كورونا في الجزائر.. بين مسؤولية السلطة ولا مبالاة المواطن!

عربي بوست
تم النشر: 2021/07/25 الساعة 21:51 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/07/25 الساعة 21:53 بتوقيت غرينتش
العلم الجزائري / رويترز

في وقت يحصد وباء كورونا مئات المواطنين في الجزائر بفعل السلالة الهندية المتحورة، في ظل قلة وسائل العلاج وانعدام الوعي، يغرق الكثير منا في تحميل مسؤولية تدهور الوضع الصحي للسلطة بمفردها أو المواطن وحده، عوض تحمل مسؤولياتنا كلنا، والتركيز على سبل الوقاية والعلاج، والإجراءات الواجب اتخاذها لمواجهة أخطر موجة كورونا تضرب الجزائر منذ بداية ظهور الوباء على مدى سنة ونصف السنة انشغل فيها البعض بتبادل التهم والتنصل من المسؤولية، بينما راح البعض الآخر يبرر ويتحجج ويهول وينشر اليأس في النفوس، في وقت يتعامل العالم المتحضر مع عشرات الآلاف من الإصابات ومئات الموتى يومياً بكل مسؤولية، بعيداً عن الشعبوية والديماغوجية والكذب على أنفسنا، خاصة لما نقول بأن وباء كورونا كذبة وبدعة، أو نتباهى بأننا نملك أحسن منظومة صحية في إفريقيا.

مع الوقت اتضح للجميع أن الوباء حقيقة مرة يقتل فعلاً، لا يرحم صغيراً ولا كبيراً، ولا مريضاً ولا سليماً، واتضح أن منظومتنا الصحية تعيسة تقتل أيضاً رغم ادعاءات السلطة بأنها تتحكم في الوضع وتتوفر على وسائل العلاج الكافية لمواجهة خطر الموت الذي حصد العشرات، بل المئات خلال الأيام الأخيرة خاصة في سطيف وتلمسان والشلف وتيزي وزو والجزائر العاصمة، ومدن وقرى أخرى لا تتوفر فيها أدنى وسائل العلاج ومستشفيات نفدت فيها مادة الأوكسجين، بالموازاة مع الرتم البطيء لوتيرة عمليات التطعيم التي لا تزال نسبتها ضئيلة جداً مقارنة بدول أخرى لا تتوفر على نفس الإمكانيات المادية والبشرية للجزائر، لكنها تمكنت من مواجهة الوباء من خلال التزامها وإلزام مواطنيها بكل الإجراءات الوقائية الضرورية من حجر صحي وتباعد اجتماعي وردع لكل من يتهاون أو يتسبب بجهله وممارساته في الإضرار بنفسه وغيره.   

لا أحد ينكر مسؤولية السلطة وهشاشة منظومتنا الصحية، لكن لا أحد ينكر أيضاً مسؤولية المواطنين وعدم التزامهم بالإجراءات  الوقائية وتدابير الحجر الصحي الذي فُرض مرات عديدة في الكثير من ولايات الوطن دون أن يلتزم به المواطن الذي يعيش ظروفاً اجتماعية واقتصادية ومعنوية صعبة بسبب تداعيات تفشي الوباء، ووجد نفسه في وضع أخطر وأصعب يهدد حياته بسبب تراخيه وقلة وعيه وتهربه من مسؤولياته الفردية في مواجهة الخطر، خاصة بعدما تبين أن إجراءات الفتح الجزئي لعودة المغتربين لم تكن سبباً مباشراً في ارتفاع أعداد المصابين؛ حيث لم تسجل السلطات سوى حالة إصابة واحدة في أوساط عشرة آلاف من العائدين الأوائل إلى بلدهم، وتبين أن الكوفيد بمختلف أنواعه تفشى بشكل كبير بسبب اللامبالاة والجهل ونقص وسائل العلاج الأساسية، وعدم وجود استراتيجية وطنية ناجعة لمواجهة الوباء.

بعيداً عن المسؤولية السياسية والاجتماعية للدولة، والمسؤولية المدنية والأخلاقية للفرد والأسرة والمسجد والمدرسة والمشرفين على قطاع الصحة، ومسؤولية وسائل الإعلام العمومية والخاصة، وبعيداً عن تبادل التهم بين السلطة والمواطن، فإن الوباء حاضر يتنامى ويتفشى بشكل كبير في الجزائر، يتطلب تضافر جهود كل السلطات والمواطنين سوياً لمواجهة الخطر، حتى ولو اقتضى الأمر إعلان حالة الطوارئ القصوى واتخاذ إجراءات استثنائية قد تكون قاسية على الدولة والمواطن على حد سواء، تجمع بين التوعية والردع واستنفار كل طاقاتنا المدنية والعسكرية والمادية والبشرية لتجاوز محنة ومواجهة وباء قد يعيش معنا ونعيش معه لسنوات أخرى وربما الى الأبد، يحرمنا من طقوسنا المعتادة، ويمنعنا من ممارسة حياتنا الطبيعية التي لم تعد حياة ونحن نسمع ونقرأ أخبار الموت كل صباح ومساء.

الموت حق، لكن الوباء ليس قدراً محتوماً حتى ولو سلمنا باستمراره، والتحسيس بالخطر لا يعني التهويل وتخويف الناس، بل توعيتهم وتحذيرهم ومرافقتهم باستمرار لمواجهة جائحة صارت أكثر فتكاً من ذي قبل تقتضي حجراً صحياً شاملاً في كل الجزائر لعدة أسابيع وليس مجرد غلق مؤقت للشواطئ والفضاءات العامة، تحتاج إلى زيادة وتيرة التطعيم حتى ولو كلفنا ذلك تخصيص مبلغ مليار دولار لاقتناء اللقاح، وتقتضي بالموازاة مع ذلك اتخاذ إجراءات ردعية تجاه كل متهاون ومتسبب في قتل الأرواح بطريقة مباشرة وغير مباشرة، وتتطلب من الجميع التحلي بروح المسؤولية مثلما يحدث في العديد من دول العالم التي تتعايش مع الوباء اللعين وتقوم بواجباتها تجاه مواطنيها، مثلما يقوم مواطنوها بواجباتهم الفردية والجماعية تجاه بعضهم ووطنهم.

لا يهم ولا ينفع في هذه الظروف معرفة من المسؤول عن الوضع الكارثي الذي نعيشه، لأن الضحية واحد، لكن من المهم معرفة ما يجب القيام به سوياً، والاقتناع بأن الخطر يتزايد كلما تأخرنا في عمليات التلقيح وتوفير الأوكسجين ووسائل الإسعاف والعلاج الضرورية، وكلما ابتعدنا عن الالتزام بإجراءات الوقاية من حجر وحظر  وتباعد اجتماعي واستعمال الكمامات الطبية، ويقوم كل واحد منا بتحمل مسؤولياته الأخلاقية بالدرجة الأولى؛ لأن مشكلتنا الأخلاقية صارت أم الأزمات في مجتمعاتنا قبل الأزمات السياسية والاقتصادية والصحية والتربوية، وبدون وعي والتزام لا يمكن مواجهة المحن حتى ولو كان لدينا مال قارون وجيش فرعون..

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

حفيظ دراجي
المُعلق الرياضي الجزائري
إعلامي شهير، ومُعلق رياضي جزائري.
تحميل المزيد