منذ أكثر من 5000 عام قبل الميلاد، قال الفيلسوف اليوناني الباكي هرقليطس: "لا يستطيع المرء أن يخطو إلى نفس النهر مرتين" لأن المياه متجددة.
ما دفعني إلى التساؤل: هل تستطيع روسيا الحديثة أن توقف الطموحات الجيوسياسية للغرب في شرق أوروبا ووسط آسيا والبحر الأسود والخليج العربي، بعد مخاوف من غزو روسي وشيك لأوكرانيا، ولماذا هذا الإصرار الروسي على غزو أوكرانيا؟ يجيب التاريخ والجغرافيا.
لماذا المخاوف الروسية من انضمام أوكرانيا لحلف الناتو؟
بطبيعة الحال، الأراضي الممتدة من أوكرانيا إلى وسط روسيا أراضٍ سهلة، وواسعة، وقد دخلها نابليون من قبل وكذلك دخلها هتلر، وهي محاطة بجبال تمتد من جنوب دول البلطيق إلى وسط أوروبا وليس بها موانع طبيعية، وكانت روسيا قد وجّهت إنذاراً للولايات المتحدة الأمريكية، تطالبها بمنحها ضمانات أمنية والتخلي عن توسّع "الناتو"، وإذا لم يتم قبول هذه المطالب، سيتم اتخاذ إجراءات عسكرية وتقنية. ورفضت الولايات المتحدة الأمريكية و"الناتو" الإنذار الروسي، ولذا رأينا ما حدث!
فإن الحرب مع أوكرانيا، بالطبع، ليست سيناريو تفضله روسيا، بل على العكس من ذلك، هذا ما تسعى إليه واشنطن، وتحاول موسكو تجنّبه، وبالتالي مع تصاعد الأحداث انقلب السحر على الساحر، وتبدو روسيا مقدمةً على ما هددته به، لدفع الولايات المتحدة الأمريكية على قبول التغيير في النظام العالمي، وقبول الشروط الروسية. من هنا كان من الواجب على موسكو صنع تهديد مباشر للولايات المتحدة، وفرض أمر واقع جديد.
وكان الرد الأمريكي حالة هستيرية بعد نشر السفن الحربية في البحار والمحيطات، تخوفاً من ضربات استباقية روسية إذا حاولت أمريكا ضرب المصالح الروسية. ولم يخفَ علينا كذلك رد فعل أوروبا التي شعرت بأن شيئاً كبيراً يحاك، وقد تدفع ثمنه باهظاً.
ماذا كان يحمل الرئيس الروسي في زيارته إلى بكين؟
التقى بوتين في بكين نظيره الصيني شي بينغ قبل الألعاب الأولمبية، وكانت الصين قد دعمت روسيا علانية في مطالبها، لكن الأسئلة الرئيسية هنا: هل ستتخذ الصين أي إجراء لاستعادة السيطرة على "تايوان" بنفس التوقيت الذي نشهد فيه انتشار الفوضى العارمة مع الإجراءات الروسية المحتملة والموعودة؟
وفي حال كان رد الفعل الأمريكي على الإجراءات الروسية المحتملة سيؤدي إلى مواجهة عسكرية بين روسيا والولايات المتحدة الأمريكية، فهل تدخل الصين في مواجهة عسكرية بجانب الحرب الاقتصادية إلى جانب موسكو، أو تستغل الانشغال الأمريكي بروسيا في فتح جبهة أخرى في تايوان؟
وهل يشهد الربع الأول من الألفية الجديدة- مع مقدمات حروب جديدة سيبرانية بدأت سيناريوهاتها مع بداية هذا العام بتعطيل منظومات الدوائر الحكومية في أوكرانيا- ولادة نظام عالمي جديد؟
إن أحداث معركة ستالينجراد بين الألمان والسوفييت التي راح ضحيتها أكثر من مليون ونصف المليون قتيل تعتبر أكبر معركة في العصر الحديث، فهل يصبح الغزو الروسي- في حال تحققه- وسقوط مدينة "كييف "مأساة هذا القرن التي يشعلها بوتين؟
وهنا نجد أنها لن تقتصر على روسيا وأوكرانيا، بل قد تكون حرباً مفتوحة بعد الاستعدادات العسكرية الكبيرة على الحدود الأوكرانية، وكذلك مع الترقب الأمريكي، والتأهب الصيني لمساعدة موسكو أو فتح جبهة أخرى في تايوان، والحشود المنتشرة من السفن الحربية في البحار والمحيطات، التي تقدر بحوالي 70% من القوة الروسية، وهنا سنجد النتيجة كارثية بآلاف القتلى والمشردين والمهاجرين، وحينها يمكن أن نقدر الأعداد بالملايين لا الآلاف فقط!
قناة "فوكس نيوز" نقلت عن مصادر في الكونجرس الأمريكي، قولهم إن "كييف قد تسقط في غضون 72 ساعة إذا حدث غزو روسي واسع النطاق لأوكرانيا".
وذكرت القناة، في تقرير لها عبر موقعها، أن قائد القوات الأمريكية الجنرال ميلي أخبر المشرعين خلال جلسات إحاطة بالسرية يومي الثاني والثالث من شهر فبراير/شباط الجاري أن غزواً روسياً واسع النطاق لأوكرانيا قد يؤدي إلى سقوط "كييف "في غضون 72 ساعة، وقد يكلف 15 ألف جندي أوكراني من القتلى و4000 جندي روسي (بإجمالي 19 ألف قتيل من الجانبين)".
والسؤال الأهم الذي نقف أمامه ويخصّنا كعرب: ما موقف العرب إذا اشتعلت الحرب في مساحات واسعة من الكرة الأرضية التي تنتشر عليها قواعد أمريكية في الخليج، وقواعد روسية في طرطوس في سوريا؟
السيناريو المرعب أكثر من غزو أوكرانيا، أن ينتقل الصراع إلى الشام والعراق من حدوث مواجهات روسية مع القوات الأمريكية في المنطقة العربية.
إذا دخلت أمريكا الحرب، ما هو سيناريو المواجهة في الشرق الأوسط بالنسبة لإيران وإسرائيل، وفي جزيرتي كوريا؟ هل التاريخ يعيد سيناريو الأزمة عام 1962م في نصب الصواريخ في كوبا، أم أن زعماء العالم ليسوا بهذا الجنون الذي يدفعهم للمخاطرة بدخول حرب لا يعلم ضحاياها إلا الله؟
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.