بات ملف عودة طهران وواشنطن إلى الاتفاق النووي مجدداً والنتائج التي من الممكن أن تؤثر في المنطقة إحدى أهم القضايا التي تشغل بال الكثير من المحللين السياسيين.
على الرغم من بدء محادثات فيينا في شهر نوفمبر/تشرين الثاني العام الماضي، لكن مصير هذه المحادثات لا يزال مجهولاً، وبينما ترى الولايات المتحدة والدول الأوروبية أن موقف طهران ليس بناءً، ترى روسيا أن المحادثات تسير بشكل إيجابي من الممكن أن يصب في مصلحة جميع الأطراف، وقد التزمت الصين الصمت ولم تصدر أي تصريح فيما يخص محادثات فيينا.
زيارات متبادلة وتطور في العلاقات الخليجية الإيرانية
لا بد هنا من الإشارة إلى أن عودة إيران والولايات المتحدة الأمريكية إلى الاتفاق النووي من الممكن أن تؤدي إلى نشوب حقبة جديدة في علاقات إيران بدول الخليج ودول المنطقة.
فمع استئناف المفاوضات النووية في 6 أبريل/نيسان بعد أن تولى جو بايدن منصبه في الولايات المتحدة، اتخذت المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، المعروفتان كـ"حلفاء لواشنطن" في المنطقة، خطوات لتوطيد العلاقات مع إيران.
ودلالة على ذلك، عقدت السلطات الإيرانية والسعودية اجتماعاً في العاصمة العراقية بغداد في أبريل من العام الماضي، كما قام نائب وزير الخارجية الإيراني علي بكيري بزيارة أبوظبي قبل وقت قصير من استئناف محادثات الاتفاق النووي في فيينا، لنرى بعدها زيارة مستشار الأمن القومي للإمارات طنحون بن زايد آل نهيان إلى طهران في ديسمبر/كانون الأول من العام الماضي حيث استقبله الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، والأمين العام لمجلس الأمن القومي الأعلى الإيراني علي شمخاني.
ولكن يبقى مصير العلاقات الخليجية الإيرانية مرهوناً بنتائج المفاوضات النووية، وهذا ما نجده ظاهراً في الخطابات الصادرة عن الرياض التي يمتنع فيها مسؤولو الحكومة عن الإدلاء بمعلومات من شأنها أن تكسر الجسور وكأنهم ينتظرون نتائج المفاوضات النووية، وهذا ما نجده أيضاً في تصريح أصدره وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان عقب ختام القمة الخليجية في الرياض، حيث قال "إن الموقف في مفاوضات فيينا بخصوص النووي الإيراني حالياً لا يدعو للتفاؤل"، مشيراً إلى أن هناك على ما يبدو "موقفاً إيرانيًّا متشدداً".
وفي إطار الضغط الإيراني على واشنطن وحلفائها في المنطقة، أعلن الحوثيون استهداف مواقع إماراتية صباح الإثنين 24 يناير/كانون الثاني، في هجوم هو الثاني من نوعه خلال أسبوع. وكان هجوم الأسبوع الماضي شمل طائرات مسيّرة وصواريخ باليستية وصواريخ كروز، ويبدو أن الهجوم الثاني أصغر نطاقاً، لكنه يشير إلى أن إيران تعتقد بضرورة تسوية كل الملفات دفعة واحدة في إطار الاتفاق النووي الجديد. وهي بضرب الحوثي للإمارات تضع ضغطاً غير مسبوق على كل من واشنطن وإسرائيل.
ومن الناحية الاقتصادية سوف تتأثر إمارة دبي العاصمة الاقتصادية للإمارات بشكل كبير كونها مركزاً رئيسياً للتجارة والسياحة الدولية، كما يسكنها عدد كبير من الوافدين من جميع أنحاء العالم. وقد عمد الحوثيون إلى إبراز قدرتهم على وقف الحركة الجوية وتعطيل الحياة الطبيعية في البلاد.
رفض إسرائيلي مستمر
ترفض إسرائيل خيار الانتظار حتى وصول المفاوضات النووية لنتيجة مرضية. وبعكس حلفائها أعلنت إسرائيل نيتها عن مواصلة تسليح نفسها وتكثيف أنشطتها السرية تحسباً لأي هجوم قد تضطر أن تشنه على إيران رافضة بذلك دعوات واشنطن وسياساتها.
في واقع الأمر، كانت هناك زيادة ملحوظة في الأخبار والتعليقات في الصحافة الدولية بأن إسرائيل تفكر في توجيه ضربة جوية لمنشآت إيران النووية، ومع ذلك، فإن ضرورة حصول إسرائيل على موافقة من البيت الأبيض لمثل هذا الهجوم يجعلنا نعتقد أن الخيار العسكري ليس واقعيًّا لا سيما أن الولايات المتحدة الأمريكية بسياساتها الجديدة تحاول الابتعاد عن التدخلات العسكرية.
وعلى خطى نتنياهو قرر رئيس الحكومة الإسرائيلي الجديد بينيت ذو الخلفية اليمينية المتشددة اعتبار المفاوضات النووية بمثابة خطأ سيعطي الشرعية لواحد من أشد وأعنف الأنظمة في العالم – على حد قوله- لكن ومن خلال النظر إلى وضع إسرائيل الداخلي والخارجي الحالي يمكننا استبعاد احتمالية أن تنفذ إسرائيل تهديداتها تجاه إيران، فاستمرار زيادة قوة المقاومة الفلسطينية في الداخل والتي أصبحت تشكل تهديداً حقيقيًّا على استقرار إسرائيل يوماً بعد يوم، ووجود حزب الله بكامل قوته على الحدود مع إسرائيل، إلى جانب قوة إيران العسكرية التي تعرف إسرائيل جيداً مدى ثقلها، قد يدفع إسرائيل التي لا تريد أن تغضب المجتمع الدولي ولا سيما الولايات المتحدة إلى التزام الصمت والرضوخ إلى نتائج المفاوضات النووية.
ويمكننا أن نرى هذا في تصريح وزير الخارجية الإسرائيلي يائير لابيد حين قال "إن إسرائيل ليس لديها مشكلة ما إذا توصلت الولايات المتحدة إلى صفقة جيدة مع إيران".
يُذكر أن هناك جوًّا من الإجماع في البلاد على أن أي اتفاق يمكن التوصل إليه في المفاوضات النووية لن يكون ملزماً لإسرائيل.
التوجه الأمريكي الناعم
ولقد تركت الولايات المتحدة الأمريكية حلفاءها من دول الخليج وإسرائيل في موضع مقلق نتيجة انسحابها من العراق وأفغانستان، مما لا يترك لدول الخليج وإسرائيل سوى حلين لا ثالث لهما، فإما أن يسيرا على نهج واشنطن ويلتزما بقراراتها عن طريق تخفيف حدة التوترات مع إيران أو أن يشكلا حلفاً لمحاربة إيران، وبالطبع سيكون لكل من هذه القرارات نتائجها.
ويأتي هذا التقارب العالمي تجاه إيران بعد تسلم جو بايدن زمام الحكم في الولايات المتحدة الأمريكية الذي اختار التوجه إلى سياسة القوى الناعمة ضد أعدائه وأولهم إيران، وتصب هذه الطريقة في مصلحة إيران التي اتجهت أيضاً للنهج نفسه عن طريق عودتها مجدداً لطاولة التفاوض النووي رغم العديد من الانتقادات التي وجهت لها، ولكن ينبع هذا القرار من الصعوبات والضغوطات الداخلية والخارجية التي تعيشها إيران هذه الفترة، حيث تهدف إلى رفع العقوبات المالية والمصرفية عنها، كما تريد أن تضمن قدرتها على بيع النفط واستلام عوائده دون أي عوائق.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.