لبنان منصة استعراض دولي.. الانتخابات ممر إلزامي لمرحلة جديدة

عربي بوست
تم النشر: 2021/12/24 الساعة 09:44 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/12/24 الساعة 09:44 بتوقيت غرينتش
رئيس البرلمان اللبناني نبيه بري مع الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتريتش/ رويترز

يدخل لبنان بدءاً من اليوم في عطلتي عيدي الميلاد ورأس السنة، حيث بات ثابتاً أن الحلول المطلوبة للأزمات العالقة انتقلت تلقائياً إلى السنة الجديدة، فلا مجلس وزراء سينعقد في الأيام القليلة المقبلة المتبقية من هذه السنة، وليس في الأفق ما يشير إلى حل قريب لأزمة التحقيق في انفجار مرفأ بيروت ومساعي حزب الله للإطاحة بالقاضي طارق البيطار وذلك بعد انهيار الصفقة التي عمل عليها الحزب لهذه الغاية.

وجاء سقوط الطعن بتعديلات قانون الانتخاب في المجلس الدستوري ليشنّج مواقف بعض الفرقاء ويدفعهم إلى ردود وردود مضادة، ما دفع الأمور نحو شكل صراعي جديد بين التيار الوطني الحر ورئيس الجمهورية ميشال عون من جهة، وبين الثنائي الشيعي من جهة أخرى.

والصفقة التي عمل عليها حزب الله لتقليل خسائر القوى السياسية جراء ملفات متشابكة سقطت لأسباب كثيرة، منها رفع باسيل سقف طموحاته لتصل لحد مطالبته بإقالة حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، ورفض الرئيس نجيب ميقاتي لها بعد اتصالات فرنسية وأمريكية تحذره من مغبة الولوج في صفقة كهذه إضافة إلى أن هناك من همس في أذن ساكن السرايا أن تلك الصفقة تعالج الأزمات الشيعية- المسيحية ولا تلحظ هواجس السنة في البلاد.

خطاب متشنّج وأوراق عون

لذا فإن كل الأوساط السياسية المطلعة تخشى استمرار الأزمة في ظل رفع مستوى الخطاب المتشنج بين القوى وتحديداً بين الرئاستين الأولى والثانية، والرئيس ميشال عون وفقاً لأوساطه يمتلك جملة نقاط تعزز موقفه في مواجهة الرئيس نبيه بري والرئيس نجيب ميقاتي، من خلال قدرته على الاستمرار في العزوف عن توقيع الموافقات الاستثنائية، وعرقلة عمل الحكومة المعطلة أصلاً والتي يديرها ميقاتي عبر لجان وزارية بات عون يشعر بخطر تجاهها، خاصة أن ميقاتي لا يشاركه القرارات، والتوقف عن إصدار المراسيم. وهذا رد فعل أولي على أداء نجيب ميقاتي، الذي انتقده باسيل بوضوح، واصفاً غضبه من برّي وخلافهما بالمسرحية.

ويمتلك عون أيضاً ورقة وهي رفضه التوقيع على فتح دورة استثنائية للبرلمان، وهذا يضغط على برّي، من بوابة تعطيل عمل مجلس النواب، ورفع الحصانة عن معاونه النائب علي حسن خليل. والأهم امتلاك عون وباسيل ورقة استقالة الوزراء المسيحيين من الحكومة. وهذا لن يحدث حالياً، قد يُلوحان بها أو يلجآن إليها مستقبلاً، حسبما تسير الأمور في شأن الانتخابات النيابية.  

بري وتخفيض التوتر مع باسيل

وفي المقابل، وفقاً للمحلل السياسي جوني منير، فإنّ الرئيس نبيه بري بات يدرك حجم الصفعة التي تلقّاها جبران باسيل، حيث طلب من وزراء ونواب حركة أمل عدم التعليق على كلام باسيل، وعلى ما حصل في المجلس الدستوري.

فرئيس المجلس النيابي يدرك أنّ ما كُتب قد كُتب، وأنّ الضربة قاسية، ولكنه يعرف أيضاً أن باسيل لا يستطيع الذهاب بعيداً، فهو بحاجة ماسة إلى دعم الفريق الشيعي له في الانتخابات المقبلة، حيث من المفترض أن يؤمّن له أكثر من 6 مقاعد، عدا المساعدة في دوائر أخرى.

أضف إلى ذلك، أنّ قسوة ما حصل لا يتمحور فقط في اقتراع عشرات آلاف المغتربين في الدوائر الانتخابية الـ15، حيث نسبة المسيحيين تتجاوز الـ60%، ونسبة الغاضبين منهم تتجاوز الـ80%، بل لأنّ وسائل الإعلام تضج بأخبار الصفقة وبنودها وأطرافها، وبأنّ المضمون يتعلق بالمقايضة بين أصوات المغتربين والقاضي طارق البيطار، في وقت تصرّ العواصم الكبرى على انتخابات أصبحت على مرمى حجر.

بين الحزب وباسيل وميقاتي

بالمقابل، يعتقد المتابعون أن هناك صفقة فعلاً ربما تكون قيد التحضير في هذه المرحلة، وعلى الأرجح، لا يمكن إبرام الصفقة إلا عندما يقول حزب الله كلمته فيها. وهو لن يتسرّع في التخلّي عن عون وفريقه السياسي باكراً، خصوصاً أن أمامه في السلطة قرابة العام.

وبالتأكيد، فإن حزب الله يجهّز الخطط الكاملة لمواجهة المرحلة المقبلة، وفيها يضع كل طرفٍ في المكان الذي يليق به، وبالنسبة للحزب، هذه مرحلة انتظار لما ستسفر عنه المفاوضات الإيرانية-الأمريكية حول الملف النووي ونفوذ طهران الإقليمي في الشرق الأوسط، وهو يفضّل عدم الحسم في شيء داخلياً حتى تتبلور النتائج خارجياً، بما في ذلك ملفات الانتخابات النيابية والرئاسية ورئاسة الحكومة.

الانتخابات ممر إلزامي لواشنطن

على ضفة رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، الرجل يعتقد أن مهمة أساسية بإمكانه تحقيقها لكسب التلاقي الأمريكي الفرنسي حوله، أي إجراء الانتخابات النيابية في موعدها، يصارح ميقاتي فريقه المحيط به بأن الانتخابات النيابية هي المطلب الوحيد والذي يسمعه من الضيوف الأوروبيين والعرب ومعهم الأمريكيون، ومؤخراً الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش الذي شدد على ضرورة إجراء انتخابات حرّة ونزيهة.

كذلك يختزل كل مداولات السفراء الأجانب مع المسؤولين اللبنانيين، وفي مقدّمهم السفيرة الأمريكية دوروثي شيا التي تعتقد أنّ الاستحقاق النيابي هو شرط إصلاحي لا يمكن تجاوزه، وهو معبر إلزامي لمواكبة الضغوط الدولية على لبنان وعلى حزب الله وحلفائه من باب السعي إلى تغيير جذري في الأكثرية النيابية.

السنّية المنكوبة

الأغلبية النيابية، يسعى المجتمع الغربي إلى تغيير شكلها ومضمونها؛ لذا فإن الحزب إياه يسعى بكل ما أوتي من قوة للحفاظ على أكثريته من خلال تثبيت حليفه المسيحي أي التيار الوطني الحر في المشهد والسعي لترتيب تحالف سياسي انتخابي بعد تراجع التيار في المشهد السياسي.

سُنياً، بات لزاماً إعادة النظر بواقع "طائفة" منكوبة ومستضعفة في ظل استعصاء وليد جنبلاط ونبيه بري بإقناع سعد الحريري بالعودة إلى المشهد السياسي وهو وفقاً للمطلعين بات في "ثلاجة سياسية" باتفاق سعودي-إماراتي والإفراج عن عودته للساحة السياسية اللبنانية هو في النهاية قرار سعودي مرتبط بشكل العلاقة السعودية مع الإدارة الأمريكية والتي تدير ظهرها للحليف السعودي؛ لذا فإن السعوديين يرتبون عودتهم للمشهد اللبناني عقب انتهاء دراسة معمقة تجرى على حضورهم في الشرق الأوسط.

والرئيس نجيب ميقاتي والذي سمع من الأمير محمد بن سلمان خلال اتصال الدقائق المعدودة المرتب فرنسياً أنه مرشح ليكون رجل السعودية في لبنان في حال ثبت أقدامه في الساحة ونفذ ما هو مطلوب "إصلاحات" وانتخابات؛ لذا فالرجل الذي كان يقول لكل السفراء الذين يلتقيهم منذ تكليفه تشكيل الحكومة اللبنانية وحتى لحظة اتصاله ببن سلمان أنه غير عازم على الترشح، بات اليوم يقول كلاماً مختلفاً، بل إنه صارح بعض مجالِسيه بنيّتِه دعم لوائح "سنية" في كل لبنان وسيترشح في طرابلس من جديد.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

صهيب جوهر
صحفي لبناني
صحفي لبناني ومراسل عربي بوست في لبنان
تحميل المزيد