أطاحت بمدير المخابرات والرئيس يتابع قضيتها بنفسه.. مَن هي العميلة إكرام تهليل فارح “المختفية”؟

عربي بوست
تم النشر: 2021/11/30 الساعة 14:47 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/11/30 الساعة 14:57 بتوقيت غرينتش
إكرام تهليل - وسائل التواصل الاجتماعي

قضية اختفاء ضابطة الاستخبارات إكرام تهليل فارح قضية مثيرة للجدل، الشابة التي لم تتخطّ الخامسة والعشرين من عمرها تقوم قضية اختفائها بالإطاحة بمدير المخابرات الصومالية، وتثير أزمة سياسية داخل الصومال، ويقوم رئيس الدولة بنفسه بالتدخل، لتحدث ضجة كبيرة في البلد على إثر ذلك، رغم أن ذلك يبدو فيلماً من إنتاج هوليوود، فإنها الحقيقة، فمن هي إكرام تهليل فارح؟ وما هي قصتها؟ وما سبب إطاحة مدير المخابرات؟ ولماذا كل هذا الغموض حول قضية اختفائها؟ وما الذي يحدث خلف الكواليس؟ ومن وراء إعلان وفاتها؟

من هي إكرام تهليل فارح؟

بداية إكرام تهليل فارح من مواليد عام 1996، وُلدت إكرام وترعرعت في مدينة "مانديرا" في كينيا؛ حيث أنهت دراستها الأساسية، ثم انتقلت مع عائلتها إلى العاصمة نيروبي، حيث بدأت دراستها في المرحلة الثانوية في إحدى المدارس الخاصة الجيدة جداً، مدرسة "أغاخان" الثانوية.

التحقت إكرام بعد ذلك بفرع جامعة الولايات المتحدة العالمية في نيروبي وتخصصت في دراسة العلاقات الدولية، فور انتهائها من تعليمها الجامعي حصلت إكرام على وظيفة في أحد البنوك في كينيا، وعملت في مجال الإدارة والمالية.
مكثت إكرام في كينيا معظم حياتها، وعلى ما يبدو أن حالتها الاقتصادية كانت جيدة جداً، فحصلت على تعليم ممتاز، وكذلك على وظيفة جيدة، ومع ذلك تقرر العودة إلى موطنها الأم (الصومال) لتستقر فيه وتبحث عن عمل رغم جميع البروباجندا والأخبار والتحذيرات المنتشرة عن أحوال الصومال في الخارج، والتي يرفض العديد من الأفراد خوفاً على حياتهم من القدوم والاستقرار في البلاد.
اتخذت إكرام هذا القرار الجريء، لتعود للصومال وتبدأ في بداية عام 2017 أول عمل لها في وكالة المخابرات والأمن الوطنية لتكون مساعدة وسكرتيرة لمدير المخابرات والأمن القومي في ذلك الوقت السيد عبد الله محمد علي المعروف بسن بالوشي، ثم بعد ذلك في أكتوبر/تشرين الأول من نفس العام يجري تعيينها مديرة في قسم حقوق الإنسان وشؤون المرأة في الوكالة، وكان من مهامها، بالإضافة لتنسيق والعمل مع هيئات حقوق الإنسان والمعنية بشؤون المرأة التحقق من فعالية هيئات الأمن في بلاد، فكانت على تواصل مع السفارة البريطانية وهيئة "أميصوم".

في أبريل/نيسان عام 2018 تنتهي مهامها في تلك الوظيفة لتبدأ عملاً جديداً في أكتوبر/تشرين الأول من عام 2018 في مكتب محافظ إقليم بنادر وعمدة مقديشو عبد الرحمن عمر عثمان الملقب بيريسو الذي اُغتيل على يد حركة "الشباب" في 25 من يوليو/تموز 2019 ليتوفى في أحد مستشفيات دولة قطر في بداية أغسطس/آب من نفس العام، إكرام كانت محظوظة وكُتبت لها الحياة، رغم هذه المخاطرة الكبيرة، فإنها لا تقرر العودة إلى كينيا، ولكنها تترك العمل في مكتب العمدة الراحل وتقرر العودة مرة أخرى للعمل في وكالة المخابرات لترأس قسم الأمن السيبراني.

وبعدها بفترة وجيزة تقرر متابعة دراستها، وتستفيد من فرص الدراسة الخارجية التي توفرها الوكالة لموظفيها، لتحصل في نفس سنة 2019 على فرصة للالتحاق بجامعة نوتنغهام في بريطانيا وتبدأ دراسة ماجستير في حقوق الإنسان.

ثم بعد الانتهاء من دراسة الماجستير، تلتحق إكرام بدراسة مسار ودورة في العلاقات الدولية لمدة سنة في كلية كينجز لندن، ولكن مع تفشي وباء كورونا وتعميم فرض حجر الصحي في البلاد، تقرر إكرام العودة إلى الصومال، وكان المقرر تخرجها في أغسطس/آب في العام الجاري.

اختفاء إكرام والإطاحة بمدير المخابرات والأزمة السياسية في الصومال

في يوليو/تموز عام 2021 تظهر قصة اختفاء إكرام للعلن بعد استنجاد والدتها بالحكومة للبحث عن ابنتها المفقودة منذ تاريخ 26 يونيو/حزيران 2021 لتختفي وتنقطع جميع وسائل التواصل مع عائلتها القلقة على حالة ابنتهم، وتتهم المخابرات الصومالية في قضية اختفاء إكرام، وبالأخص مدير المخابرات فهد ياسين، ليتساءل الجميع من هي إكرام؟ كيف يجري اختطاف ضابطة مخابرات من قبل المخابرات نفسها؟ من أمر باختطافها؟ وهل اختطافها من قبل زملائها في العمل؟ وإذا كانت إكرام مذنبة فلماذا لم يجرِ اعتقالها حسب القانون؟ هل يمكن أن يكون اختطافها من قبل مجهولين؟ لا أحد يعلم حقيقة الأمر وما الذي يحدث داخل الوكالة وخلف كواليسها؟

ولكن بعد اتهام والدتها لمدير المخابرات واستنجادها بالحكومة لإيجاد ابنتها المختفية والضائعة، يستجيب رئيس الوزراء محمد حسين روبلي لندائها ويمهل الوكالة ومديرها 48 ساعة للإدلاء بأقواله وتقديم تقرير شفاف حول قضية اختفاء إكرام، وطالب مدير المخابرات رئيس الوزراء بعقد اجتماع لمجلس الأمن الوطني لتقديم تصريحه الحساس حول القضية، وكان ذلك في الخامس من سبتمبر/أيلول 2021، لم يعطِ رئيس الوزراء فرصة لمدير المخابرات في ظل الضجة الشعبية التي أحدثتها قصة إكرام وخوفاً من أخذ قصة اختفائها منحى آخر بين المجتمع القبلي بطبعه، وقام بفجر يوم السادس من سبتمبر/أيلول، بإيقافه عن العمل وتعيين الجنرال بشير محمد رئيساً مؤقتاً لوكالة المخابرات وكلف في مرسومه النائب العام لمحكمة القوات المسلحة بإجراء تحقيق رسمي وشامل حول القضية دون رجوع لرئيس البلاد المنتهية صلاحيته محمد عبد الله محمد الملقب بـ"فرماجو"، الذي قام بدوره بإيقاف قرار رئيس الوزراء وتعليق مهامه بما يتنافى مع الدستور، وفي وقت يجري به استعداد البلاد لإجراء انتخابات الرئاسة لعام 2022، تتحول قضية اختفاء ضابطة المخابرات لأزمة سياسية في البلاد وتحدث خلافاً كبيراً بين رئيس الدولة ورئيس وزرائه، وفي خوض تلك الأحداث كلها، والإطاحة بمدير المخابرات يقوم الرئيس محمد عبد الله فرماجو في وقت حرج بتعيين مدير المخابرات مستشاراً للأمن القومي في ظل مطالبة جميع الأطراف بإجراء تحقيق ذي مصداقية لمعرفة ملابسات هذه القضية.

التلاعب السياسي والتدخل الأجنبي في الحكومة الصومالية

منصب إكرام وعملها في وكالة المخابرات كان يتيح لها سلطة الوصول إلى كثير من المعلومات الحساسة التي تخص الأمن القومي للبلاد، ومن المعلومات المهمة التي كانت بحوزتها وتسمح لها سلطتها بالاطلاع عليها، احتفاظها بسجل القوات الصومالية المتدربة في إريتريا وما يشاع من مشاركتهم في الحرب الإثيوبية، هو أحد أهم الأسباب الرئيسة التي قد تؤدي لتصفيتها، بالإضافة إلى ما في حوزتها من معلومات حول التفجير الذي استهدف مقر بلدية مقديشو، وأسفر عن مقتل مسؤولين كبار في إدارة إقليم بنادر، كون إكرام تهليل ضابطة رفيعة في المخابرات لا بد أنها متدربة بشكل احترافي، ولا أشك في وطنية هذه الضابطة التي يعتبرها جميع الشعب الصومالي مثالاً يحتذى به، وخصوصاً فئة الشبان والشابات الذين لهم أمل كبير في تنمية وتطوير والسعي من أجل الصومال والحفاظ على أمنه، ولكن للأسف مع إعلان بعض الصحف، واعتبار إكرام عميلة مزدوجة بغض النظر عن مصداقية هذه الأخبار، لا يخفى على أحد مدى تأثير التدخلات الأجنبية في البلاد وآثاره السلبية، خصوصاً من الناحية السياسية، ويعتبر الكثير من المسؤولين هذه القضية سياسية، حتى إنه في بدايات سبتمبر/أيلول، أعلن الجهاز الأمني مقتل إكرام على أيدي حركة الشباب، لتقوم حركة الشباب بدورها بتبرئة نفسها، ونفي ما نُسب إليها من تهم وعلاقتها بمقتل الضابطة، لتؤدي هذه التصريحات لضجة شعبية مرة أخرى، وتثير شكوكاً حول مصداقية الجهاز الأمني والمخابرات.

الشعب لا يعلم الحقيقة المطلقة، ولكن الجميع يعلم بحقيقة واحدة وهي اختفاء إكرام تهليل، التي قد تكون ميتة أو قد تكون حياتها على المحك!

في حين جرى إنهاء الأزمة السياسية في البلاد وتصالح الأفراد المتخاصمين وعادت المياه إلى مجاريها واستعدت البلاد لإجراء انتخابات، ما زال ذوو الضحية وأهلها والمجتمع بأكمله غير مقتنع بالتصريحات المعلنة، ومع تعيين وتكليف الحكومة جهات المعينة بالبحث أكثر حول القضية.

ويؤمن الشعب الصومالي بأنه يستحق ويدرك ضرورة معرفته الحقيقة وإظهار الجهات الأمنية على الأقل بعض الحقائق عن القضية، ويتداول الكثير من أبناء المجتمع أنه لا أحد يريد أن يفقد الأمل في الحكومة التي اتخذت من العدالة اسماً لحزبها وتترشح للرئاسة مرة أخرى ولا بد أن تتحقق العدالة لإكرام تهليل.

الخاتمة

قضية إكرام تهليل فارح يشوبها الكثير من الغموض، وهي بمثابة أحجية حيرت وأربكت الجميع، وسلطت الضوء على كثير من المسائل الحساسة التي يراد أخذها بعين الاعتبار لمدى تأثير وتداعيات هذه القضية على الحكومة الحالية، رغم ثقتنا وإيماننا بحكومتنا الرشيدة، فإنها كادت أن تفقد مصداقية الشعب بغض النظر عن الجهة المسؤولة؛ لذلك يجب على الشعب التريث انتظار لما ستؤول إليه آخر التحقيقات، وعلى الشعب ألا يسعى أن تأخذ قضية ضابطة الاستخبارات منحى يؤدي إلى إحداث فجوات وتقسيمات بينه، ويطالب ويسعى فقط للعدالة التي تستحقها إكرام وعائلتها والشعب جميعًا.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

ليلى جامع
كاتبة وباحثة صومالية
كاتبة وباحثة صومالية
تحميل المزيد