طهران وطالبان

عربي بوست
تم النشر: 2021/08/21 الساعة 13:49 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/08/21 الساعة 14:22 بتوقيت غرينتش
وزير الخارجية الإيراني السابق جواد ظريف مع وفد طالبان في طهران/رويترز

الجمهورية الإسلامية الأفغانية سقطت، فجاورت طالبان من جدید الجمهورية الإسلامية الإيرانية بعد عشرين عاماً من الهجوم الأمريکي ظناً منها أن تغییر النظام المتمثل بطالبان سیجعل من کابول عاصمة دیمقراطیة.

تناقضات تعیشها طهران عند سیطرة طالبان علی سدة الحکم، حالة من الحذر والاطمئنان، والقلق والهدوء، والتوتر والسکون بعد انسحاب سریع للولایات المتحدة وتخاذل النظام الأفغاني بعد فساد تفشی في البلاد؛ حیث مهد الطریق بقبول شعبي للحرکة. وجدت طهران نفسها مرغمة علی فتح صفحة جدیدة بعدما قررت واشنطن التفاوض مع طالبان في عهد الرئیس ترامب. تراقب إيران الأحداث دون موقف حاسم لترسم المستقبل بکل تحدیاته وتفاهماته ومخاطره وإثارته. 

کل ما يجوز في إعراب العلاقة حتی الآن بين طهران وطالبان أن الأخیرة عادت "جارة" لا عدواً ولا صدیقاً؛ حیث تحظی بقبول ورفض شعبي في الداخل الإيراني وهذا بحد ذاته یشکل تحدیاً عند فتح صفحة جدیدة مع أفغانستان التي تتقاسم معها نحو 950 کيلومترا حدوداً مشترکة. 

الموقف الشعبي بين الشريعة والديمقراطية

الحرکة وماضیها مرفوضة شعبية في الداخل الإيراني وعدم القبول ذلك ینقسم إلى شقین؛ الأول هو البعد الطائفي، فطالبان طائفة سنية متشددة لم یقبل بها الشیعة کما علت أصواتهم قبل سیطرة الحرکة علی أفغانستان، والرفض هذا یأتي من منطلق عقائدي.

أما البعد الثاني فهي طبقة نخبوية منفتحة ترفض طالبان دیمقراطیاً؛ حیث تری بطالبان توحشاً ورجعية وعملیات اغتیال وعدم مراعاة لحقوق الإنسان خاصة المرأة وحریة التعبیر، وقد أشعلت هذه الفئة منصات التواصل برفضهم القاطع لما یجري في جارتهم الشرقية. ومما زاد الکره لطالبان وجود الحس القومي المتعصب لدی فئة لا بأس بها من الإیرانيين؛ حیث لم ینسوا أن أفغانستان کانت یوماً ما جزءاً من الإمبراطوریة الإيرانية القديمة؛ فلا یریدون لها ما تریده الحرکة.

لربما من یتفق مع طالبان شعبیاً ویسنادهم معنویاً في الداخل الإیراني هم بعض من السنة البلوش علی الحدود مع باکستان وأفغانستان؛ حیث یتقاسمون معاً جزءاً من الفکر والعقیدة والهوية.

طالبان الناعمة الخشنة

تتفهم طهران أن طالبان اليوم أتقنت اللعبة فباتت تجلس على طاولة الحوار وتعقد مؤتمرات صحفية وتقبل بالانفتاح الثقافي ولو جزئیاً. طالبان الیوم بعیون إیران مهذبة سیاسیاً وإعلامیاً واجتماعیاً وناضجة أکثر من قبل ولا سلام في أفغانستان دونهم. وقد تنافس إيران اليوم دولاً إقلیمیة ودولية بشدة لملء حالة الفراغ في أفغانستان من خلال معرفتها بالداخل الأفغاني تکونت من مبدأ التاريخ والثقافة واللغة المشترکة بين الشعبين. 

طالبان تغازل الدنیا من أجل الحکم، وطهران بانتظار الأفعال للأقوال ولا یمثل وصول طالبان لسدة الحکم خسارة فادحة لإیران کما أنه لیس أمراً سهلاً لها؛ وهذا ما يجعلها في مساحة الرصد والتتبع والمعرفة حتی بناء علاقات تحکمها المصالح وحسن الجوار، بینما هي قلقة من الهجرات غير الشرعية والاتجار بالبشر وتهریب المخدرات وتصدير الفکر الجهادي للداخل الإيراني نتیجة لمخططات الحرکة من تکوین إمارة إسلامیة صعبة الأطوار والتعامل.

الخطوط المفتوحة مع طالبان ومعارضيها

معظم اللاجئين الأفغان في العالم یعیشون في إیران تصل أعدادهم نحو 3 ملایین نسمة وهم في تضاد مباشر مع طالبان طیلة العقدین الماضيين، کما باتت تستقبل طهران لاجئين جدداً وفق سماح سلطتها القضائية وقد ينحصر اللجوء علی الفنانين والریاضيين والمثقفين ورجال الأعمال والسیاسين وغیرهم من الطبقة النخبوية فحسب، وهذا بمعنی توفیر المأوی لمعارضي الحکم في أفغانستان اليوم کما کانت سابقاً تؤوي قادة طالبان في ظل وجود الأمریکان والنظام السیاسي السابق ويعني ذلك أن إیران تؤدي دوراً في أفغانستان أکبر من الآخرین وأنها تتفهم الداخل الأفغاني وتتعامل مع کل مکوناته وأطیافه.

وجود مجموعة مسلحة أفغانية شیعیة علی الأراضي الإیرانية تعمل وفق تنسیق مع الحرس الثوري حیث لواء فاطمیون الذي أسس لمحاربة داعش في سوريا، ورقة أخری تریدها طهران أن تلعب دوراً في المشهد الأفغاني القادم. إذاً التعامل الإیراني مع طالبان ومعارضیها معاً یأتي لتمیکنها من علاقات تضمن مصالحها وتعمق دورها علی أراضي جارتها وتملأ الفراغ الناجم عن الانسحاب الأمریکي. 

المهندس الإیراني لأفغانستان ما بعد الأمریکان

مما یسهل کل العقبات والتحدیات للنظام الإيراني أمام طالبان ویجعل طهران مطمئنة وهادئة أمام التحولات الطارئة هو انسحاب الأمریکان من أفغانستان، مصالح براغماتية تتقاسمها إیران وطالبان رغم العداوة التاریخیة بینهما. 

فلیس ببعید أن یظهر المرشد الأعلی آیة الله علي خامنئي في القریب معلناً عن تحقیق ثأر مقتل الجنرال قاسم سليماني الذي حدده عند اغتیاله عام 2020 بخروج الأمریکان من الشرق الأوسط نهائیاً. فهو یری نفسه قریباً من تحقیق الثأر.

إیران المطوقة من عام 2003 شرقاً وغرباً تری نفسها مستعدة لدور بارز في أفغانستان مهندسه قائد فیلق القدس للحرس الثوري إسماعيل قاآني، الرجل الذي یعرف أفغانستان وکأنه ترعرع في دهالیز سیاستها وهو یتمتع بتواصل وعلاقات مع القومیات والمکونات الأفغانية.لطالما اتفقت أروقة السیاسة الغربية وإعلامها أن إسماعیل قاآني لا يحمل کاریزما سلفه قاسم سلیماني وليس قادراً علی تنظیم المجموعات الموالية لإیران في الدول العربية، کما فعل الجنرال السابق. ولکن من المترقب أن یبرز قاآني في ملف أفغانستان حنکته لیظهر بحجم سلیماني.

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

أمير جابر
كاتب وصحفي من طهران
كاتب وصحفي من طهران
تحميل المزيد