ما بعد الورقة الخليجية للبنان.. لا تصعيد ولا مساعدات

عربي بوست
تم النشر: 2022/02/01 الساعة 12:04 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/02/01 الساعة 12:04 بتوقيت غرينتش
الرئيس اللبناني ميشال عون مستقبلاً وزير خارجية الكويت والوفد المرافق له في قصر بعبدا/ الصفحة الرسمية للرئاسة اللبنانية

الإدارة السياسية في لبنان تستعد لتلقي الموقف الخليجي على الردود اللبنانية على الورقة التي قدمتها دول مجلس التعاون الخليجي، ويبدو أنّ هذا الانتظار قد يطول، وخصوصاً أنّ دراسة هذه الردود لم تُربط بسقف زمني، كما لم تؤشر إلى أنّ مضمونها قد قوبل بتلقف إيجابي كما يتوخّى لبنان، وهو الأمر الذي أبقى الداخل اللبناني متأرجحاً بين قراءات متناقضة تأخذه تارة نحو المدار الإيجابي، وتارة أخرى تُلقي به في المدار السلبي.

ولم تكن صيغة الردّ اللبناني على الورقة الخليجية مقبولة لدى السعودية، لا سيما أن الأخذ والردّ بين الرؤساء الثلاثة حول الصيغ الممكنة، بدا للرياض وكأنه هروب للأمام، إضافة إلى أن الرؤساء الثلاثة أجروا البحث بينهم حول آلية الردّ دون الذهاب لطاولة مجلس الوزراء، خوفاً من أن يقوم حزب الله بتفجير الحكومة وإحراج حلفائه معه، وهذا بحدّ ذاته يمثّل استسلاماً جديداً للنظام والدولة أمام هيمنة الحزب إياه.

وهذا الأداء المستمر بالخوف من حزب الله وخلفيته الإقليمية كافٍ لجعل الجواب اللبناني مرفوضاً من السعودية والإمارات، لكن ذلك لا يعني أن إجراءات تصعيدية تعقُب الرفض، لكن الجواب سيكون موجهاً للدول التي تطالب الخليج بمساعدة لبنان، وتحديداً واشنطن وباريس، للقول لها إن اللبنانيين لا يقومون بأي خطوة حتى نساعدهم وهم مستمرون بتغطية أعمال حزب الله.

بالمقابل فإن المسؤولين في لبنان كانوا يُعوِّلون على اختلاف وجهات النظر بين دول الخليج حول تلقف الردود، والانقسام الذي شهدته المناقشات حول "ورقة لبنان" بين فريق المتحمسين لاستمرار الضغوط، وتحديداً ممثلي السعودية والإمارات والبحرين من جهة، وبين ما عبّر عنه ممثلو الكويت وقطر وسلطنة عمان حول ضرورة التروي وعدم التشدد والقبول بصيغة لجان تفاوض ترفضها المملكة، من جهة أخرى.

في المقابل ينصبُّ التركيز العربي والدولي في هذه المرحلة على ضرورة إجراء الانتخابات النيابية في موعدها. وتضج الكواليس السياسية بمداولات داخلية وخارجية حول ضرورة إجراء الانتخابات، في 15 مايو/أيار، وهذا الاتجاه تقوده واشنطن وباريس، وجرت ترجمته بالجولات الأمريكية والأوروبية على المناطق السنية، لإلهاب حماس السنة على الترشح والاقتراع عقب قرار سعد الحريري بالعزوف عن المشاركة في الانتخابات، ووردت إشارات دبلوماسية حول الاستمرار في التحضير للانتخابات وعدم التلكؤ، وعدم استخدام موقف الحريري ذريعة لتأجيلها.

وتطغى الحسابات الانتخابية على القوى كلها، وصولاً إلى حدّ زيارة ميشال عون إلى دار الفتوى، وهي زيارة انتخابية بامتياز، أراد منها عون إعادة وصل ما انقطع مع السنّة، والتأكيد على أنهم ركن أساسي في لبنان، ولا بد من استمرار العلاقة بهم، إضافة إلى استثماره في الخلافات بين جمهور تيار المستقبل والقوات اللبنانية. وحركة عون تنطوي في الأشهر الأخيرة المتبقية من ولايته على تقديم نفسه بأنه المبادر إلى تعزيز العلاقات مع الجميع.

بالمقابل، فإن مرجعاً سنياً يقول إن لبنان وعقب الورقة التي قدمها في الكويت منذ أيام حظي بترحيب شكلي، لكن تبقى المعضلة في المضمون، والتي لن تجد حلاً سريعاً ولا تسوية في القريب العاجل، فالحرب بين الخليج وإيران تُقاد فوق كل الساحات وربما بكل الوسائل المتاحة، وأهمها لبنان، وحزب الله فيه، وفي الإقليم، حيث يرغب الخليجيون في إثبات عدة نقاط أساسية، أهمها إظهار عجز النخبة الحاكمة اللبنانية عن التأثير على قرارات حزب الله، وتحكم الحزب بمفاصل الحكم، التي بلغت أخيراً وضع جدول أعمال مجلس الوزراء بعد المقاطعة الشيعية للحكومة، والتي دامت عدة أشهر، تحت شعار عزل القاضي طارق بيطار.

والقول إن لبنان لا يملك أي قدرة أمنية أو استخباراتية لوقف تهريب المخدرات المصنعة بين لبنان وسوريا، يعني توجيه رسالة إلى القوى الدولية الداعمة لإجراء الانتخابات بعدم جدواها مهما كانت النتائج، أي حتى ولو فازت أغلبية مطلقة مناوئة لحزب الله فإن لا شيء سيتغير بتاتاً، ما يعني أنه لا مساعدات مالية عربية للبنان في ظل قيادته الحالية الخاضعة لمشيئة إيران.

بالمقابل، فإن هناك سعياً سنياً محلياً للخروج من المأزق الحالي، ميقاتي كان قد أعلن ألا مقاطعة سنية للانتخابات، وهذا الموقف جرت صياغته مع الرئيس فؤاد السنيورة ومفتي الجمهورية، وهناك مساعٍ مستمرة لتطويق أي مشروع يسعى لوراثة "الحريرية"، وتحديداً بعد الخطاب الهلامي لبهاء الحريري عن عودته المرتقبة لانتزاع حقه في وراثة شقيقه الأصغر، والذي أضاع 17 عاماً من عمر المشروع السياسي، وتبرز محاولات أخرى لصدّ بهاء عن الإمساك بأي ورقة قوة سنية محلية، وخاصة أنه لا توجد دولة راعية بشكل ظاهري لمشروع الرجل.

وهذا السعي لمحاصرة بهاء سنياً يقوده نجيب ميقاتي، والذي سيحل ضيفاً على الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مع وفد وزاري يضم 7 وزراء، وهذا اللقاء سيناقش ملفات رئيسية مهمة في البحر المتوسط والشرق الأوسط، وستُجدد أنقرة حديثها عن سلسلة مشاريع جاهزة لتمويلها في مجالات الطاقة والبيئة والصحة والنقل، لكن دون الشروع بالتدخل السياسي في لبنان.

وهذا القرار أسمعته أنقرة لكل من دق أبوابها باحثاً عن بدائل سياسية تعوّضه عن السعودية، وهي باقية في لبنان على أنها دولة تشبه اليابان مثلاً، صديقة لكل المكونات، وتقدم نفسها دولة تنموية تساعد الجيش والشعب من بوابة ثقافية لدولة جارة، وهذا الخيار التركي سمعه ميقاتي من أصدقائه في أنقرة واطمأن قلبه له.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

صهيب جوهر
صحفي لبناني
صحفي لبناني ومراسل عربي بوست في لبنان
تحميل المزيد