عايدة عبد العزيز.. الفنانة التي كرهت الوسط الفني وندمت على تعليم أبنائها بالخارج ثم ماتت وحيدة

عدد القراءات
1,309
عربي بوست
تم النشر: 2022/02/04 الساعة 11:39 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/02/04 الساعة 11:40 بتوقيت غرينتش
الفنانة الراحلة عايدة عبد العزيز/ يوتيوب

تشعر عايدة عبد العزيز بالصفا فقط حين تجلس وحدها، ليس وسط الناس، حتى الأقربين. لا تحب الإعلام، إلا إذا كان للتحدث عن عمل بصدد الخروج للنور، وتحب الزرع لكنها لا تزرعه، تحب مراقبة نموه، وفي الواقع تمنت لو تكون ياسمينة، وحين سُئلت لماذا؟! أجابت: لأنه يحسن التحدث عن نفسه ويقول بوضوح: "أنا هنا.. انتبه لي".

واثقة معتدة بنفسها، تُنعت بشكل دائم بالغرور، وتدافع عن نفسها باستماتة حين تُواجه بهذا. تقول: "هيئتي برج الأسد.. نعم.. لكن بداخلي نعامة".

ممثلة قديرة وموهبة، كانت موهبتها باب جنتها ومصدر جحيمها، أم معطاءة وزوجة حنونة، تقول وتصرح دائماً بأنها لم تنل كل ما كانت تستحقه، لكنها ليست غاضبة، كانت.. ولم تعد.

الممثلة القديرة عايدة عبد العزيز التي توفيت في الثالث من فبراير/شباط لعام 2022 عن عمر ناهز الخامسة والثمانين، والتي كانت تقضي أولى ساعاتها في التراب بهدوء حين كانت جماهير المصريين الغفيرة تملأ الشوارع صراخاً وضحكاً احتفالاً بفوز المنتخب على الكاميرون ذي الحكم المنحاز، هل كانت هذه صدفة؟! أم مسرحية قمتِ فيها يا -عايدة – بدور البطولة، كالعادة، بامتياز؟

ممثلة مشهورة لا تحب الأضواء وتعشق صحبة نفسها تفيض روحها إلى خالقها في ليلة يلعب فيها المنتخب ضد الكاميرون في نصف نهائيات كأس إفريقيا.. أليست تصلح بجدية لتكون حبكةً مسرحيةً؟

عايدة عبد العزيز وُلدت في قرية بالقرب من محافظة القليوبية عام 1936، تخرجت في المعهد العالي للفنون قسم الرسم عام 1956، بدأت مشوارها العملي كمدرسة رسم في مدرسة معلمات أسوان، ثم انتقلت إلى القاهرة للعمل في مدرسة سنية.

وذات يوم اقترحت عليها إحدى الزميلات الالتحاق بمعهد الفنون المسرحية، لتستعجب الاقتراح، وترد بأنها لم تفكر في الأمر أبداً ولا تملك مقوماته، لكنها لسبب ما تذهب للاستئذان من أهلها. وتذهب للوقوف على خشبة المسرح القومي بالقاهرة، وحين يسألها الأستاذ عبد الرحيم الزرقاني: "هتقدمي لنا إيه؟" تجيب بارتباك: "مش هقدم حاجة.. معرفش". فيضحك ويسألها: "بتعرفي تغني؟" فتغني. وتُقبَل. وتلتحق بالمعهد العالي للفنون المسرحية.

لقاء رومانسيّ.. مثل الأفلام الحالمة

في عامها الثاني بالمعهد، يخبرها الأستاذ أنها ستقوم بتمثيل أحد أدوار مسرحية كاليجولا، ويطلب منها الذهاب للبحث عن نسخة المسرحية والتي توجد بحوزة طالب الفرقة الرابعة أحمد عبد الحليم، وحين تذهب وتسأله بارتباك عن كونه هو الشخص المطلوب، سيجيب بأنه هو، لكنه نسي نسخة المسرحية، وأنه سيحضرها لها في الغد. ويأتي الغد وبعد الغد، وما بعدهما، فلا تعود عايدة ولا تأتي المسرحية. تحكي في لقاء تلفزيوني ضاحكة أنها "من ساعتها مرجعتش من عنده".

لتتخرج بعد ذلك في المعهد وتكون الأولى على دفعتها وتتسلم جائزتها من الرئيس جمال عبد الناصر، لكنها بدلاً من الالتحاق بالمسرح القومي كما يُقدر للطلاب المتفوقين ستُقابل برد آخر: "قالوا لي إحنا عندنا زيك.. وقتها كان في سهير البابلي وسميحة أيوب وغيرهما، هم كانوا قبلي يعني أنا كنت جيت بعدهم بشوية".

فتقرر السفر مع زوجها إلى إنجلترا حيث ستتلقى دروساً حرة في التمثيل المسرحي وتتعرف على سكيتشات وروايات المسرح العالميّ وتقوم بتقديم عروضها المبهرة في المهجر؛ طائر الفجر المهاجر، لعبة السلطان، دائرة الطباشير، وغيرها من العروض القوية والفاتنة التي ستعود بعدها إلى مصر وهي تعرف في قرارة نفسها أنها موهوبة، حيث ستكون أكثر اعتداداً بنفسها وأكثر فخراً بكونها هي.. عايدة عبد العزيز.

عايدة عبد العزيز بين العمل والأمومة

تصر عايدة على أن الوسط الفنيّ هو ساحة لممارسة "الشلَلِية" والتحزب. وتحكي في لحظة خروج عن السيطرة أنها لما تصل إلى مكانتها القديرة كممثلة مسرح وممثلة دراما سينمائية وتلفزيونية وإذاعية بالطريقة السهلة، حيث إنه كانت تتم محاربتها بشراسة.

وتحكي أن الفنانة سميحة أيوب كانت تتعمد وضع العثرات في طريقها، ففي أكثر فترات عايدة عبد العزيز ازدهاراً كانت تتعمد ألا تسند لها الأدوار التي من شأنها العمل على رفعة قيمتها وشهرتها، إلا أنه في إحدى الروايات اعتذرت سميحة عن تأدية الدور لانشغالها، فأُسند الدور إلى الفنانة عايدة، وكانت هذه بداية التماع نجمها.

ومثلما خشيت أيوب من أن تغطي عبد العزيز على نجوميتها خشي كذلك غيرها من نجوم الشباك، ففي أحد تصريحات الفنانة تقول إن الزعيم عادل إمام رفض ترشيحها في أي دور جديد بعد نجاحها المتميز في فيلم النمر والأنثى.

عايدة عبد العزيز من فيلم "النمر والأنثى"

ومثلت عايدة عبد العزيز الروايات الألمانية والإنجليزية والعربية ثمن الحرية، تحت المظلة، نادي العباقرة، عودة الشباب، ميت حلاوة، الست هدى، جواز على ورق الطلاق. ثم انتقلت إلى السينما وقامت بأدوارها الاستثنائية في عدد من الأفلام المهمة، كشف المستور، حائط البطولات، خرج ولم يعد، يوميات نائب في الأرياف، فجر الإسلام، امرأة عاشقة، شهد الملكة، النمر والأنثى، بحب السيما.

واتجهت إلى الدراما التلفزيونية لتترك بصمة غير قابلة للمحو في أعمال مثل: أغنية الموت، الساقية تدور، أنف وثلاثة عيون، ضمير أبلة حكمت، ونيس.

ورغم هذا الإنتاج المذهل والمتنوع من الفن الذي كانت تتشبع به من لقبت نفسها بملكة متوجة على فن المسرح المصري إلا أنها كانت ترى أنها تستطيع تقديم المزيد، وأنها لو لم تكن لاقت كل هذه الصعاب بسبب خشية من حولها من موهبتها الفذة لكانت سطعت أكثر بكثير.

لكنها في فترة ما حين فقد المسرح بريقه لم تعد تتلقى عروضاً ورقية متميزة بالشكل الكافي كي توافق على الاشتراك فيها، تقول إنها كانت مسرحيات محلية بسيطة من مخرجين جدد ومؤلفين شباب يبحثون عن ممثل قديم كي يساندهم في طلعتهم الأولى.

فتوقفت عايدة عبد العزيز عن قبول الأدوار، في الوقت نفسه الذي توقفت فيه عن كونها أماً قادرة على تحديد أماكن تواجد أولادها، حيث تحكي بكوميديا مأساوية عن قصص سفر أولادها إلى الخارج وارتباطهم بأجانب، فتزوجت ابنتها من ألماني وابنها من إنجليزية، وعن فقدانها للونَس الذي كان من المفترض أن يكون مصاحباً لامرأة في هذا العمر.

ورغم قصص السيدة عايدة التي تحكي فيها عن معاناتها مع حجب الفرص عنها في بدايتها بسبب أصحاب الفرص، فإنها -ربما بدون وعي- كانت تملك نفس الآراء المجحفة تجاه صناع الفن الأصغر منها عمراً. فكانت رافضة لفكرة استطاعة الأجيال الجديدة على صنع مسرح حقيقي أو دراما جيدة، كما كانت ترفض فكرة معاونة أحد هؤلاء الشباب بتمثيل دور في عمل له، حتى لو كان واعداً.

عايدة التي تُمنطق القهر، وتقبل المواقف على عِلاتها ما دام لا سبيل للتغيير فيها، وتجلس لمحاسبة نفسها كل فترة ولا تعترف بأن الصفا هو ساعات الأنس فقط.. عايدة عبد العزيز التي توفيت في صمت بعد صراع مع الزهايمر والأسى، فربما ليست الحياة الصاخبة ملائمة للجميع.

ارقدي في سلام.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

مي قاسم
كاتبة مصرية
وُلدت عام 2000 في مدينة طنطا، أدرس بكلية الهندسة-قسم الاتصالات، صدرت لي رواية «لبلأ.. حكاية لا يبليها التكرار»، وأكتب في مجالات السينما والأدب والتراث الفني.
تحميل المزيد