رسالة إلى سعد الحريري: أرجوك لا تعُد

عربي بوست
تم النشر: 2022/01/25 الساعة 15:28 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/01/25 الساعة 15:28 بتوقيت غرينتش
سعد الحريري - رويترز

رأيت في المنام يا "شيخ سعد" أن الجبن وقع من فمك لأنه ليس لك منقار، لكنني لم أرَ الثعلب الذي التقط تلك القطعة من الجبن، وهذا ليس بالأمر المهم لأن هناك صفاً طويلاً من الراغبين في تعلم المهنة بحلق رؤوس اليتامى، وفي تفسير المنام قيل لي إن الجبن هو الزعامة، فخيراً تفعل إذا ما حسمت أمرك وغادرت "مزبلة السياسة" اللبنانية، التي ما زال يظنها البعض ساحة وفيها صولات وجولات.

ورثت الزعامة عن زعيم وطني، لكنها تحولت إلى زعامة ضمن صراع طائفي مع الوقت، والجدير ذكره في هذا السياق أنه كان ممنوعاً على الراحل رفيق الحريري زمن الوصاية السورية أن يتعدى حدود صيدا وبيروت في أية انتخابات، لكن ما فقده في التمدد المذهبي حصل على تعويض مقابله لا يُقدر بثمن، إذ تُوِّج زعيماً وطنياً عابراً للطوائف والمذاهب، ورغم ذلك غادر الدنيا بمأساة لا يستحقها كما كان يحصل في التراجيديا الإغريقية.

أما أنت فبعد أن حققت نجاحاً بالحصول على أكبر كتلة نيابية من الرصيد الذي تركه لك الحريري الأب مباشرة، أضعت بوصلة الوطنية، وأصبحت قبطان طائفة كغيرك من قباطين الطوائف الأخرى، وحقيقة الأمر أن زعيم الطائفة في لبنان له رتبة قبطان، لكن مهنته الحقيقية هي القرصنة، أي أنك دخلت من حيث لا تدري إلى عصبة القراصنة.

وصدقت وجود الحريرية السياسية التي تلوكها الألسنة بالسوء وتحملها مسؤولية الانهيار، ومن الجائز أن ذلك حصل دون أن تدري أيضاً، فالحريرية السياسية في الحقيقة لم تنطلق، ورحل صاحب المشروع قبل أن تبدأ، لقد كانت الحريرية السياسية مشروعاً يرتكز إلى التاتشرية والدارونية الاجتماعية، ضمن خطة تحديث لبنان ما بعد الحرب، وكنا نتوجس منها خشية ما قد تحمله من مشاكل اجتماعية وحياتية على الفئات الشعبية.

لكن مع وجود الوصاية السورية والمراقبة اللصيقة تم الاستغناء عن أفكار مارغريت تاتشر، واستُبدلت بأفكار الوصاية السورية وما نتج عنها من نظام محاصصة بغيض، حتى باتت السياسة هي فن توزيع الحصص، والشيء بالشيء يُذكر، فمن حرمك أمس يروج اليوم لتطبيق التاتشرية في بلاده في رؤية 2030، علماً أن بريطانيا ما زالت تعاني من تلك التاتشرية التي كانت عبارة عن سمّ في الدسم، وعانت منها أيضاً دول كثيرة بعد أن طبقت تلك الوصفة السحرية.

المهم في الأمر أن مغادرتك عصبة القراصنة هي خطوة حكيمة، فلا تلتفت إلى الخلف، لا تلتفت إلى الذين يدعونك أن تبقى قبطان طائفتك في ظل دولة فاشلة.

وما أكتبه ليس رسالة تعاطف، بل هي تأكيد على حقيقة بسيطة تفيد بأن من يغادر مستنقع السياسة في لبنان يكون قد تخلى عن مشاركة ضفادع الطائفية نقيقها، وهذا أفضل خيار في بلد يتسكع مسؤولوه لأجل مصالحهم على الصناديق الدولية وخزائن الدول من مشارق الأرض إلى مغاربها، بعد أن نهب أمراء طوائفه كل شيء، حتى إن الجراد فوقنا بعد تجديد البيعة في الانتخابات النيابية القادمة سيرفض حتماً أن يكون لبنانياً، لعدم بقاء لا أخضر ولا يابس ليأكله.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

ناصر الحسيني
كاتب صحفي لبناني مقيم في إفريقيا
مواليد 1958 بلبنان، حائز على ماجستير في الهندسة المدنية من جامعة الصداقة في موسكو سنة 1983 ودبلوم دراسات عليا سنة 1990. مهندس استشاري لدى منظمة الأمم المتحدة للتنمية UNDP، عملت في جريدة الديار قبل عام 2000، وكذلك لي كتابات ومساهمات في جريدة النهار وجريدة البلد، مقيم في إفريقيا منذ 2010 بشكل شبه دائم في غينيا الاستوائية وغينيا بيساو.
تحميل المزيد