على الرغم من أن مشروع "الحريرية" السياسية وتحديداً مع الرئيس سعد الحريري مُنيَ بالعديد من الهزائم والإخفاقات في ميادين السياسة والمال والاقتصاد، فإن "الخرطوشة" التي استُخدمت من محيطي الرجل في السنوات الأخيرة وتحديداً منذ 17 تشرين إلى لحظة اعتزاله السياسة أن الرجل يمتلك مروحة علاقات دولية وإقليمية تتيح له لعب أدوار وملء مساحات ومفاوضات مع أهم قادة الدول في ظل عزلة لبنانية تستمر منذ سنوات وتحديداً منذ التسوية الرئاسية والتي خطها الحريري بقلمه مع سمير جعجع.
بداية هواجس الحريري
وسعى الحريري للقول في تكليفه الأخير والذي فشل بتحويله إلى تأليف حكومي، إنه لا يزال سعد الحريري القوي رغم الفيتو السعودي على بقائه في الحياة السياسية اللبنانية، فكانت جولاته الخارجية بعيداً عن شقها المتعلق بالتكليف الحكومي لا تخلو في شكلها ومضمونها للقول إنه يستطيع الغداء في قصر وحيد الدين في إسطنبول والعشاء في اليوم نفسه على مائدة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وكذلك الأمر في إيطاليا وفرنسا وموسكو وأبوظبي والدوحة، فالرجل كان يعيش هاجس إغلاق بيته السياسي في ظل رفض ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان لقاءه في قصر اليمامة في السعودية.
وعقب اعتذاره الشهير عن التكليف صيف العام المنصرم خرج الحريري دون عودة إلى مقر إقامته الجديد، حيث استقرت أعماله التجارية في أبوظبي وهو أيضاً يتحضر لافتتاح مجموعة أعمال جديدة في القاهرة وممر هذه المشاريع الإلزامي هي "أبوظبي القابضة" والتي فتحت لسعد الحريري أبواباً مغلقة.
وكل صولات الحريري وزياراته واجتماعاته ورثها نجيب ميقاتي والذي يحرص الفرنسيون والأمريكيون ومعهم مصر وقطر بالإبقاء على حكومة يتم نقاشها والحديث معها إذا اقتضى الأمر، فيما لم تعلق الدول باستثناء فرنسا على غياب الحريري ولم تبدِ أي جهة تخوفها من التطرف الذي قد ينشب عقب انسحابه ما يؤكد فرضية أن من يمارس هذه اللعبة هم القوى السياسية التي استفادت من غطاء الحريري لسنوات وتحديداً حزب الله والتيار العوني.
الورقة الخليجية والشروط المستحيلة
والشارع اللبناني اليوم يدخل مع خيارات سعد الحريري بالتوازي مع الورقة الخليجية ذات الشروط العالية مرحلة الاهتزازات مع تجميع أوراق القوة، صحيح أنّ وزير الخارجية الأمريكية أنتوني بلينكن سيناقش الملف اللبناني والورقة الخليجية خلال لقائه مع نظيره الكويتي، لكن ثمة حقيقة لا بدّ من معرفتها معرفة وثيقة، أن الورقة الخليجية صيغت بنودها في السعودية، وحازت قبل تسليمها للبنان على موافقة أمريكية. وبالتالي فهي ليست صناعة أمريكية تولّى وزير الخارجية الكويتي حملها.
والفارق كبير بين الصياغة والموافقة، وهو ما يعني أنّ الورقة ستشكّل سقفاً للتفاوض لاحقاً حول ترتيب الوضع اللبناني وليس هدفاً مطلوباً بالكامل، فسقف التفاوض شيء والأهداف الواقعية شيء آخر.
صحيح أنّ البند الأول والمتعلق بالتمسّك باتفاق الطائف هو بند لا مجال للتراجع عنه، وبالتالي، هذا ما ينفي أي أفكار حول مؤتمر تأسيسي والذهاب في اتجاه الجمهورية الثالثة. إلّا أنّ البند المتعلق بتطبيق القرارات الدولية، ولا سيما منها القرار 1559 يبدو الأصعب والأكثر دقة وحساسية وهو بحاجة لمقاربات دولية وشراكات كبرى بين دول أساسية وتحديداً واشنطن وموسكو وأنقرة وطهران.
هل تتدخل تركيا؟
وحزب الله الصامت عن الرد على البنود المخصصة حول سلاحه ومستقبل مشاركاته الإقليمية والعربية في النزاعات بات يدرك أن الرؤساء الذين تسلموا الورقة الخليجية لن يبادروا لطرحها على طاولة مجلس الوزراء تحسباً لتفخيخ الحكومة بعد عودتها مؤخراً، وهو يحول مسار المعركة إلى مكان لآخر وتحديداً ما يجري بثه عن تخوف من نشوء نزعة تطرفية في الساحة السنية عقب اعتزال ساكن بيت الوسط، وبات يروج في إعلامه عن تحضيرات لتحرّك بعض المجموعات المحسوبة سياسياً على خصومه الإقليميين أي السعودية وتركيا في طرابلس والشمال لمواجهته.
فيما يقول خصوم الحزب إياه إنه قد يستثمر في غياب الحريري والمستقبل للعبث في المشهد السني المتخبط والمبعثر عبر عصابات يسلحها الحزب كسرايا المقاومة وجماعات سنية موالية له، وهو وفق رأيهم من أعاد شماعة خلايا داعش لإحكام سيطرته على أي "تسونامي سُني" قد ينشأ كردة فعل على غياب سعد الحريري.
وهذا الاستجلاب المستمر للحضور التركي في لبنان ليس وليد اليوم وجرى ترويجه سابقاً من إعلام الإمارات في ذروة الصراع مع تركيا في ليبيا وسوريا وكاراباغ، فيما الحزب وفريقه حريص على استجلاب نقاش يخيف المسيحيين ويعبئ الشيعة وهو ما يثير ريبة حول ما يجري من تحضيرات للإمساك بالمشهد السني المتخبط.
بالمقابل، فإن مصدراً مقرباً من الأتراك يرفض التعليق على انسحاب الحريري ويعتقد أن خيارات أحزاب وقوى لبنانية ليست مجالاً للنقاش، وهذا شأن محلي لا نتدخل به، وعن إمكانية دعم أنقرة لأطراف سُنية للمشاركة في الانتخابات البرلمانية يسخر المصدر من هذا الطرح، ويؤكد أنه أسمَعَ العديدَ من الجهات التي دقت أبواب تركيا أن القيادة التركية لن تتدخل باستحقاق محلي لدولة صديقة.
"نحن لسنا قراصنة".. يشير المصدر ويعتقد أن تركيا وعلى مر تاريخها مع لبنان لم تتعاطَ إلا مع الحكومة والجهات الرسمية، وهي حريصة على دعم لبنان بكل قدراتها وبموافقة وطلب أي جهة حكومية، ويعتقد أن ملفات عديدة ستناقش خلال زيارة رئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي، وهناك مشاريع تحضر مع وزارات كالصحة والاقتصاد والبيئة، وهذه المشاريع تهدف لمساعدة "لبنان الدولة والشعب" ولا نستخدم أسلوب دعم جهات سياسية على الرغم من علاقتنا الجيدة مع معظم الأطراف السياسية في البلاد.
وهذه العلاقة لا تخول أي دولة ذات سيادة أن تعبث بالدول ذات السيادة، ونحن نقوم كجزء من دعمنا لسيادة البلاد بدعم المؤسسات العسكرية والأمنية الرسمية بكل الإمكانيات المتاحة، إيماناً باستقرار لبنان وأمنه المرتبط بأمن الإقليم، ويختم الرجل بأن بلاده تنسق جهود الاستقرار الإقليمي مع دول عديدة في المنطقة وتحديداً الدول العربية، لأن المرحلة التي تمر بها المنطقة دقيقة وبحاجة لتواصل مع كل الجهات الفاعلة للحد من أي انفجار أو أزمة.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.