إذاً ربما هي تلك الضجة التي يرغب صناع "أصحاب ولا أعز" في حدوثها، حيث الانتقادات التي أصبحت ملاذ الكثيرين من صناع السينما كوسيلة للترويج لعملهم الجديد.
نعم يغضون الطرف عن ألفاظ مسيئة، عن مشاهد ساخنة، عن مناقشة مواضيع جريئة وجودها في حد ذاته لا يغني ولا يسمن من جوع، لأن السينما والدراما بشكل عام ليست بالجهة المعنية أو المسؤولة عن حل مثل هذه المشكلات ومعالجة مثل هذه القضايا.
لكن بمجرد وجودها يزيد من هذا المنتج الفني تسويقياَ ورواجاً على السوشيال ميديا التي أصبحت بلا شك من أهم وسائل الدعاية والربح لدى صناع الميديا والمعلنين بشكل عام.
الموضوع كان في بداية الأمر سرقة الفكرة من أفلام ومسلسلات أجنبية وعندما يكتشف الجمهور، يقدم صاحب العمل اعتذاراً للمشاهدين، وفي أوقات كثيرة لا يقدم هذا الاعتذار على أساس أنه أمر مشروع ومصروف عليه أيضاً.
من "مسروق إلى "منحوت"
حتى تطور الأمر لسرقة الفيلم كاملاً مع تغيير مسمى السرقة إلى "منحوت" مع وضع بعض التعديلات عليه، وتنويه في بداية العمل بأنه مقتبس من العمل كذا "مع ذكر اسم الفيلم الأصلي". وأخيراً.. النسخة العربية من الفيلم الأجنبي كذا! مثل الذي حدث تماماً مع فيلم "أصحاب ولا أعز"
كانت مشكلتنا في عدم الابتكار والاستسهال في سرقة الأفكار مع تغيير ما يناسب هويتنا العربية، إلى أن وصلنا إلى فكرة الـ Copy paste بنفس الأفكار والمضمون بدون أي إضافات تحافظ على ثقافتنا وعاداتنا وتقاليدنا العربية، بل وصل الأمر إلى التباهي بعرض كل ما هو خادش للحياء بدافع متطلبات العصر الحديث، عصر الإنترنت الذي نعيش فيه والذي فرض علينا معرفة كل شيء وسماع ما لا يجب سماعه.
مؤخراً فيلم "أصحاب ولا أعز" الذي أثار ضجة كبيرة بسبب مشهد خلع ملابس داخلية قامت به الفنانة منى زكي، والتعاطف مع المثليين وإظهارهم بشكل لطيف والترويج لتقبلهم، هذا غير الألفاظ التي تتردد طول مدة الفيلم بشكل لافت.
خيانة الأصدقاء لبعضهم البعض، أو بمعنى أصح ارتكاب "كبيرة الزنا" التي صورها الفيلم على أنها حرية شخصية يتحمل عواقبها الشخص نفسه.
إذاً ربما في ثقافة المجتمعات الأجنبية هذا مباح بشكلٍ ما، ومباح كل شيء حيث حديث الأصدقاء مع بعضهم البعض في أمور خاصة جداً، لكن عندما تريدون تعريب مثل هذه الأفلام فلابد من مراعاة وإدخال تعديلات على مثل هذه المشاهد، بل حذفها، لكن هذا لم يحدث وعرض الفيلم كما هو.
أصحاب ولا أعز، وهو أول فيلم عربي أصلي تنتجه منصة نتفليكس الأمريكية، وهو النسخة العربية من الفيلم العالمي الشهير Perfect Strangers.
منتج "أصحاب ولا أعز".. وأشياء أخرى
بالفعل تم عمل الكثير من النسخ لهذا الفيلم الإيطالي، ومنها النسخة الإسبانية، لكن عندما أراد محمد حفظي إنتاج النسخة العربية منه لم يحافظ على هويتنا العربية، بل طمسها.
محمد حفظي صاحب شركة "فيلم كلينك" حيث قام خلالها بإنتاج العديد من الأفلام المصرية، منها رأس السنة 2020 وما أدراك ما هذا الفيلم الساذج غير الأخلاقي!
ثم شارك أيضاً في تأسيس شركة "ميديا كلينيك" للأعمال التلفزيونية، وأنتج العديد من المسلسلات منها "سابع جار" عام 2017 والذي دس من خلاله السم في العسل، ونال أيضاً حين عرضه الكثير من الانتقادات.
نعم يملك حفظي بعضاً من الأفلام والمسلسلات اللطيفة والتي تحمل رسالة ومعنى، لكن هناك علامات استفهام حول الكثير مما يقدمه سواء في مجال التأليف أو الإنتاج.
ماذا تريد يا حفظي؟
والسؤال أيضاً الذي يطرح نفسه هو إلى متى سيظل التقليد و"النحت" هو سبيلنا لإثارة الجدل ومن ثم الشهرة ثم البيع وتحقيق أعلى المشاهدات على هذا الأساس.
يوجد لدينا كتاب ومؤلفون كبار، لماذا نلجأ إلى تقديم أفكار ومواضيع الأعمال الأجنبية بهذا الشكل الفج دون إبراز هويتنا العربية وعاداتنا وتقاليدنا؟
هل وجود منصات مثل شاهد ونتفليكس سهل وأباح عرض وتقديم كل ما يخطر على بال القائمين على صناعة السينما والدراما بشكل عام بدون أي رقابة؟
هل الحفاظ على العادات والتقاليد وما يناسب أن تشاهده الأسرة بأكملها دون اللجوء إلى كتابة +12 أو ما يزيد أو ينقص عن هذا الرقم، أصبح صعباً لهذه الدرجة، أم إن فكرة العادات والتقاليد واحترام ثقافة مجتمعنا الشرقي أصبحت من الماضي وشيئاً "بلدي" لا يناسب 2022؟
لماذا التطور مرتبط طول الوقت بالجرأة وتقليد الغرب في كل شيء، وتقديم كل ما هو شاذ وغير أخلاقي، أو ربما هي الأخلاق نفسها أصبحت موضة قديمة؟
ماذا قدم الفيلم؟
سنجد من يقول إن ما يناقشه "أصحاب ولا أعز" هو موجود بالفعل على أرض الواقع، وربما اختار حفظي المجتمع اللبناني لكونه إلي حد ما open minded رغم تحفظي على هذا المصطلح، وبالتالي so what؟
ومع وجود الإنترنت الذي أصبح في متناول الصغير قبل الكبير بدون رقابة على مستخدميه، سنجد من يبرر عرض الفيلم كما هو في نسخته الإيطالية.
لكن لو فكرنا قليلاً.. ما المستفاد من عرض الفيلم كما هو، هل أضاف لنا معلومة، هل أضحكنا وقضينا وقتاً ممتعاً خلال مشاهدته، هل سيعالج الفيلم مشكلة الفتور بين الأزواج، أو سيمنع الخيانة، أو سيعطينا دليلاً توضيحياً في كيفية تربية الأبناء بحرية وحزم في نفس الوقت؟
لكننا في حقيقة الأمر طوال مشاهدة فيلم "أصحاب ولا أعز" كنا أمام مشاهد سطحية تخلو من الحبكة الدرامية، تخلو من المتعة والتسلية، تخلو من المؤثرات الصوتية حتى هذه لم تكن موجودة بالفيلم.
أين قصة "أصحاب ولا أعز"؟ في اللعبة؟ لعبة التعدي على الخصوصية؟
وهل من المفترض أن يحمل الموبايل الشخصي لأي إنسان كل هذه الأسرار التي لو عرفت لهدم البيت؟
لماذا دائماً تحدث الخيانة بين الأصدقاء، هل هذا هو الجانب التشويقي في العمل الفني حيث اكتشاف المفاجأة التي لم يتوقعها المشاهد؟
أما عن صدمة بعض المشاهدين في دور منى زكي بفيلم "أصحاب ولا أعز".. فأعتقد أن المشاهد اقتنع أخيراً أنه كما قال أحمد مكي في فيلم طير انت: "طالما في السياق ومفيش فيلينج يبقى سو وات؟".
هذا بالإضافة إلى أنه لم تعد هناك صورة نمطية مرسومة لفنان بعينه في عيون جمهوره، أو بمعنى أصح لم يعد هناك ثقة من جانب الجمهور المشاهد فيما يقدمه كثير من الفنانين، فهم في نهاية الأمر ممثلون وشغلهم الشاغل تجسيد شخصيات مختلفة ومتنوعة، بغض النظر عن خدش حياء الجمهور والمبررات كثيرة ومقنعة بالمناسبة في هذه الجزئية، أو الحفاظ على هويته العربية أو أو أو… كل ما يهم الواحد منهم "بغضه للتعميم والدخول في النوايا"، مع تقديم كل ما يثبت أنه ممثل جامد أو "غول تمثيل".
للأسف من يريد فناً نظيفاً وسينما نظيفة هو أقلية، والفوز دائماً للأغلبية القائمة على صناعة السينما والدراما، لكن ستبقى هناك أعمال فنية محترمة ولو قليلة تستحق المشاهدة وسيظل هناك كتاب يستحقون الإشادة يحترمون عقلية المشاهد، ويقدمون كل ما يراعي هويتنا العربية وقيمنا المجتمعية بشكل لطيف وممتع بحدوته تستحق الإشادة، وهم في حقيقة الأمر سيذكرهم التاريخ، أما غيرهم فالضجة التي يحدثونها هي فقط نصيبهم من تخليد اسمهم في عالم الفن السابع.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.