رغم مرور نحو ربع قرن على فيلم "المصير" فإن الجدل حوله لا يزال متكرراً منذ عرضه في العام 1997، هذا الفيلم قد لا يعرفه جيل التسعينات، لكن الأجيال السابقة تعرف جيداً الضجة التي أثارها وقت عرضه، لتقديمه حياة الفيلسوف والطبيب ابن رشد الذي عاش في الأندلس في القرن الثاني عشر خلال فترة حكم الخليفة يعقوب بن يوسف (المنصور)، الذي كان يحتوي ابن رشد قبل أن ينقلب عليه ويحرق كتبه ويطرده من الأندلس.
تدور أحداث الفيلم حول الصراعات التي عاشها ابن رشد قبل أن يتم إبعاده من الأندلس، سواء من ناحية صراعه مع الخليفة المنصور (أدى دوره محمود حميدة) الذي أصابه الغرور وتحول إلى عدو بعد أن كان صديق، ومن ناحيةٍ أخرى صراعه مع التطرف الديني مع ظهور جماعات متطرفة تنشر أفكاراً عدوانية وتجتذب الشباب وتشحنهم بأفكارٍ عدوانية لدرجة نجاحهم في استقطاب عبد الله (أدى دوره هاني سلامة) الابن الأصغر للخليفة، الذي أراد أن يصبح راقصاً محترفاً، وكان يشجعه على تحقيق حلمه ابن رشد (أدى دوره نور الشريف) الذي قال في أحد المشاهد: "أنا لما كنت في سنه كنت أقعد أرقص 3 أيام من غير ما يتقطع نَفَسي".
لكن السؤال: هل كان ابن رشد مهتماً بالرقص لدرجة أن يرقص لمدة ثلاثة أيام؟
وهذا ليس السؤال الوحيد الذي نجد أنفسنا نتوقف أمامه بعد مشاهدة الفيلم، بل هناك العديد من الأسئلة، فنجد أسئلة مثل:
هل كانت زوجة ابن رشد وابنته ترتديان ملابس مفتوحة الصدر أمام تلاميذه وأصدقائه مثلما ظهر في الفيلم؟ هل كانت ملابس الفيلم مناسبة أصلاً لتلك الفترة؟
أجابني أحد أصدقائي الدارسين للتاريخ على هذا السؤال، فقال باستنكار: "ابن الخليفة (أدى دوره في الفيلم خالد النبوي) كان بيبقى لابس هدوم كاشفة صدره كده؟! ده كلام فاضي".
في الحقيقة فإن تلك الملابس ليست هي الخطأ الوحيد في الفيلم، فقد سمعت الفنان نور الشريف في إحدى الندوات وهو يقول إن 70% من أحداث الفيلم حقيقية، وهو ما يعني أن 30% من الأحداث ليست حقيقية (وهي نسبة ليست ضئيلة). وقال الشريف إنه طلب من يوسف شاهين توضيح تلك النقطة في تتر الفيلم ولكنه رفض.
كما رفض أيضاً مناظرة الدكتور عاطف العراقي، الأستاذ بكلية الآداب جامعة عين شمس والمتخصص في فلسفة وفقه ابن رشد، بحسب كلام تلميذ يوسف شاهين النجيب خالد يوسف" في أحد البرامج التليفزيونية، والذي قال إن الدكتور عاطف العراقي كان رأيه في الفيلم بعد أن شاهده أنه "أسوأ فيلم في التاريخ".
وإذا نحينا نقطة التاريخ جانباً وتحدثنا عن الإبداع الذي "صدَّع رؤوسنا به" بعض السينمائيين فسنجد أن الإبداع في الفيلم يقتصر على بعض عناصره فقط، مثل الصورة الجيدة لمدير التصوير محسن نصر، والكادرات الجيدة وحركة الكاميرا المدروسة ليوسف شاهين، والعنصر الموسيقي في الفيلم، والذي لا أعرف مدى ملاءمته لتلك الفترة، وديكورات حامد حمدان التي لا أعرف أيضاً مدى ملاءمتها للأندلس في القرن الثاني عشر.
أما إذا تحدثنا عن فكرة محاربة التطرف الديني فلا يوجد بها أدنى قدر من الإبداع، فليس من المنطقي أن تحارب التطرف الديني بصدور النساء العارية، سواء زوجة ابن رشد (أدت دورها صفية العمري) أو ابنته (أدت دورها روجينا) أو الغجرية مانويلا (أدت دورها ليلى علوي).
لكن ربما نجح الفيلم في إثارة قضية التفكير وإعمال العقل وإظهار قيمة الكتب والعلم والثقافة والمعرفة، أما محاربة التطرف؟! فلا أعتقد ذلك.
وإذا كانت توافرت للفيلم بعض عناصر الإبداع، فإن الأخطاء التي ارتكبها صُناعه لم تكن كافية ليظهر الفيلم بمستوى مقبول ويسلم من النقد اللاذع الذي تعرض له، خاصةً أن الممثلين الذين يقفون في الصفوف الأمامية لتوصيل رسالة الفيلم كانوا يتحدثون بلهجة غريبة، لم تكن أيضاً ملائمة لتلك الفترة، بل كانت ملائمة لفترة التسعينيات (فترة إنتاج الفيلم).
كما أن تمثيلهم لأدوارهم اتَّسم بالأداء "الشاهيني" الذي – في رأيي – أثبت فشله على مدار سنوات طويلة مع العديد من الممثلين، ولذا فليس من الغريب أن يسأل المُشاهد نفسه وهو يشاهد هذا الفيلم: "أين نور الشريف الذي قدم (ليلة ساخنة) و(العار) و(سواق الأتوبيس) وغيرها من الأفلام التي ظهرت فيها موهبته الكبيرة؟! أو أين ليلى علوي التي قدمت (خرج ولم يعد) و(يا دنيا يا غرامي) وغيرها من الأفلام التي جعلتها تصل إلى قلوب المشاهدين؟!
أعتقد أيضاً أن ما قلل من تقييمي للفيلم هو عدم اكتفاء يوسف شاهين بجعل الممثلين يؤدون أدوارهم بهذه الطريقة "المائعة" التي ظهرت في الفيلم، بل أيضاً لاستعانته بممثلين قليلي الموهبة والشهرة الفنية وقتها: مثل هاني سلامة وإنجي أباظة، ما أنتج عملاً فنياً يعتبره أنصاف وربما أرباع_الموهوبين والمثقفين في الوسط الفني إبداعاً عظيماً.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.