“الإحباط السني” الذي يتاجرون به في لبنان.. لماذا يجب ألّا ننخدع بدموع التماسيح؟

عربي بوست
تم النشر: 2022/02/08 الساعة 11:48 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/02/08 الساعة 11:48 بتوقيت غرينتش
الرئيس اللبناني ميشال عون مع المفتي من دار الفتوى في بيروت/ رويترز

خيّم في الآونة الأخيرة على أجواء لبنان السياسية تعبير "الإحباط السني"، وبدأ البعض يدبلج خطابات المظلومية، حتى وصل الأمر برئيس الجمهورية إلى زيارة دار الفتوى للتعبير عن تضامنه وكثير من ذرف "دموع التماسيح" على السنة وأهلها، علماً أن مشاعر المظلومية عادة ما تلقى رواجاً عند الأقليات المذهبية والطائفية، خوفاً منهاً على ذوبان كيانها في بحر الأكثرية.

فإذا ما تسللت هذه المشاعر إلى الأكثرية فنحن بالتأكيد أمام ظاهرة مرضية تجب معالجتها قبل تفاقمها، لما تحمله من مخاطر على الأقليات والأكثرية معاً، وبالعودة بنا إلى التاريخ قليلاً نجد أنه خلال العصر العباسي الثاني فقد العنصر العربي موقعه القيادي في الخلافة.

بعد الملك فاروق، وحركة 1952، مع الرئيس الراحل جمال عبد الناصر بدأت الروح العربية تنمو وتتصاعد، يغذيها ويحتضنها العرب، بعدما تمكنوا من المواءمة بين التزامهم الديني وهويتهم العربية، حيث باتت خياراتهم السياسية تستند إلى إحساسهم بأولوية هويتهم العربية على ما عداها.

وحصل ذلك ليس إنفاذاً لرغبة الرئيس عبد الناصر الذي لم يتضمن مشروعه الحقيقي أي خطة لبناء جسد لهذه الروح، حيث اكتفى بالعروبة العاطفية، وأكبر دليل على ذلك هو أن خليفته السادات وقّع صلحاً منفرداً مع إسرائيل، أثبت فيه أولوية الهوية المصرية على الهوية العربية، التي لطالما نادى بها الرئيس عبد الناصر ولم يعمل على تجسيدها في دنيا العرب.

ورغم ذلك باتت الهوية العربية حقيقة متجسدة، أقله في وجدان الشعوب العربية، وبالعودة إلى اليوم فإذا ما عاد أهل السنة إلى بناء حراكهم السياسي في أي مكان على أساس مذهبي سنكون أمام خطر انهيار الهوية العربية بعد أن انهيار النظام العربي، وبالتالي سيصبح العربي مجرد تمثال شمع في متحف، وهذه بالفعل كارثة.

وخلال مسارها تعرّضت الهوية العربية لعملية سطو من قبل حزب البعث، الذي سقى السم لروح هذه الهوية، وحافظ على التربة الصالحة لتمزيق جسدها، قبل أن يبدأ هذا الجنين بالاكتمال، وخير مؤشر على ذلك ما جرى ويجري من تناحر مذهبي في سوريا والعراق.

والفصيل الثالث الذي يثخن الجراح في قلب الهوية العربية هم أهل التطبيع، وكم كانت خسيسة رحلة التطبيع هذه، حيث بدأت بتجارة الذهب، وبلغت أوجها مع اقتناء برنامج بيغاسوس، واليوم باتت سياحة وسفراً وتوقيع معاهدات بمثابة مد الرقبة لتطويقها بالاحتلال الصهيوني، لكن المراعي وافرة الغلة لا تدوم، لأن التاريخ حدثنا كثيراً أيضاً عن مواسم قحط وجفاف.

وبالعودة إلى لبنان، فإن خصم كل اللبنانيين هو النظام الطائفي البائس الذي لا يسمح ببناء دولة، ولا يعطي ساكن هذه الأرض شعوراً حقيقياً بانتمائه إلى وطن.

لذلك على الطائفة السنية الكريمة تغليب هويتها العربية، برفض المشاركة بهذه الانتخابات لما تحمله من وزن، خصوصاً أن الطائفية من مشوهات الهوية، على أن تشارك إذا ما طبق الدستور الذي أقر انتخاب المجلس النيابي خارج القيد الطائفي، وهذا هو الوقت المناسب، وأي مشاركة من لبناني في هذه الانتخابات هي مشاركة منه في إعادة إنتاج هذا النظام الطائفي القاتل، الذي لن يأتي منه مطلقاً أي خير أو تغيير، سواء حازت 8 آذار أو بقايا 14 آذار الأكثرية في الانتخابات القادمة إذا ما حصلت.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

ناصر الحسيني
كاتب صحفي لبناني مقيم في إفريقيا
مواليد 1958 بلبنان، حائز على ماجستير في الهندسة المدنية من جامعة الصداقة في موسكو سنة 1983 ودبلوم دراسات عليا سنة 1990. مهندس استشاري لدى منظمة الأمم المتحدة للتنمية UNDP، عملت في جريدة الديار قبل عام 2000، وكذلك لي كتابات ومساهمات في جريدة النهار وجريدة البلد، مقيم في إفريقيا منذ 2010 بشكل شبه دائم في غينيا الاستوائية وغينيا بيساو.
تحميل المزيد