بعد سنوات من تراجع الأداء السياسي للسنة في العراق بسبب عوامل عدة من الاحتلال مروراً بالطائفية وداعش، ووصولاً للميليشيات، عاد السنة إلى المشهد السياسي في بلاد الرافدين بشكل أقوى من المرحلة السابقة، وتم وضع الخلافات بين أكبر كتلتين سُنيتين "عزم" و"تقدم" جانباً وقررتا التحالفَ لتشكيل ثاني أكبر كتلة برلمانية بعد كتلة مقتدى الصدر.
رئيس البرلمان محمد الحلبوسي والسياسي ورجل الأعمال خميس الخنجر تنازلا عن لقب زعيم السنة في العراق واستبدلاه بتحالف سمياه "السيادة" معلنين تشكيل تحالف سياسي شامل يدافع "عن حقوق أهله وجماهيره التي يمثلها، ولأجل كل نازح أو مختفٍ قسرياً أو مظلوم".
فرض التحالف نفسه كلاعب سياسي فاعل يمكن لمقتدى الصدر صاحب الكتلة الأكبر عددياً في البرلمان التحالف معه لتشكيل حكومة أغلبية من الكتلتين بدلاً من حكومة توافقية ترغب بها الميليشيات الشيعية الموالية لإيران، والتي عرفت معنى الهزيمة بعد خسارة أعداد كبيرة من مقاعدها في الانتخابات البرلمانية الأخيرة.
هذا ما يجري حالياً في العراق، ولا يمكن توقع إلى أين ستتجه الأمور خاصة في ظل تهديد علني ومسلح لهذا التحالف من قبل الميليشيات.
أما في لبنان فالمشهد مغاير بشكل كبير.
التحالف السني في العراق انقلب في لبنان مئة وثمانين درجة، إذ أعلن زعيم السنة في لبنان سعد الحريري أو كما يحب مؤيدوه أن يطلقوا عليه "بَيّ السنة" تعليق عمله السياسي لأنه "لا مجال لأي فرصة إيجابية للبنان في ظل النفوذ الايراني والتخبط الدولي والانقسام الوطني".
ولأن الحريري كان يحتكر منصب الزعامة منذ اغتيال والده الراحل رفيق الحريري، ولم يتمكن أي حزب أو تيار آخر من منافسته داخل الطائفة إلا بشكل مناطقي وليس على مستوى كل لبنان، يمكن أن نعتبر أن المستقبل السياسي لأكبر طائفة في لبنان مجهول وربما مخيف؛ باعتبار أن حزب الله لن يفوِّت هذه الفرصة دون أن يستفيد ويمد نفوذه داخل الشارع السني عبر رجالات تابعة له أو مؤيدة لخطه السياسي.
أما خيار ظهور رجل ثانٍ أو تيار يتمكن من جمع السنة أو حصول أحد السياسيين على الدعم الإقليمي اللازم فيحتاج إلى الكثير والكثير من الجهد، خاصة أن دول الخليج تشترط على أي زعيم سني يريد أن يحظى بدعمها، أن يثبت إمكانياته في مواجهة النفوذ الإيراني، وهو أمر صعب على المدى المنظور إذا لم نقل مستحيل حالياً.
بالمقابل فإن هذا المنعطف السياسي اللبناني الذي أسّست له خطوة الحريري وتياره، قد يفتح فجوة في الحائط المسدود الذي وصل إليه حراك 17 تشرين والقوى التى تنادي بالتغيير، إذ كانت تشتكي صعوبة في اختراق البيئة السنية لخوفها في حال اتجهت للتغيير في بنية تمثيلها الطائفي، بأن تزداد ضعفاً.
لكن حراك تشرين بات اليوم يناقش إمكانية الاستفادة من هذه الفرصة لإطلاق المرحلة الثانية من الانتفاضة ضد تحالف السلطة وحزب الله، وحتى لا تكون خطوة عبثية وبلا جدوى وكي لا تجنح للعنف، وهذه هي النقطة الأهم، يجب أن يكون عنوان المرحلة المقبلة هو العقد الوطني الجديد وفق المعادلة الآتية: إنهاء النفوذ الإيراني مع الحفاظ على نفوذ المسلمين الشيعة.
وهناك وجهة نظر تعتقد أن خطوة زعيم المستقبل في لبنان ليست بعيدة عن ملف خارطة النفوذ الإقليمي، حيث تعمل دول الخليج على فرض نفسها لاعباً أساسياً حاضراً بعد تراجع دورها في العديد من بلدان المنطقة، وذلك من خلال لاعبين جدد على الساحة السياسية بدلاً من الوجوه القديمة التى لم تنجح في التصدي للتمدد الإيراني.
وعلى عكس العراق الذي فرض استحقاقه الانتخابي بالكثير من الدماء والتحديات والمواجهات، ثمة من يقول تبعاً لظروف الواقع السياسي اللبناني الصعب إن الانتخابات النيابية المقبلة باتت بحكم المؤجلة، في ظل تنامي الحديث عن فقدان الميثاقية السنية إذا ما لحق رؤساء الحكومة السابقون نجيب ميقاتي وفؤاد السنيورة بسعد الحريري وحظي هذا الموقف بغطاء مفتي الجمهورية ومعه دار الفتوى، ما قد يفقد قوى سنية أخرى طامحة لملء هذا الفراغ شرعيتها المذهبية.
إذاً، بعد 15 عاماً تمكن سنة العراق من العودة للمشهد السياسي العراقي وإثبات نفسهم كلاعب أساسي لا غنى عنه عقب سنوات من الغلبة الشيعية، أما سنة لبنان فأصبح مصيرهم مجهولاً في ظل غياب قيادات وازنة تحل محل سعد الحريري وتصاعد نفوذ حزب الله، فضلاً على سهولة تركيب ملفات الإرهاب لأي سني قد يتعدى الخطوط الحمراء.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.