وُلد الشيخ حامد مرسي في مدينة إيتاي البارود بمحافظة البحيرة عام 1902، ولم تختلف نشأته عن نشأة جميع أقرانه فتم إلحاقه بالكتّاب. فقدَ حامد مرسي أبويه في سن مبكرة وأصبح يتيماً، لم يؤثر فقده لأبويه على تفوقه في حفظ القرآن الكريم وتجويده وقراءته بصوت جميل ورخيم، وقد كان لحامد صوت عذب متمكّن، سليم النطق، متزن الإيقاع جعله فيما بعد يحمل لقب "بلبل مصر" في حقبة شهدت أساطير الغناء المصري مثل صالح عبد الحي وعبد اللطيف البنا وفتحية أحمد ومحمد عبد الوهاب وأم كلثوم وزكريا أحمد وغيرهم.
كان صوت حامد مرسي في قراءة القرآن عذباً فكان شيخ الكتّاب كلما أتته الفرصة يضع يده على كتفه ويقول له: اقرأ لنا يا حامد ما تيسّر وأمتعنا بصوتك. وحين ينتهي حامد من تلبية طلب شيخه، يربت الشيخ على ظهره ويقول له: فتح الله عليك يا حامد، سيجعل الله لك شأناً لا شك بهذا الصوت الجميل.
أتم حامد مرسي القرآن الكريم في سن العاشرة حفظاً وتجويداً، بالإضافة إلى حفظه عدداً من قصائد المديح التي كانت تُنشد في المناسبات الدينية.
أُعجب مأمور مركز إيتاي البارود علي بدرخان بصوت حامد مرسي، فتكفل برعايته وتنمية موهبته، وألحقه بالمعهد الديني في طنطا ليبدأ في تحقيق حلمه بأن يصبح "صَييتاً" مشهوراً يتم دعوته في المناسبات الدينية ليحييها بصوته الرخيم، وبدأ حامد يكسب بعض الشهرة بين مجتمع البحيرة وازداد عدد محبي صوته.
السلطان حسين كامل يهبه جنيهاً ذهبياً
في عام 1916 وفي عز تأجج واشتعال الحرب العالمية الأولى، أراد السلطان حسين كامل أن يقضي عُطلة بعيداً عن تلك الأحداث فانتقل إلى قصره في إيتاي البارود، وصادفت زيارته ذكرى المولد النبوي الشريف، وقرر السلطان إقامة حفل بتلك المناسبة في الديوان السلطاني، وسارع المسؤولون عن تنظيم الحفل في استقدام كبار الصييتة والقراء من القاهرة لإحياء هذا الحفل ومنهم الشيخ محمد رفعت والشيخ أحمد ندا والشيخ علي محمود.
فأراد المنظمون من أهل المنطقة أن يثبتوا أن لديهم موهبة تليق بأن تكون وسط تلك القامات، فأتاحوا الفرصة للصبي الموهوب الشيخ حامد مرسي لكي يقرأ بعض السور القصيرة من القرآن الكريم، وما أن بدأ الشيخ حامد في القراءة حتى اهتز السلطان حسين كامل طرباً بهذا الصوت، ما شجع حامد مرسي على الاستزادة في القراءة، وما إن انتهى حتى استقدمه السلطان وهنأه ومنحه جنيهاً ذهبياً يحمل صورته مكافأة على صوته ولم يكن الشيخ حامد مرسي قد بلغ الرابعة عشرة من عمره بعد.
لقاء حامد مرسي وسيد درويش
بعد ذيوع صيت حامد مرسي جاء بعض متعهدي الحفلات من مدينة الإسكندرية إلى إيتاي البارود يبحثون عن هذا الفتى الذهبي لكي يتعاقدوا معه على إحياء عدد من الحفلات على مسرح الهمبرا في الإسكندرية، ورأى حامد أنها فرصة لا تُعوض ليصنع منها انطلاقته خارج إيتاي البارود. وقد حرص على حفظ عدد من التواشيح والأغاني والمونولوجات لمشاهير هذا الزمن مثل عبده الحامولي وسلامة حجازي ومحمد عثمان.
على المسرح وقف حامد أمام عدد مهول من الجمهور الذي أتى ليسمع هذا الشاب الموهوب، وبدأ حامد مرسي ببعض التواشيح والأدوار ثم أراد أن يرفع التحدي فغنى إحدى القصائد المشهورة لعبده الحامولي، غنى "قدك أمير الأغصان من غير مكابر وحسن خدك سلطان على الأزاهر"، وكان الناس يفتقدون عبده الحامولي الذي توفي قبل ولادة حامد مرسي بسنة واحدة، حتى إن الشيخ سلامة حجازي كان قد تمكن منه المرض وألزمه الفراش، فأراد حامد تكريمه فغنى له هو الآخر أغنية "إن كنت في الجيش صاحب العلم".
وصمد الشاب الصغير على المسرح لثلاث وصلات متتالية شأنه شأن المنشدين الكبار، وفي تلك الليلة كان ابن الإسكندرية العبقري"سيد درويش يقف بين الحشد ليستمع إلى حامد مرسي، وذهب سيد درويش إلى الكواليس لكي يقابله ويبدي إعجابه بصوته، وقال له: "أنا عندي ليك غنوة".
وكان هذا اللقاء هو الأول بين سيد درويش وحامد مرسي، وسمع حامد مرسي الأغنية التي لحنها له وكانت من أشهر أغانيه، بل أصبحت أيقونة في عالم الغناء العربي وهي أغنية: "زوروني كل سنة مرة حرام تنسوني بالمرة"، والتي كتبها الشيخ يونس القاضي عتاباً على أخيه الذي كان يقاطعه قبل أن يشتد مرضه ويزوره ويتم الصلح بينهما، وقد حفظها حامد مرسي في وقتها وأخبر سيد درويش بأنه سيغنيها في نفس اليوم.
انضمامه لفرقة جورج أبيض
وفي عام 1917 توفي السلطان حسين كامل والشيخ سلامة حجازي، وتولى السلطان أحمد فؤاد الحكم، وفي العام نفسه سافر الشيخ سيد درويش إلى القاهرة ليلمع نجمه وسط كبار الساحة هناك.
في هذه الأثناء كانت فرقة جورج أبيض الشهيرة تقدم عرضاً مسرحياً في إيتاي البارود، وجرت العادة أن تقوم الفرقة بتقديم فواصل غنائية بين فصول المسرحية لتسلية الجمهور، في تلك الليلة أقنع مأمور مركز إيتاي البارود علي بدرخان، جورج أبيض بأن يقدم ابن المركز الشيخ حامد مرسي ويعطيه فرصة للغناء بين فصول المسرحية، فوافق جورج أبيض على أن يغني حامد مرسي.
وأثناء العرض وبعد نهاية الفصل الأول وقف الممثل الراحل زكي إبراهيم وقدم للجمهور الشيخ حامد مرسي، وغنى حامد في تلك الليلة أغاني الراحل سلامة حجازي، ما أثار شجن الحضور وذكرهم بأحد أساطير الغناء العربي ورائد المسرح الغنائي، واهتز المسرح تصفيقاً ما جعله يعيد الأغنية مرة بعد المرة لدرجة أن الفصل الثاني من المسرحية تأخر أكثر من ساعة!
بعد انتهاء الحفل توجّه جورج أبيض مباشرة إلى مأمور المركز علي بدرخان يطلب منه أن يساعده في إقناع حامد مرسي بالانضمام للفرقة بشكل دائم والسفر معه إلى القاهرة، وهو سيتكفل به وسيرعاه كولد له، وسيعطيه أجراً مغرياً وهو 15 جنيهاً في الشهر، ورأى بدرخان أنها فرصة العمر لحامد مرسي فهذا المبلغ في ذلك الوقت كان يعادل خمسة أضعاف مرتب موظف بالحكومة.
ولم يتردد حامد مرسي في التوقيع على عقد الانضمام لفرقة جورج أبيض، لكنه فكر بأسرته خصوصاً أنه العائل الوحيد لهم بعد رحيل الأب والأم وأن سفره وإقامته بشكل دائم في القاهرة سيدبّ في نفوسهم الخوف والشعور بعدم الأمان في عدم وجوده بجانبهم.
لكنهم رأوا أنها فرصة العمر لأخيهم الكبير لكي يصبح أحمد المشاهير في المحروسة ولن يكونوا هم العقبة في تحقيق الفتى لحلمه، فوافقوا على سفره للعمل مع فرقة جورج أبيض، التي لم تأخذ وقتاً طويلاً في الإعلان عن استقدام المطرب الشاب حامد مرسي خليفة الشيخ سلامة حجازي.
ونجح حامد مرسي إلى الحد الذي جعل الصحافة تتحدث عنه وتلقبه بـ"بلبل مصر"، وسافر الشيخ سيد درويش أيضاً إلى القاهرة ليلتقي بصديقه حامد مرسي، وتعرف إلى جورج أبيض الذي ما رأى سيد درويش حتى أقنعه بضرورة تلحين أوبريت غنائي ليكون بطله حامد مرسي وكان هذا أوبريت "فيروز شاه" لكنه لم يلقَ النجاح الكبير بدرجة باقي أعمال سيد درويش.
التحاقه بفرقة علي الكسار
بعد هذه الشهرة التي نالها حامد مرسي مع فرقة جورج أبيض، حاول علي الكسار بشتى الطرق أن يضمه إلى فرقته، ونجح في ضمه بعد أن اتفق معه على أجر يومي قدره جنيه كامل، في هذا الوقت كان هذا المبلغ الضخم يكفي لعمل مسرحية كاملة في بعض المسارح المتوسطة، وهذا يؤكد مدى شهرة ونجاح حامد مرسي إلى الحد الذي يدفع الكسار لدفع جنيه كامل كل ليلة.
عبد الوهاب يعجب بصوت حامد مرسي
ذات يوم جاء إلى كواليس الفرقة مطرب شاب كان قد بدأ في تحقيق بعض الشهرة في فرقة عبد الرحمن رشدي، وكان هذا المطرب هو محمد عبد الوهاب والذي سيصبح فيما بعد موسيقار الأجيال وأحد أعظم الفنانين في تاريخ الموسيقى العربية بالكامل، جاء عبد الوهاب بناءً على دعوة الكسار ليسمع صوت الشيخ حامد مرسي من وراء الستار، وسمع الكسار عبد الوهاب وهو يطلق عبارات الإعجاب الشديد بصوت حامد مرسي وشهرته.
سيد درويش يعطي حامد مرسي الحق في غناء كل أغانيه دون استئذان
تعاقد سيد درويش مع نجيب الريحاني على العمل في فرقته وبدأ الشيخ سيد في تلحين الأغاني التي يكتبها بديع خيري، وبدأ الناس يلتفتون إلى هذا العبقري وألحانه القريبة من الشارع المصري وتمثل جميع طوائف الشعب، ولم ينسَ سيد درويش صديقه القديم ومطربه المفضل، الذي غنى له "زوروني كل سنة مرة" وأعطاه حق غناء جميع أغانيه دون استئذان، حتى إنه جعله يشارك في الأوبريتات التي لحنها لفرق مختلفة غير تلك التي يعمل بها حامد مرسي.
فكان الشيخ حامد يخرج في فواصل غنائية خاصة لغناء ألحان سيد درويش بين فصول المسرحيات، وكان يغني أغنيات مثل "زوروني كل سنة مرة" و"أنا هويت وانتهيت" و"أنا المصري" و"عطشان يا صبايا"، واستمرت شهرة ونجاح حامد مرسي حتى أصبح في بداية العشرينات "بلبل مصر" الوحيد، ولم يكن هناك من هو أشهر منه، وذلك في ظل وجود مطربين كبار مثل عبد اللطيف البنا وصالح عبد الحي وزكي مراد وبالطبع محمد عبد الوهاب وأم كلثوم وغيرهم.
لقاؤه بالفنانة عقيلة راتب وزواجه منها
في حوار لها، أفصحت جنى جلال حفيدة الفنان حامد مرسي والفنانة عقيلة راتب عن قصة حب زواج جدها وجدتها، فقالت إن حامد مرسي التقى بعقيلة راتب في فرقة علي الكسار، ولم يصرح لها بحبه حتى عرف أن أحد كبار الدولة آنذاك والذي كان يحرص على مشاهدة جميع عروض بطلة الفرقة يومياً وقع في حبها وعزم على طلب يدها من علي الكسار.
حين سمع حامد عن الأمر خرج عن صمته وصرح بحبه لها ورغبته في الزواج منها، ولم تكن عقيلة قد أتمت وقتها عامها السادس عشر، وقررت الزواج من حامد مرسي وبالفعل تم الزواج بينهما في عام 1932. واستمر الزواج بينهما 26 عاماً، ورغم أن حامد مرسي تزوج 11 مرة، فإن تلك الزيجة كانت الأطول، ولم ينجب من زيجاته السابقة، بينما أنجب ابنته الوحيدة "أميمة" من عقيلة راتب، ولم تتزوج عقيلة بعد طلاقها منه رغم أنها كانت في عز تألقها وشهرتها، ولم تنقطع الصلة بينهما فكان الود دائماً بينهما، فيزورها دائماً وتسأل عنه إذا غاب.
ولم يتوقف الشيخ حامد عن الغناء في الفرق المسرحية، وقبل حتى أدواراً مسرحية بسيطة في سبيل الاستمرار في الغناء، حتى إنه في سنوات عمره الأخيرة شارك في جمعية أصدقاء سيد درويش وغنى في احتفالاتها لإحياء ذكرى صديقه الذي كان يعشق ألحانه، ورحل عن دنيانا في يونيو 1982 وقد شارف على التسعين من عمره.
أفلام حامد مرسي
فيلم "اليد السوداء" في عام 1936.
فيلم "ألف ليلة وليلة" في عام 1940
فيلم "بداية ونهاية" في عام 1960.
فيلم "بين القصرين" في عام 1962.
فيلم "زقاق المدق" في عام 1963.
فيلم "أبي فوق الشجرة" في عام 1969
فيلم "أنا اللي قتلت الحنش" في عام 1970
فيلم "السكرية" في عام 1973.
فيلم "أرملة ليلة الزفاف" في عام 1974
فيلم "مولد يا دنيا" في عام 1976.
فيلم "سلطانة الطرب" في عام 1978.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.