لهذه الأسباب لم أحب فيلم “أصحاب ولا أعز”

عدد القراءات
6,055
عربي بوست
تم النشر: 2022/01/24 الساعة 11:22 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/01/24 الساعة 11:36 بتوقيت غرينتش
لقطة من الإعلان الرسمي لفيلم "أصحاب ولا أعز" المعروض حديثاً على شبكة نتفلكس/ يوتيوب

شاهدت بالأمس فيلم "أصحاب ولا أعز" والذي قامت ببطولته الممثلة المصرية منى زكي ومجموعة من الممثلين من جنسيات عربية مختلفة، والفيلم باختصار عن تجمع أصدقاء على مائدة العشاء في بيت أحدهم، لتقوم صاحبة المنزل باقتراح لعبة غريبة وهي أن يقوم كل واحد فيهم بعرض أي رسالة تأتي لأي واحد فيهم لينكشف أن أحدهم "شاذ" جنسياً والباقون يخونون أزواجهم وزوجاتهم، وقد شاهدت الفيلم بالكامل حتى لا يكون رأيي عنه مبتسراً أو متسرعاً، فأنا ضد الأحكام المسبقة التي غالباً ما تكون غير دقيقة أو ظالمة.

وقد سيطرت علي أثناء وبعد مشاهدة الفيلم حالة من الانزعاج وأريد أن أركز هنا عن أبرز الأسباب التي أدت لهذه الحالة، وسأذكر في ثلاث نقاط بعض الأشياء التي تميزت بالفجاجة الشديدة مكتفياً بها حتى لا يطول المقال أكثر من اللازم.

أولاً: رجل لا يغار على أهل بيته

الفيلم يركز على طفلة لم تبلغ بعد عامها الثامن عشر- طفلة طبقاً للقانون المصري- تجد أمها في حقيبة يدها (واقياً ذكرياً)، فتذهب الأم لتخبر والدهها فيتساءل الأب باستنكار عن سبب تفتيش الأم لحقيبة ابنتها، بدون أن تعتري وجهه أي مسحة غضب أو اندهاش سوى من سلوك زوجته غير السوي، في إشارة من صناع الفيلم إلى وجوب الحفاظ على الخصوصية، تلك الخصوصية التي تم انتهاكها بالكامل في أحداث الفيلم عندما أجبروا على إباحة محتويات هواتفهم أمام الجميع في تلك اللعبة السخيفة حتى لا تشك بهم زوجاتهم أو أزواجهم.

لم ينتهِ المطاف بنا مع هذا الأب عند هذا الحد، بل اتصلت به ابنته والجميع يسمع المكالمة عبر ميكروفون الهاتف لتقول له إنها ستذهب للنوم مع صديقها، فما كان من الأب العربي إلا أن يخير البنت أن تفعل ما تريد بمنتهى الحكمة! والموسيقى التصويرية تصدح في خلفية هذا المشهد المؤثر لكي نتأثر جميعاً بمدى حكمة هذا الأب المتفتح.

وأنا هنا أتساءل بمنتهى الهدوء- بقدر ما استطعت الهدوء- عن موقع هذه العلاقة بين الأب وابنته من مجتمعاتنا العربية بكافة عناصرها المسلم منها والمسيحي، هل اختفى مفهوم الغيرة على النساء من هذه المجتمعات، أم أنه أصبح دليلاً على الرجعية، أنا هنا أجيب بكل ثقة أن مجتمعاتنا ما زالت بخير مهما ظهرت بها من بعض الظواهر السلبية التي لا يخلو منها أي مجتمع، إلا أننا ليس كما يحاولون أن يصوروا، فحتى أكثر المجتمعات العربية انفتاحاً سيكون أول ما يخطر ببالهم لوصف هذا الأب بالدياثة.

منى زكي – مواقع التواصل الاجتماعي

ثانياً: محاولة التطبيع مع الشذوذ الجنسي

الفيلم يحاول أن يظهر من يهاجمون "الشذوذ" الجنسي بمظهر الوحوش التي لا ترحم، في محاولة منه للتطبيع من "الشذوذ" الجنسي، عندما اكتشفت مجموعة الأصدقاء أن أحدهم شاذ جنسياً، فهاجموه بقوة، وأبدوا امتعاضهم منه، وقد خصص الفيلم قسماً كبيراً منه لإبراز هذه الفكرة وإثارة التعاطف مع الشاذ جنسياً ومدى التنمر الذي يتعرض له، حتى إنه تعرض للفصل من الجامعة.

ثالثاً: التعامل مع الخيانة الزوجية كأمر واقع

نحن هنا أمام مجموعة أصدقاء يتناولون طعام العشاء، ولكن المشكلة أن كل من جلس على هذه المائدة يخون زوجه، ما عدا صديقهم المذكور آنفاً، والأب الطيب الذي تكلمنا عنه، والذي تخونه زوجته مع صديقهم الجالس معهم على نفس المائدة، ودعني أخبرك أن هذا الأب الطيب تعامل مع زوجته بنفس طريقة تعامله مع ابنته عندما فهم أنها تخونه!

ما هؤلاء الناس؟! وما هي الرسالة التي من المفترض أن يخرج بها المشاهد بعد سقوطه في بئر الخيانة التي يجد نفسه في قعرها أثناء مشاهدته لفيلم "أصحاب ولا أعز" أي صحبة هذه؟ لا أعلم.

قد يقول قائل: ألا ترى أنك تبالغ في هجومك على الفيلم، إذا كان لا يعجبك فلا تشاهد، لا، فالسكوت على محاولات هدم ثوابتنا هو مشاركة في هدم مجتمعاتنا التي تتعرض بالفعل لهجمات رهيبة، والمراقب للمجتمعات الغربية وما حدث فيها من انحدار أخلاقي رهيب بلغ قمته بفرض نشر ثقافة الشواذ على المجتمع، بعد أن كان المجتمع ينظر بازدراء شديد لحامل هذا المرض يفهم أن وعي المجتمع انحدر في سنوات معدودة نتاج الدعاية وحملات غسل الأدمغة عبر الإعلام والفن.

ولا أعلم بحق لماذا يهاجمنا البعض عندما ننتقد مثل هذا العمل ونصفه بالسيئ مستترين بالحق في حرية الإبداع، فلماذا تطالب بالحرية في ما تسميه أنت إبداعاً وتصادر على حريتي في رفض وانتقاد ما أريد، خاصة إذا كان هذا الذي أرفضه صادماً للرأي والذوق العام.

في الماضي قام رواد السينما والمسرح باقتباس معظم المسرحيات والأفلام من أعمال أجنبية، لكنهم كانوا يمصرون ويعربون هذه الأعمال حتى تتلاءم مع ذوق المشاهد العربي، حتى لا يشعر بالصدمة أو الغضب كما شعرنا نحن، وهذا لأنهم كانوا يحترمون ثقافتهم، ولو أنك نظرت إلى أعمال الريحاني أو مدبولي ستدرك حقيقة ذلك.

وفيلم "أصحاب ولا أعز" تقليد سيئ جداً لفيلم أجنبي، والمشكلة الأساسية في التقليد الأعمى أنه يجعل صاحبه مسخاً، فهو في الغالب لن يستطيع أبداً أن يكون نسخة طبق الأصل للذي يحاول تقليده، وفي نفس الوقت يفقد شخصيته الحقيقية في طريقه إلى تقليد ما يحاول أن يقلد، فيصبح كالمنبت الذي لا أرضاً قطع ولا ظهراً أبقى!

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علي خيري
كاتب ومحامٍ مصري
كاتب ومحامٍ مصري
تحميل المزيد