماً بالعمل سيكون فقط من أجل تركه، فهل هذا التفكير منطقي وسليم؟! وهل هو واقعي؟ وإن كان كذلك هل يمثل المجتمع بمختلف حالاته وظروفه الاجتماعية؟ هل الرجل هو الوحيد المخلص والكادح فقط؟ وهل يعمل فقط لأجل تلبية متطلبات الزواج والزوجة؟ أم أن العمل من مقوماته كرجل بشكل عام؟
ثم هل عمل المرأة ضروري من الأساس؟ وما الذي دفعها للعمل بكل تلك الكثافة؟ ربما تكون لديها الرغبة للعمل والتحرر من قيود مفروضة عليها والتخلص من زوج ما، لكن قبل أن نحكم عليها ونراها بذلك المنظور السيئ هل فكرنا في الأسباب التي دفعتها لذلك؟
ربما حينها نرى بعض النساء محقات في ذلك الأمر وربما نجد بعضهن الآخر غير ذلك، فالاختلاف سنة كونية بطبيعة الحال. ولا يختلف اثنان على أن البيت مملكة المرأة وأول واجباتها المقدسة، لكن هل يؤثر خروجها للعمل على بيتها وأولادها تأثيراً سلبياً أم إيجابياً؟ وإن أثر عليه بشكل سلبي هل يكون الحل في انفصالها عن العمل أم هناك حلول أخرى، أحدها قد يكون ترك العمل؟! وأنت كرجل إن كنت ستختار امرأة تتركك إن ملَكَت عملاً يوماً فهل فكرت في أن تراجع السبب وراء ذلك ثم تراجع أسس اختيارك لها؟
عمل المرأة قديماً وحديثاً
أجل يا رفاق مثلما لا يختلف اثنان على أن البيت هو مملكة المرأة وأول واجباتها المقدسة وأولى أولوياتها في الحياة وكل شيء يأتي بعد ذلك وبشرط ألا يؤثر على سير حياة أسرتها وبيتها أي شيء، فإن هذا المنظور قد لا يبدو واقعياً لدى بعض الأسر التي تكابد عناء الحياة ومتطلباتها، مما يضطر المرأة للخروج للعمل كتفاً بكتف لمساعدة الزوج وتلبية متطلبات البيت والأولاد.
فقديماً كان للمرأة عمل واحد وهو بيتها، كانت الحياة حينها بسيطة، متطلباتها قليلة، وتطلعات أبنائها أيضاً محدودة، لكن ما حدث بعد ذلك أن تم استيراد فكر يدعو للتحرر والخروج للعمل والمناداة بإعطاء المرأة حقها في العمل دون النظر لشروط العمل وملاءمته لطبيعتها الأنثوية وضعفها رغم قوتها، واحتياجها للانتماء لزوج يتكفل هو بذلك الجزء الشاق.
وأخذت الدعوات لعمل المرأة تأخذ مجراها حتى أصبح سوق العمل مكتظاً بكل تلك السيدات العاملات واللاتي أجل يتفوقن في بعض المجالات على الرجال، ولا ننكر أن بعض المهن تتطلب وجود المرأة كاختيار أفضل من الرجل مثل تخصص "طبيبة النساء والتوليد" وغيرها، ولكن أصبح هناك جيل جديد يفضل عودة المرأة لطبيعتها وبيتها وسئمَ العمل وضغوطه، وأنهم إن وجدوا لذلك سبيلاً لن يتركوه. ولكن لا يتم تسليط الضوء على مثل تلك المناشدات ولا تأخذ وضعية حديث الساحة.
عقلان وقلب واحد
لكن أعود وأؤكد أن المرأة المتزوجة -بنسبة كبيرة- بطبيعتها قد لا تحتاج إلى أن تخرج لسوق العمل إلا إن وجدت الضرورة وأجبرت على ذلك، فالعمل أصبح نظاماً للسخرة، ولكن بمسمى جديد وهو "موظف". أجل هناك رغبة لدى بعض النساء في تحقيق ذواتهن وكيانهن من خلال العمل ولأجله تسعى الواحدة وتدرس وتكافح ولا ننكر ذلك، وهناك نماذج كثيرة ناجحة وتستطيع الموازنة بين الحياة الأسرية وتلبية متطلباتها وبين حياة العمل، كما بالفعل أيضاً هناك من لا تستطيع الموازنة ويؤثر ذلك على حياتها وتصبح أساس المشكلة بينها وبين زوجها أو أسرتها.
ولكن لذلك الأمر عوامل كثيرة أيضاً في طرحه، ربما طريقة التواصل بينهما أو تعنت بعض الأزواج أو رغبته في عدم خروجها للعمل لمساعدته رغم حاجتهما، أو لأنه لا يعمل وهي تعمل، وربما يكون تعنتها هي رغم كون الحق في طرف زوجها، فيختلف الأمر باختلاف أحوال الناس، ولكن أعتقد أساس الحل هو في طبيعة الشخصيات وطرق التواصل بين الزوجين وكيف اعتادا على حل الأمور بينهما منذ بداية زواجهما.
فأغلب المشكلات أساسها كيفية التواصل واعتماد حل واحد للمشكلة وهو ترك العمل والتعنت تجاه ذلك الأمر، مع أنه ربما توجد حلول أخرى، وربما يستطيع الزوج المساندة أو اقتراح حل بديل لمساعدة زوجته على تحقيق طموحها من خلال العمل دون التأثير سلباً على البيت، وأن نعتمد في الحل أسلوب "نفكر بعقلين ولكن بقلب واحد".
إذا عُرف السبب بطل العجب
بناءً على كل ما سبق، عمل المرأة يكون لضرورة وبضوابط شرعية معينة إذا توافرت كان بها، وإن لم تتوافر فبقاؤها في البيت أفضل، وإن أحسن الزوجان اختيار بعضهما البعض منذ البداية فلن يكون هناك خلاف حول مَن الأوفى ومن يبذل جهداً أكبر ومن المحق ومن لا.
والرجل من قوامته أن يعمل في كل الأحوال، سواء كان زوجاً أو لا، وهو مطالب بتلبية احتياجات بيته وزوجته دون أن يضطرها للخروج للعمل أو يمن عليها بعمله وأداء واجباته، وأن يكون التعامل بينهما بود ورحمة، وإن كانت حياتهما تستدعي خروجها لمساعدته فليهيِّئ لها شروط ذلك ولا يضغطها بواجبات تفوق قدرتها وضعفها الأنثوي البشري، ويقدرها ويكرمها ويشكرها في كل وقت وحين، فالمرأة أسيرة الكلمة، وبكلمة واحدة قد تفعل المستحيل من أجلك إن أحسنت صحبتها.
وختاماً.. أيما امرأة وجدت من زوجها ذلك فلِمَ ستتركه؟ ولِمَ ستشغل عقلها وترهقه بالتخطيط للعمل والتعب وتحمُّل عنائه، فهل هذا لكي تتخلص فقط من زوجها؟! فلننظر في السبب أولاً قبل قطع الأحكام، سواء في عمل المرأة أو غيره من القضايا وكما يقولون إذا عُرف السبب بطل العجب.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.