"عندما تقدم كل ما لديك وتجبر حتى كرة القدم والحظ على الانحناء".
ربما في أحد العوالم الموازية قد توقع أحد المصريين "سرقة" منتخب مصر للمباراة وفوزه بضربات الترجيح، ويذكر أن حتى هذا التوقع كان ملحوقاً بـ"حفلة" من السخرية والتسفيه، فشتان بين كوت ديفوار مقصية الجزائر والبعبع الجديد للجميع، وبين فريقٍ ظهر بأداء مهلهل لا يليق باسم بلده.
"غياب الروح وغياب التكتيك ودور المدرب" كانت تلك أبرز الانتقادات التي طالت منتخب مصر بعد دور المجموعات، وعلى قدر التوقعات السلبية كانت الصدمة بما قدمته "النسور" المصرية وحملها لآمال المصريين والعرب لبعيد، فلم يكن الأمر سرقة غير مستحقة ولا فوزاً بطعم الهزيمة، ولا بأداء دفاعي ممل. ولكن الأمر وبكل بساطة هو أنه من كان في الملعب بذلك القميص الأبيض كان منتخب "مصر" وليس الأشباح.
فما ذكرناه قبل المباراة من فقدان الثقة كانت هي أهم ما ميزت اللاعبين وأكبر قوة اكتسبها الفراعنة طوال الـ120 دقيقة فلم تكن صحوة أو رد فعل بل كانت أفضلية على حساب الفيلة طوال دقائق المباراة وكأن الزمن عاد وامتلأت قلوب الإيفواريين بالرعب، وتذكر المصريون ماضيهم فاعلين به لا متغنين، أكدوا صناعتهم لأمجاد جديدة كاتبينَ معاهدة صلح بينهم وبين جماهيرهم التي فقدت الثقة منذ زمن بعيد في هذا الجيل، فالانتصارات والأداء الرجولي هي من تصنع الثقة والدعم لا التصريحات ولا المؤتمرات.
لا أدري إذا قررنا أن نبدأ بميزات منتخب مصر فبماذا نبدأ، ولكن ما لا يسعنا تركه هي الروح والتضحية، التي قدمها اللاعبون أمام خصم قوي بدنياً وعنيف يثير الرعب في منافسية بكبر أحجام لاعبيه.
لكن منذ بداية المباراة بدأنا في رؤية تدخلات "عنيفة" كروياً لتعويض أي فارق فني لم يظهر به منتخب مصر الذي كان يؤدي أداءً بالشوكة والسكين سواء دفاعياً أو هجومياً أو في الضغط على حامل الكرة، وهذا ما تكرر في دور المجموعات وهو أن يركض لاعب غينيا لعدة دقائق، وقد يسدد قبل أن يتذكر أحد منعه أو الضغط عليه.
لكن على الجهة المقابلة، هل يمكنك تذكُّر لاعب لساحل العاج استطاع فقط استلام الكرة بحرية قبل أن يجد هجوماً من مدافعي منتخب مصر من كل النواحي، فإما تمريرة للخلف وإما قطعاً للكرة. تجد الكرات الطولية التي طالما كانت تسبب قلقاً لقلوب المصريين فتبدأ الثقة دقيقة بعد دقيقة، فأحمد حجازي الحائط في الموعد وإن لعب القدر لعبته ووصلت الكرة إلى أحد المهاجمين، فطالما يقف الشناوي بين الثلاث خشبات، من دون قلق، وهكذا نتحقق يوماً بعد يوم من أننا -منتخب مصر- لن نستطيع الفوز ببطولات من دون حارس مثل "الشناوي"، وإن غاب الشناوي فيا "جبل" ما يهزك ريح.
"ومن تاني أكيد راجعين"
منتخب برائحة منتخبات المجد 2006، و2008، و2010، فريق يلعب بغيرة على شعار القميص وعلى السبع نجمات المتلألئة تحته، منتخب يحمل فكراً في الملعب بدون العشوائية المعتادة طوال السنين الماضية، بلا هيبة، وكذلك بلا تقليل، فعكس ما وجدناه في مباراة الجزائر أمام ساحل العاج كان هناك تقليل من لاعبي الأخضر من إمكانيات الفيلة الهجومية.
لكن المنظومة الدفاعية المصرية من دفاع جوي أرضي وأي نوع تريد قوله كانت جاهزة بشكل كامل لكل أنواع الهجمات التي ستقدمها أسماء كبيرة في الخط الهجومي للخصم. نعم هذا هو المهاجم هالر هداف دوري الأبطال وصاحب عشرة أهداف في دور المجموعات، ولكن هذا محمد عبد المنعم الشاب الذي نتخيل أن المدير الفني للكوت ديفوار اعتبره ثغرة لتواجده بدلاً من الونش، لكن يمكنه الآن البحث عن مهاجمه في "جيب" عبد المنعم.
وكذلك لا تقلق من بيبي، نعم هو لاعب الأرسنال، ولكن أحمد فتوح يستطيع التعامل مع تلك النماذج ولو حاولت أن تجرب جراديل أو حتى زاها وإن أحضرت دروجبا بنفسه وأشركته بجوارهم لن يتأثر عمر كمال عبد الواحد.
وحتى إن لعب الحظ دوره بجوار كل تلك الأسماء وضاعت الفرص، لكن إذا منتخب مصر أراد الفوز فلا بد أن تستجيب الكرة.
نعم ما زالت البطولة في بداية أدوارها الإقصائية، ولكن مثل ذلك الفوز هو من يعطيك الثقة، فربما تفوز وأنت تعلم أن الخسارة تنتظرك في القادم، لكنك الآن حققت فوزاً أعطاك أملاً في ما هو قادم.
والقادم هو ديربي عربي مغربي يمكننا فيه أن نبارك للفائز أياً ما كان، كلا الفريقين قدم الخيال وغاب عنه الحظ وترجمة الأهداف، فلنستمتع بديربي العرب ولنستمتع بتلك المواجهة الكلاسيكية رغم حزننا بسبب علمنا بخروج أحدهما في النهاية.
سلبيات تجب مراجعتها
وإذا تحدثنا عما ينقص منتخب مصر وننتظر تحسنه في القادم فهو بدايةً وبشكل مختصر الانسجام، والذي كان يعيب اللاعبين خصوصاً في الانتقال بهجمات مرتدة من الدفاع للهجوم والتمريرات بدون نظر أو النقلات السريعة أو التفاهم بين الثلاثي الأمامي في عدة فرص، وحتى بين الجناحين محمد صلاح ومرموش والظهيرين الأيمن والأيسر فتوح وعمر كمال.
وكذلك خط الوسط ونقله للكرة ربما يحتاج المزيد من الإبداع والتمريرات الطويلة التي يتقنها بشكل جيد السولية، ويحتاج أيضاً للتسديد من خارج المنطقة، وهو الحل الذهبي في هذه البطولة بشكل خاص، ففي كل مباراة تقريباً ستجد هدفاً على الأقل من خارج منطقة الجزاء.
وعلى الرغم من أنه في أغلب المحاولات للتسديد من خارج المنطقة كان الهدف قريباً، فإنه ما زالت لا توجد ثقة كاملة في هذا الحل، ربما يكسرها هدفٌ من النني أو مرموش في المباراة القادمة.
كذلك استغلال الكرات الثابتة والركنيات والتي شاهدنا هدف محمد عبد المنعم منها في مباراة السودان غابت بشكل قوي في المباراة، رغم وجود عدد من الفرص دون تشكيل أي خطورة، وهذا سيعود للمدرب وتحضيراته، خصوصاً أن الأدوار الإقصائية تلعب على التفاصيل الصغيرة واستغلال الفرص.
وباختصار وبعد ما شاهدناه فيمكننا أن نتمنى الأفضل من منتخب مصر في القادم، والتوفيق لكل المنتخبات العربية، وأن تكون البطولة في بيتها في شمال إفريقيا.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.