بشكل مفاجئ وبينما تتركز الأنظار العالمية على التوتر المتصاعد على الحدود الأوكرانية بعد حشد روسيا عشرات الآلاف من قواتها، اندلعت التظاهرات في عدة مدن كازاخستانية احتجاجاً على ارتفاع أسعار الغاز الطبيعي وتحولت التظاهرات لاشتباكات عنيفة مع الشرطة، وقد كان البلد يتغنى قبل ذلك باستقراره النسبي وحتى الاحتجاجات التي وقعت سابقاً كانت محدودة مقارنة بالاحتجاجات الأخيرة.
استجابة للاحتجاجات وتخوفاً من خروجها عن السيطرة قام الرئيس الكازاخستاني توكاييف بجملة من الإجراءات منها توليه قيادة الأمن القومي بدلاً من نازاباييف (الرئيس السابق الذي ترك السلطة في ٢٠١٩، وولاه توكاييف مجلس الأمن القومي)، ثم قام بعزل بعض أقارب الرئيس السابق نازاباييف من الحكومة، كما قام بالتعهد بتخفيض أسعار الغاز. ولكن بالرغم من هذه الإجراءات استمرت الاحتجاجات وقتل خلال هذه الأحداث 164 شخصاً وأصيب 2200 وتم القبض على أكثر من 6000 شخص.
أدى التوتر المشتعل على الجبهة الأوكرانية إلى تدخل روسي سريع، خشية أن تكون للإدارة الأمريكية يد في تحريك الأحداث في كازاخستان وحتى لا تنشغل موسكو بأكثر من جبهة، خاصة أن أحداث كازاخستان بدأت بالتزامن مع بدء المباحثات بين روسيا والولايات المتحدة حول أوكرانيا وتوسع الناتو.
ومع ذلك لم يكن الدور الخارجي واضحاً في الاحتجاجات الكازاخستانية، حيث كانت هناك أسباب داخلية مثل تدني الأجور ورفع الأسعار وتركز الثروة لدى فئة معينة منها عائلة الرئيس السابق نازارباييف. ومع ذلك كان هذا أيضاً سبباً كافياً لتدخل روسيا حتى لا تنتشر هذه الاحتجاجات إلى دول وسط آسيا المجاورة التي تعتبر حديقة خلفية لروسيا.
بالنسبة لتركيا فقد كانت تركيا في عملية صعود مستمرة قائدةً للجمهوريات التركية، خاصة بعد دعمها لأذربيجان بشكل حاسم في تحرير إقليم كاراباغ، كما حولت مؤخراً مجلس الدول التركية إلى منظمة الدول التركية. ولكن تركيا تفاجأت بقيام الرئيس الكازاخستاني قاسم جومارت توكاييف بطلب المساعدة من منظمة الأمن الجماعي التي تقودها روسيا عندما شعر بأن قوات الأمن ربما لن تستطيع المواجهة في حال تصاعدت الأمور، خاصة أن بعض موظفي الشرطة قاموا بالسير بجانب المواطنين في بعض مناطق الاحتجاجات دون التدخل أو القيام بعمل عنيف تجاههم. ولم يطلب من منظمة الدول التركية الناشئة.
قد يكون تحرك توكاييف لطلب المساعدة من روسيا تم بدأ بتوصية من روسيا أو معلومات حول خطورة التعامل مع الأمر بالإمكانات المحلية، وعلى كل الأحوال قامت تركيا بعرض المساعدة على كازاخستان، لكن روسيا كانت قد تحركت سريعاً، بسرعةٍ فاجأت واشنطن نفسها.
وبالنظر إلى التدخل الروسي السريع من خلال منظمة الأمن الجماعي (تحالف عسكري حكومي دولي في أوراسيا يضم دول ما بعد الاتحاد السوفييتي) فقد جاء التدخل بعد أقل من 6 أيام على بدء الأحداث. ولو كانت الفرصة أتيحت لتحرك جماعي للدول التركية لكانت فرصة كبيرة لإثبات التضامن التركي ولكان بني عليها خطوات أخرى. ولهذا شعرت تركيا بالقلق من عدم وجود دور أكبر لمنظمة الدول التركية والتي تضم 7 دول هي: تركيا وأذربيجان وشمال قبرص (غير معترف بها عالمياً) وتركمانستان وأوزبكستان وقرغيزستان وكازاخستان، حيث كانت تركيا تأمل بأن تدعم فيه الدول التركية بعضها البعض.
ربما كان اندلاع المظاهرات لأسباب داخلية بالدرجة الأولى مقيداً لتضامن الدول التركية مع كازاخستان في إطار محدد، وقد تخشى تركيا أن يتجه توكاييف أكثر نحو روسيا ما يحرم الدول التركية من تقوية صيغتها التحالفية الناشئة.
فيتوقع أن تحث تركيا الدول التركية الأخرى وأن تقوم هي بنفسها بتقوية التعاون مع كازاخستان وأن تقدم لها الدعم الاستشاري والدعم الأمني، وربما تعمل على إعادة النظر في آليات التضامن بين الدول التركية. بالتأكيد لم ترقَ الصيغة التعاونية بين الدول التركية لتحالف أو موقف موحد بشكل تام تجاه القضايا الخارجية، ولكن تركيا تطمح إلى توحيد هذه الجبهة وجعلها واحدة من ركائز قوتها ونفوذها الخارجي.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.