طبيب متفوق ومناضل شرس وأسطورة كروية.. عن النجم سقراط الذي يُقدسه البرازيليون!

عدد القراءات
890
عربي بوست
تم النشر: 2022/01/01 الساعة 09:48 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/01/24 الساعة 12:19 بتوقيت غرينتش
سقراط نجب المنتخب البرازيلي/ رويترز-أرشيفية 1982

استثنائي هو، مختلف في أزمنة المتشابهين، يعزف منفرداً وعلى ألحانه تُبنى أمجاد أندية، وبالألحان ذاتها تُداعب أهدافه شباك الخصوم تارةً، وبتمريرات تُرفع لها قبعات الخصوم قبل المحبين تارةً أخرى.

سُقراط ارتبط ذكره في سابقٍ قد ولّى بالفلسفة ومفكريها، وبالمعاني ذاتها ترجم سقراط البرازيل وفيلسوف كرتها أقوال الفلاسفة إلى جُمل كروية، خرّ أمامها خصوم على أرضية الملاعب، وناظرت أعين آخرين سحر ما يرسم الفيلسوف ليكون المشهد النهائي لوحة فنية رُسمت بأقدام الأخير، وتلألأت على جنباتها مهارات ابن بوابة الأمازون بيليم، أيقونة الشمال.

سقراطيس دي أوليفيرا، مَن اختلف عن رفاقه في تحصيله العلمي وشابههم في عشق كرة القدم، في 1954 أبصر الحكيمُ -كما أحب عاشقوه تسميته- النورَ، في بلاد تجمع من التناقضات الشيء الكثير، ليشق طريقه في مسيرة العلم التي تفوّق فيها، ليسير في خطين متوازيين بين نجاحات علمية وتميز كروي، والذي لامست فيه أقدامه أولى خطوات الاحتراف بسن 24 ربيعاً، وحينها ارتدى ألوان كورنثيانز، ليبدأ عزف ألحانه بسيمفونيات أطربت كل من شاهدها، واستمر صداها يروي حكايات الفيلسوف في زمن عجّت فيه السماء العالمية بالنجوم، وكان سقراط فيه يُضيء بدراً بين هذه النجوم.

الفيلسوف تألق في مونديال 1982، وحينها شكّل مع أيقونات السيلساو منتخباً يُمتع أعين الخصوم قبل المحبين، ورغم الخروج خالي الوفاض في هذه النسخة فإن سقراطيس ورفاقه كانوا من أفضل النسخ البرازيلية التي لامست أرضية المونديال العالمي، أو هكذا صُنف برازيل 82 بأعين من شاهدهم.

الدكتور، لاعب كرة القدم، الثائر.. مراحل حياة سقراط، بعد مشاركته في مونديال المكسيك 1986، التي كتب فيها آخر حروف مشاركاته المونديالية، ظل أحد الأساطير الذين لم تلامس أناملهم كأس العالم. استهوته بلاده، وعشق هواءها، فبمجرد ما ارتدى ألوان الفيولا في كالتشيو إيطاليا نزع ثوب الاحتراف خارج الحدود، وعاد إلى موطنه من بوابة فلامنغو.

أفكاره الثائرة وهوسه بالديمقراطية كانا شغله الشاغل، والثورة على الحكم العسكري، وبالرجوع إلى الأشخاص الذين تأثر بهم سقراط يتضح لنا أسباب سيره في هذه الدروب، والتي خطا فيها تشي جيفارا وكاسترو طريق كفاحهما، كفاح لامس قلب الفيلسوف قبل عقله.

فانضمّ لصفوف طبقة البروليتاريا، وناهض الأحكام المستبدة من طرف الحكومة آنذاك، كل ذلك ساعد برفقة شهرته في تمهيد الطريق إلى نسج خيوط أفكاره، وعلى الطريق ذاته كانت كلماته ذات صدى، ينتقل من مكانه ليبلغ آخر ردهات شوارع البرازيل.

رجل امتهن الطب أكاديمياً، وداعب كرة القدم كهاوٍ فجعلت منه معشوقَ قلوب المحبين، وبين هاتين المرحلتين كان الكفاح ونيران الثورة يشتعلان في قلب الفيلسوف، لتكون 2011 آخر الصفحات، والتي بها طُويت حياة سقراط كإنسان، ليترك وراءه إرثاً يناهز النجوم في إضاءتها، وذهباً لا يصدأ مع مرور السنين.

سقراطس يلقي خطابه أمام مليوني مواطن برازيليّ للتنديد بحكم العسكر لبلاده/ أرشيفية. social Media
سقراط يلقي خطابه أمام مليوني مواطن برازيليّ للتنديد بحكم العسكر لبلاده/ أرشيفية. social Media

رحل سقراط وترك تاريخاً عظيماً في الساحرة المستديرة، ونجاحات فردية دخل بها قلوب العاشقين قبل المحبين، هكذا نسج خيوط الإبداع، وعلى الخيوط ذاتها نقش التميز بلمسات تُمتع من يُشاهدها أياً كان، وواصل نثر سحره بإيمانه بقضية الكفاح، والوقوف بجانب الطبقة الكادحة ومَن ينامون على الإسفلت، محاولاً أن يُلامس شيئاً من معاناتهم، وكان صوتَهم إذا أرادوا الحديث، كلمات كُتبت في إنسان جمع من الثراء الشيء الكثير، كمٌّ عظيم من الاحترام يقابله القدر ذاته من التميز أكاديمياً ورياضياً، فاكتمل في جوانب عدة ليفرض نفسه نجماً قلّ نظيره.

ولأن الشيء من مأتاه لا يُستغرب، فالبرازيل الحاضنة لأبنائها، ومنبع النجوم، هكذا عُرفت، وهكذا صُنفت بين كبار كرة القدم، وبالحديث عن الكبار فليس بالأمر السهل أن تضيء في سماء تعج بالنجوم، بل وتتوهج لتترك أثراً يتحدث عن ذاته، واسماً إن ذُكر في حاضره ابتسمت له شفاه المحبين، ودقت قلوب آخرين تهليلاً لعلم مسبق، بما يملك الفيلسوف من إمكانيات تصنفه أحد أبرز من لامست أقدامهم كرة القدم ذات يوم.

سقراط فيلسوف الكرة البرازيلية/ رويترز – أرشيفية

سقراط كان جامعاً للتناقضات، وكاسباً لاحترام الآخرين بمجرد أن يُلامس اسمه مسامع غيره، ورغم عدم تتويجه بأغلى الألقاب العالمية رفقة السيلساو فإنه نجح في حجز مكانة في قلوب عاشقي المنتخب الأصفر خاصة، ومن يعشق كرة القدم في العالم أجمع، وفي داخلهم صوت يقول: يأتي عديد من اللاعبين، ولكن يظل سقراط فريداً واستثنائياً عن البقية.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

صالح الهمالي
صحفي رياضي وإعلامي ليبي
صحفي رياضي وإعلامي ليبي
تحميل المزيد