بداية معرفتي بمصطلح "أدب إسلامي" كانت في مقتبل حياتي الجامعية في التسعينات، تلك الفترة ذات الثراء الكبير للحركة الإسلامية داخل وخارج مصر، في الداخل كان الصعود السياسي باقتناص النقابات المهنية، والكثير من مقاعد مجلس الشعب، واتحادات الطلاب الجامعية، وفي الخارج انتفاضة الأقصى الأولى وصعود جبهة الإنقاذ في الجزائر وغيرها الكثير.
عندها وقعت بيدي رواية لمن أُطلق عليه لقب رائد الأدب الاسلامي د. نجيب الكيلاني، ذلك الأديب العملاق الذي ظُلم في حياته بسبب توجهه السياسي برغم إشادة أعلام الرواية به، وضمنهم محلياً مثل نجيب محفوظ، وعالمياً مثل أبو الحسن الندوي، ورغم جهل الكثيرين به فرواياته تُدرس ببعض كليات الآداب.
ظننت وقتها أن الرواية ستكون مثل المسلسلات الإسلامية في ذلك الحين، والتي بها المسلمون يرتدون الأبيض دائماً، وجوههم سمحة طيبة منيرة، ويتصفون في تعاملاتهم بالملائكية بشكل غير منطقي! والكفار يرتدون الأسود، ويكونون كثيفي الشعر خاصة الحواجب، مقطبي الجبين أصواتهم دوماً جشة غاضبة ومجالسهم تكون خلف موائد عامرة بالطعام بشكل هرمي مبالغ فيه!
ولا زلت أذكر مشهداً ساذجاً لمسلم في أحد تلك المسلسلات، وهو يخدع كافراً خدعة لا تنطلي على رضيع، وعندما يسأله رفيقه كيف مررت منه؟ فيقول له لقد قال القرآن الكريم إنهم قوم لا يعقلون!
المهم، أمسكت برواية د. نجيب الكيلاني والتي للأسف لا أذكر اسمها فقد مر على ذلك أكثر من عشرين عاماً وبداخلي هذه القناعة المسبقة. ولكن فوجئت بالنقيض!
فالمسلمون -في روايات الكيلاني- منهم الخائن والكاذب والقاتل والمرتشي والزاني، حتى البطل نفسه الذي من المفترض أنه متدين؛ أي إن به النقاء المتوجب لهذا التدين، كان له نقاط ضعف وهنّات وسقطات كثيرة!
وكانت تلك هي الصدمة التي شكلت فكري ووجداني فيما بعد. فليس معنى "أدب إسلامي" أن يكون العمل مليئاً بالآيات القرآنية والأحاديث النبوية واستعراض يوتوبيا،
هل هناك أدب إسلامي حقاً؟
ليس معني "أدب إسلامي" العمل الوعظي المباشر، إنما هو العمل الإنساني الذي يرقى إلى تحقيق المبادئ الإسلامية الحقيقية بعيداً عن الغلو والتطرف أو التهاون والتساهل.
وبالتالي أي عمل أدبي يصل لِأن يرقي بأخلاق القارئ أو يسمو بوجدانه أو يزيد معارفه أياً كانت؛ هو أدب إسلامي، حتى وإن كان كاتبه يهودي! لذا فأنا مع الإلغاء الواقع الآن لهذا المصطلح (أدب إسلامي)، وأحبذ أن يقال "أدب" وفقط، فالإسلام لم يأتِ بأدب خاص يلزم به أتباعه.
وما يقال عن أن هذا النوع يسمى بذلك لأنه لا يخالف سليم الأخلاق والفطرة السوية، فنقول إن الإسلام ألزمنا بذلك في شتى المجالات، فهل سنقول "إعلام إسلامي"، وسينما إسلامية، وتعليم إسلامي، وبحث علمي إسلامي؟ فأرى في هذا تصنيفاً يضيق واسعاً ويصنع تربصاً، الجميع في غنى عنه.
وأذكر في بداية الألفية الثالثة أن انتشر الشباب المتدين على شبكة الإنترنت بالمدونات والمنتديات ونشر أعماله الأدبية وتابعه الآلاف، وكانت بدايته عملاً وعظياً مباشراً، ولكن التجربة صقلت ذوي الموهبة الحقيقية منهم، وارتقوا بأسلوبهم وأصبحت أعمالهم أدبية لها وزن وقيمة حقيقية.
وبما أن الوسط الأدبي تغيرت موازينه القديمة، ولم يعد صنع الأديب الحقيقي حصرياً لمن نصبوا أنفسهم سدنة لمعبده، فالمعادلة كلها تغيرت، وأصبح هؤلاء الشباب أكثر حظاً من أستاذنا الدكتور نجيب الكيلاني، فلن تبقى أسماؤهم في الظل بسبب تصنيفهم، ولديهم فرصة التطوير السريع والارتقاء الكبير، والذي أعده تأسيسا هاما لمرحلة جديدة لما كان يطلق عليه قديماً "أدب إسلامي". لذا فالمسؤولية الملقاة على عاتقهم كبيرة.
فمثلاً الآن في الوقت الحالي فيما يسمى بعصر الرواية؛ انتهت مرحلة أن الرواية الجيدة والسليمة لا بد أن تكون معبقة بالتفاصيل الدقيقة للعلاقات الجنسية، فالمعجزة اللغوية الخالدة (القرآن الكريم) لم يبتعد عن ذكر متطلبات الفطرة ووصف دقائقها بدون غوص في هذا الوسخ، (قالت هيت لك – ولقد همَّت به وهمَّ بها – هن لباس لكم وأنتم لباس لهن)، ومنه نستمد ضوابط الأدب أياً كان لونه.
وعليهِ، أتمنى أن يتم ترسيخ كل ما هو سليم وإثبات الذات في هذا المجال بشكل أكبر إن شاء الله خلال الفترة القادمة على يد هؤلاء الشباب.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.