أكدت الهند أن روسيا بدأت تسليم نظام الدفاع الصاروخي بعيد المدى إس-400 أرض-جو، الأمر الذي أثار تهديدات أمريكية بفرض عقوبات. وقال وزير الخارجية الهندي هارش فاردان شرينغلا إن "الإمدادات بدأت وستستمر في الحدوث".
وكان شرينغلا يتحدث مع وسائل الإعلام بعد اجتماع بين رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي والرئيس الروسي فلاديمير بوتين في القمة السنوية الهندية الروسية في نيودلهي. وبرز نظام الدفاع الجوي الروسي S-400 كمصدر قلق خطير لصانعي السياسة في الولايات المتحدة.
وحتى حلفاء الولايات المتحدة يحرصون على شراء واكتساب هذه التكنولوجيا الحديثة، رغم اعتراضات واشنطن. وفي وقت سابق من عام 2019، تلقت تركيا منظومة إس-400، منحيةً المخاوف الأمريكية جانباً، كما حصلت الهند، الشريك الاستراتيجي المهم للولايات المتحدة، على صفقة بقيمة 5.4 مليار دولار للمنظومة في عام 2018، رغم معارضة الولايات المتحدة.
وكانت الإدارة الأمريكية واثقةً إلى حد كبير من أنها ستنجح في إقناع الهند بالتخلي عن الصفقة. وحذّرت إدارة ترامب الحكومة الهندية من أن شراء إس-400 قد يؤدي إلى فرض عقوبات بموجب "قانون مكافحة أعداء أمريكا من خلال العقوبات" (CAATSA). كما تم إبلاغ الحكومة الهندية بأن وجود إس-400 الروسية من المرجح أن يزيد من ضعف الأسلحة الأمريكية المتمركزة في الهند، ما قد يحد من مدى التعاون بين الولايات المتحدة والهند.
وقد تم تجاهل هذا التهديد إلى حد كبير، ومضت الهند قدماً في دفع سلفة قدرها 800 مليون دولار لروسيا مقابل هذا النظام، وهو ما يدل على رغبة الهند في الحفاظ على الحكم الذاتي الاستراتيجي، وترددها في تشكيل تحالف عسكري رسمي مع الولايات المتحدة.
وعندما تولّى الرئيس بايدن منصبه، في يناير/كانون الثاني 2021، بذلت الجهود مرة أخرى لإقناع الهند بالتخلي عن الصفقة. وناقش وزير الدفاع آنذاك لويد أوستن الثالث نظام الدفاع الجوي مع راجناث سينغ، خلال زيارته للهند، في مارس/آذار 2021. ومع ذلك لم تُظهر الهند أي استعداد لتغيير موقفها بشأن سياستها الخاصة بنظام S-400.
كما نوقشت القضية خلال الزيارة التي قامت بها نائبة وزير الخارجية الأمريكية ويندي شيرمان، في 6 أكتوبر/تشرين الأول 2021، التي استمرت ثلاثة أيام. وعلقت بأن القرار بشأن العقوبات المتعلقة بنظام إس-400 سيتخذه الرئيس الأمريكي ووزير الخارجية أنطوني بلينكين. وأضافت أن سياسة الولايات المتحدة تجاه أي دولة تستخدم إس-400 واضحة إلى حد كبير، وأن نظام الدفاع الجوي ليس في المصلحة الأمنية لأي شخص.
وتاريخياً، لطالما كانت تتألف أنظمة الدفاع الجوي الهندية إلى حد كبير من معدات روسية وتشغل القوات الجوية الهندية (IAF) في الغالب أنظمة روسية. فمن غير المرجح أن تتراجع الهند وتستجيب للمطالب الأمريكية بالتخلي عن صفقة S-400، وهو ما يتضح من التصريحات الأخيرة لاثنين من كبار المسؤولين الهنود.
ففي كلمة ألقاها أمام وسائل الإعلام الهندية بمناسبة الذكرى التاسعة والثمانين لتأسيس القوات الجوية الدولية، في 8 أكتوبر/تشرين الأول 2021، شدد رئيس سلاح الجو المارشال في آر تشوداري على ضرورة إدخال طائرة S-400 خلال نفس العام. وبالمثل بعد وقت قصير من تعليق ويندي شيرمان على إس-400، أدلى المتحدث باسم وزارة الخارجية الهندية ببيان يشير إلى أن الحكومة تجري مفاوضات مع الولايات المتحدة.
والموقف الهندي من هذه القضية يوحي بأنها ترى نفسها في موقف يمكنها من خلاله الحصول على تنازل من الإدارة الأمريكية، رغم تجاهل مخاوف الأخيرة. وإن فرض عقوبات على الهند سيؤدي إلى تآكل العلاقات الثنائية بين الهند والولايات المتحدة، في وقت تحتاج فيه واشنطن إلى نيودلهي في هدفها الأكبر المتمثل في احتواء الصين.
ويكتسي هذا الأمر أهمية خاصة، لأن الهند هي العضو الوحيد في تحالف "كواد" الذي يتقاسم حدوداً مع الصين، ولذلك فإن هذا الخيار ليس في المصلحة الأمريكية، مع الأخذ بعين الاعتبار الوضع الجيوسياسي الحالي.
ويتمتع الرئيس الأمريكي بصلاحية التنازل عن عقوبات قانون مكافحة الإرهاب الأمريكي (CAATSA)، إذا اعتبر ذلك ضرورياً للمصالح الاستراتيجية الأمريكية، ومع ذلك في فبراير/شباط 2021، أعلنت الولايات المتحدة صراحةً أن التنازل الشامل ليس احتمالاً للهند.
والأساس المنطقي وراء عدم تقديم تنازل شامل هو أن مثل هذا الإجراء يمكن أن يحفز الدول الأخرى على اختيار نفس الشيء، على أمل التنازل المحتمل، لأن دولاً مثل المملكة العربية السعودية وقطر أبدتا اهتماماً بالحصول على نظام الدفاع الجوي إس-400.
كما سيؤخذ هذا العامل في الاعتبار عند وضع العقوبات. ومن المحتمل أن تخضع الهند لعقوبات بموجب قانون مكافحة الإرهاب، لكن العقوبات ستكون رمزية إلى حد كبير مع آثار قليلة على المدى الطويل.
ومع ذلك، فإن السياسة الهندية للحكم الذاتي الاستراتيجي تثير أسئلة حول مدى الشراكة المتوخاة بين الهند والولايات المتحدة. وستصبح زيادة الاعتماد على المعدات الروسية واستخدامها مصدر قلق بسبب مشاكل التشغيل البيني تجاه الأنظمة العسكرية الأمريكية.
كما أن دور الهند كحليف استراتيجي فعّال ضد الصين مشكوك فيه، نظراً لقراراتها الاستراتيجية التي ستضر بالمصالح الأمريكية في المنطقة. وكشريك استراتيجي وضعت الهند القيادة الأمريكية في موقف صعب، من خلال شراء نظام S-400. وسيكون من المثير للاهتمام أن نرى كيف ستوضّح الولايات المتحدة العقوبات المفروضة ضد الهند بسبب عملية الشراء هذه.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.