"هاي نسوان.. ويللي عنا نسوان؟!".. يقول مستنكراً، موجِّهاً السخرية والنكات في تعليق على منشور لصفحة على فيسبوك مهتمة بنشر أخبار المشاهير من الممثلين والمغنين، بعد أن نشرت صورةً لفنانة معروفة في شهرها السابع من الحمل.
وتظهر الفنانة في الصورة بكامل أناقتها، ببشرة رائعة، وضحكة هوليوودية، وشعر مفعم بالحيوية.
ثم ينظر بطرف عينه إلى زوجته التي تجلس بجانبه ببطنها المثقل وهي تقشر له البرتقال: "شوفي النسوان الرشيقات، أنت من الشهر الأول بعد ما حملتِ صرتِ تصلي على كرسي"، ويضحك.
ولا يهمه أن يعيد الجملة في جلسة تجمع أقاربها وأهله دون أن يراعي مشاعرها متحججاً بالمزاح وليضحك الجميع عليها.
ليس تعليقاً غريباً، بل هو تعليق شائع ومستخدم لكن بصيغ مختلفة من قبل الكثير من الذين يقارنون بين نساء بيته وبلده وبيئته ونساء أخريات في مجتمعات أخرى أو من طبقات مجتمعية مترفة، يطلقون المقارنات العشوائية بغاية المقارنة أولاً، والتهكم والتنمر، وأحياناً كثيرة من أجل توصيل رسائل مبطنة لزوجته ليشعل الغيرة في قلبها، أو معترضاً على شكلها.
عزيزي الرجل، نعم تلك المرأة التي في الصور حقاً جميلة، ولها بشرة كالزجاج، وقدمان ممشوقتان، وترتدي الجينز والكعب، ولها خصر فرنسي رغم أن في رحمها جنيناً عمره 3 أشهر!
لكن قبل أن تطلق كلماتك المضحكة بحق زوجتك وتجرح مشاعرها، وتقلل ثقتها بنفسها وتدخلها في دوامة المقارنة، عليك أن تفكر قليلاً وترى الأمر بعين الوضوح، فأولاً يا صديقي تلك النسوة اللواتي تتابعهن في التلفاز وعلى الهاتف لهن ظروفهن ولزوجتك ظرفها، مثلاً أغلبهن لديهن طاقم خدمة في البيت، فهن لا يعرفن طريق المطبخ إلا من أجل تصوير الكيكة، عكس زوجتك التي غالباً لا تخرج منه، ثانياً هناك فرق بين من تملك طفلاً أو طفلين وبين من تمتلك خمسة وستة، فأكيد أن الأولى لديها وقتٌ كافٍ لكي تخرج للكوافير وتبقى أمام المرآة، عكس الثانية التي أمامها الفريق كاملاً على اختلاف احتياجاته.
ثالثاً أغلب اللواتي تتابعهن يوظفن مربيات ومعلمات لأطفالهن، يهتممن بشكلهم ونظافتهم وتعليمهم، على عكس زوجتك التي ستقوم بكل ذلك، بالإضافة إلى الاهتمام بك وبالبيت وبعملها إذا كانت امرأة تعمل خارج البيت.
رابعاً إن الإمكانيات المادية للأسرة تتحكم كثيراً في أشكال النساء، فمن تعيش بوضع مالي ممتاز غير عن تلك التي يذهب راتب زوجها إلى حفاضات الأطفال وأدويتهم والخبز، فالأولى معها تكاليف عمليات التجميل، والترميم بعد الولادة، وتعرف كل مراكز الحفاظ على البشرة والشعر، وتمتلك من النقود ما يجعلها تصنع ابتسامة هوليوود، وتحجز أفضل جيم للرياضة والرقص والسباحة للحفاظ على عرض الخصر النحيل، عكس زوجتك التي تقدر وضعك وتفكر عشر مرات قبل أن تطلب منك نقوداً لشراء علبة مكياج رديئة الصنع.
فأنت لا تعلم أن البطن المترهل بسبب الحمل والعملية القيصرية يحتاج إلى الكثير من الاهتمام من مستحضرات تجميلية وطبية، والتي غالباً هي غالية الثمن، وأحياناً عملية جراحية لشد عضلات البطن، أيضاً أسنان الأمهات تضعف في سبيل أن يحظى طفلك بالكالسيوم والمعادن. ولا ننسى معنى أن يستطيع الإنسان السفر في كل لحظة لتغيير نفسيته ومزاجه والخروج من الروتين، فتنعكس على روحها وشكلها.
خامساً، لا يفوتك أن غالبية الصور التي تنشر هي صور من مصورين مشهورين، ويتم تعديلها ببرامج الفوتوشوب حتى تبدو براقة ولامعة وتثير مقارنتك.
عزيزي الرجل، صحيح أن الجمال الشكلي أمر مهم، والاهتمام بالمظهر أمر مطلوب ومحبب، لكن لا يحق لك أن تختصر زوجتك بجسد للحمل والولادة والجنس والتمتع، فهي بالأصل إنسان، له عقل وروح من شخصية وطباع قبل أن تكون جسداً، تمر بفترات ضعف واكتئاب مثل اكتئاب ما بعد الولادة وتمرض وتتعب، وتأخذ دراستها وعملها وأطفالها من جسدها وصحتها وراحتها ومرآتها، خاصة إن كنت زوجاً لا تفقه معنى الزواج الصحي من مشاركة في العمل والمساهمة بالقدر المستطاع في تربية الأطفال وأعمال البيت، فتترك لها كل الأحمال على كتفيها.
أدري أن من أرادت أن تهتم بنفسها ستستطيع، ولكن من لم يستطعن إلا بالحد المعقول، بسبب الوقت والبيئة والمال، خاصةً أن معايير الجمال والاهتمام أصبحت أشد دقة وأثمن تكلفة بسبب السوشيال ميديا التي شكلت مقاييس محددة لصور النساء من شفاه وعيون وجسم، هل يحق للزوج أن يهين شكلها ويخضعها للمقارنة؟
أيها الزوج هل فكرت أيضاً أن زوجتك لها عيون وترى؟ وتتابع المشاهير؟ وتعرف في الجمال؟ هل فكرت أنها تحب أن تراك بعيداً عن التراب الذي على ملابسك بسبب العمل؟ ماذا سيكون شعورك حين تقرأ تعليقاً لها على صورة "هاد رجل ويلي عندي رجل؟". تعليق وقح أليس كذلك؟! لن تتقبله حتى لو أرادت به المزاح، ستعتبره اعتداءً على رجولتك!
محزن حقاً أن يبنى الزواج على الشكل، وأن يكون الرابط المقدس هشاً وضعيفاً ومعرضاً للكسر بسبب السطحية بدلاً من العمق والوعي. فالبيوت تُبنى بالرضا والحب والقبول، بعيداً عن المقارنات والسخافات الشكلية.
فأرجوك يا عزيزي الرجل.. لا تجرح مشاعر زوجتك بالمقارنة ولو بنية المزاح، فأنت تقول الكلمة وتذهب وتبقى عالقة في وعيها هي، فتشعل بها نار الغيرة والكُره تجاهك وتجاه مسؤولياتها من بيت وأطفال.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.