خلف أبواب فيينا المغلقة، يخرج دخان يبدو حتى الآن أنه أبيض، وعلى ما يبدو فإن الأجواء السلبية التي أقفل عليها عام ٢٠٢١ حول مستقبل المفاوضات مع إيران، وإعراب معظم الدول الأوروبية عن خشيتها من انهيارها، تبدلت بعد عطلة رأس السنة، وارتفعت أسهم الأجواء الإيجابية، ويدور الحديث أنهم وصلوا للملحق الثالث من الوثيقة والذي يتعلق بآلية وتسلسل التنفيذ.
تتجه الأبصار اليوم ومع الأجواء الإيجابية في فيينا نحو الساحة الخلفية للاتفاق، وهي الساحات التي يعتقد الكثيرون من المراقبين أنها ستكون جزءاً من الاتفاق وهي بأكثريتها الساحات العربية الممتدة من بغداد وصولاً لبيروت وصنعاء، بالمقابل يصر الإيرانيون على أن مفاعيل الاتفاق ستنحصر بالموضوع النووي فقط.
إلا أن تجربة الاتفاق النووي السابق وكيفية انعكاسه بشكل مباشر على جزء كبير من الساحات يعزز اليوم فكرة أن الاتفاق القديم-الجديد سوف يكون له أثر مشابه إن لم يكن أكبر، فعملياً اليوم وتحت الضغط الكبير الذي مارسته أمريكا ومن خلفها الاتحاد الأوروبي على إيران من عقوبات وتضييقات، وحتى مع وصوله إلى قيام إسرائيل بأعمال حربية تجسسية في إيران لوقف البرنامج النووي، على الرغم من كل تلك الضغوطات، استطاعت إيران الاستمرار بوتيرة متسارعة في الإبقاء على برنامجها النووي، بل على العكس من ذلك نجحت أقله في الصمود في الساحات الخارجية والمحافظة على قوة أوراقها من حزب الله إلى الحوثيين مروراً بالساحة السورية، وامتداداً إلى الساحة العراقية التي على الرغم من نتائج الانتخابات فيها فهي لا زالت أقوى اللاعبين.
وبناءً على كل العقوبات والتضييقات والضربات لا يمكن اليوم لإيران أن تصل إلى اتفاق نووي لا يصب في مصلحتها، فصومها الكبير منذ انهيار الاتفاق السابق عن العودة إلى اتفاق لا يحفظ لها نتائج مساوية للاتفاق السابق إن لم نقل نتائج أفضل، لن يذهب على إفطار بحمص أو بصل.
من جهة أخرى، باتت السعودية تدرك بطريقة براغماتية غير معهودة في سياساتها الخارجية، أن الغرب من الولايات المتحدة والأوروبيين الذين وجهوا لها ضربة قاسية في الاتفاق السابق، لن يسألوا عن مصلحتها في الاتفاق الجديد، لذلك بادرت ومنذ العام السابق إلى الدخول مع إيران في مفاوضات تمحورت حول شيء من تنظيم الخلاف في الساحات التي تجمعهم، وعلى رأسها الساحة اليمنية، ويبدو أن المسار بين البلدين يسير لنتائج إيجابية قد تترجم بعودة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين.
وبالمقابل يسأل البعض عن الإمارات والتي سبقت السعودية في فتح قنوات مع الإيرانيين وترجمت بزيارة المستشار الأمني القومي الشيخ طحنون بن زايد إلى طهران، لكنها تلقت ضربة قاسية الحوثيين ومن خلفهم إيران، بقصف طائرات مسيرة لأبوظبي.
واقعياً الأمر لن يؤثر على النتيجة الحقيقية للمسار الذي سينتج عن الاتفاق النووي في فيينا، وحتى على المفاوضات المنفصلة الجارية بين السعوديين والإيرانيين من جهة، ومن جهة أخرى بين الإماراتيين والإيرانيين. والضربة التي وجهت للإمارات لا تتجاوز كونها رسالة من طهران بعدم سماح إيران بتغيير قواعد اللعبة في هذا الوقت الحساس من المفاوضات، بالإضافة إلى الإبقاء على قوة أوراقها الإقليمية.
فعدم الرد بطريقة تظهر تفوق الحوثيين على التقدم العسكري المدعوم من الإمارات في الشبوة، كانت ستدفع إيران ثمنه مع المفاوضين، لذلك جاء الرد على هذا النحو، لتقول إيران إن الواقع على الأرض سيبقى ثابتاً. والسؤال الأبرز اليوم مع التقدم الحاصل في فيينا والرفض الحاصل في إسرائيل وبعض الدول العربية؛ هل ستبقى الجبهة الجنوبية في لبنان والساحتين السورية والعراقية هادئة؟
ختاماً ومع اقتراب الوصول إلى اتفاق نووي قديم-جديد فإن إيران وعبر صبرها في حياكة استراتيجية، وثبات أذرعها الفعلي على أرض الميدان في معظم الساحات الحساسة لديها، مع اهتزاز خصومها أو تراجعهم أو انشغالهم بملفات أكثر أولوية لديهم، يمكننا القول إن إيران ستخرج من المفاوضات الرابح الأكبر، حتى من قبل أن يُعلن لنا عن "بعض" محاور الاتفاق وما آلت إليه الأمور على طاولة الحوار.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.