أعلن 12 نادياً من أغنى أندية كرة القدم وأكثرها شهرة في العالم يوم الأحد أنها شكّلت مسابقة أندية أوروبية منفصلة تحت مسمى "Super League"، البطولة التي إن تغلبت على محاولات وأدها في مهدها وتكللت بالنجاح، ستقلب اقتصاديات كرة القدم وشكل العلاقات التي تربط كيانات وأطراف صناعة كرة القدم العالمية ببعضها البعض منذ ما يقرب من قرن.
لن تصبح الكلمة العليا للاتحادات القارية والدولية إن أقيم "دوري السوبر"، بل ستصبح الأندية وتحديداً الكبرى منها هي صاحبة الكلمة العليا. لن تنتظر الأندية الكبرى "الاتحاد الأوروبي لكرة القدم" ليرسل لها الجوائز المالية بل ستجنيها هي مباشرة. ولن تتقاسم العوائد مع صغار الأندية، ولن يكون للفيفا وبطولاته قيمة تذكر أمام أضواء "دوري السوبر".
نحن هنا بصدد انقلاب في عالم كرة القدم. ولأن الانقلابات مُعدِية، فربما يتكرر الأمر في قارات أخرى، إذ هناك مقترح إفريقي مماثل بالفعل.
قادة الانقلاب
بعد شهور من المحادثات السرية، قرر زعماء الانقلاب (ريال مدريد وبرشلونة وأتلتيكو مدريد من إسبانيا، ومانشستر يونايتد وليفربول ومانشستر سيتي وتوتنهام وتشيلسي وأرسنال من إنجلترا، ويوفنتوس وميلان وإنتر ميلان من إيطاليا) إخراج مخططهم للإطاحة بالـ"يويفا" وبطولتها الكبرى، دوري أبطال أوروبا، للعلن. حيث ستجرى مباريات "دوري السوبر" في منتصف الأسبوع -وهي نفس مواعيد مباريات دوري أبطال أوروبا- على أن يبدأ اللعب "في أقرب وقت ممكن". وربما الموسم القادم إن تم التوصل لاتفاق أو الموسم بعد القادم على أقصى تقدير كما صرّح قائد الانقلاب الكروي، فلورنتينو بيريز.
فلورنتينو بيريز، رئيس ريال مدريد وأحد العقول المدبرة للانقلاب، والذي اختير أول رئيس لهيئة "دوري السوبر"، قال في تصريح يكشف نواياه وشركاه: "سنساعد كرة القدم على كل المستويات ونأخذها إلى مكانها الصحيح في العالم". أي أن المنقلبين لا يرون أن اليويفا والفيفا يسيرون بصناعة كرة القدم في الطريق الصحيح وأنه لا بد أن يظهر من يتدخل ويصحح المسار.
دوري السوبر الذي وافقت الأندية المذكورة على تشكيله سيعيد هيكلة كرة القدم اقتصادياً، يقفز بها إلى عالم "البزنس" أكثر، حيث كرة القدم الحالية ما زالت بدائية في سوق الصناعة، أرباح سلسلة بيع بالتجزئة في بريطانيا أكبر من أرباح نادٍ عريق مثل مانشستر يونايتد. ودوري السوبر هو طوق نجاة نخبة كرة القدم الأوروبية التي تعاني الأمرّين منذ تداعيات فيروس كورونا الاقتصادية، ريال مدريد مديون بمبالغ تقارب المليار دولار وبرشلونة غارق في أكثر من 1.2 مليار دولار من الديون.
كما أن الأندية المخططة للانقلاب تتذمر، ومنذ زمن بعيد، من سياسات الاتحاد الأوروبي التي تفرض عليها تقاسم العوائد مع الفرق الصغيرة المشاركة في بطولة دوري أبطال أوروبا. والبطولة الجديدة كما يتوقع لها، بمثابة أكبر وأسرع عملية إثراء لأندية رياضية في التاريخ الحديث. كما يدعي فلورنتينو بيريز أيضاً، أنها إنقاذ لكرة القدم ككل، اللعبة التي يهجرها الشبان والمراهقون نحو ألعاب الفيديو في العصر الحديث.
في نظام دوري أبطال أوروبا المالي الحالي يتم تحويل عشرات الملايين من الدولارات القادمة من شبكات الإذاعة والتلفزيون وشركات الرعاية إلى الأندية التي تصل إلى الأدوار المتقدمة من البطولة، الأندية الكبرى على الأرجح. لكن النظام المالي نفسه يدعم أيضاً الفرق الصغيرة القادمة من البلدان الأوروبية البعيدة عن بؤرة الأضواء، أو تلك التي تكون بمثابة "الأحصنة السوداء" للبطولة، والتي تستفيد من لقاءاتها مع العمالقة وتتشارك معهم عوائد البث وأموال الرعاة والمعلنين.
لكن كل هذا لا وجود له في "دوري السوبر"، لا وجود لأبويل القبرصي أو بشاكشهير التركي، ولن يتقاسم ريال مدريد أرضية الملعب مع فريق مزعج مثل بوروسيا مونشنغلادباخ، ولن تكون هناك مباريات مملة أو أخرى محسومة سلفاً، ولن تكون هناك مفاجآت، فجميع الحاضرين فرق كبيرة، كل ما تبقى من كرة القدم هو مواجهات نارية وفقط. مواجهات نارية طوال الوقت تشعل حماس المشاهدين والمعلنين على حد سواء.
لكن الضحية الرئيسية هي بطولة دوري أبطال أوروبا بما تحمله من وزن سياسي للـ"يويفا" ومن وراءه الفيفا. كما سنودع إحدى القيم الأساسية للرياضة، ألا وهي الطموح. دوري السوبر محصور بين الأندية السوبر، دوري لا يحق للصغار مهما بلغت كفاءتهم الانضمام إليه.
سيتم تجريد البطولة الأوروبية العريقة من نخبتها، سيتنافس على ودها أندية بنفيكا وأياكس وربما يبقى بايرن ميونيخ وباريس سان جيرمان في أدوارها لفترة محدودة، يرفعون فيها رصيدهم من الكأس ذات الأذنين قبل الانتقال لـ"دوري السوبر". مادياً أيضاً ستخسر البطولة الكثير من قيمتها لهرولة المعلنين والرعاة إلى البطولة الأكثر جاذبية وحيوية. بالتأكيد، لن تريد شركة بيبسي أن تعلن منتجاتها في مباراة نصف نهائي دوري أبطال أوروبا تجمع بين دورتموند وخيتافي!
وفقاً لإعلان دوري السوبر، ستقوم الأندية المؤسسة بتقسيم 3.5 مليار يورو (4.2 مليار دولار تقريباً) للتوقيع على إنشاء "مؤسسة مالية مستدامة". يعني الرقم لكل فريق أن كل ناد مؤسس سيحصل على حوالي 400 مليون دولار – أكثر من أربعة أضعاف ما حصل عليه الفائز بدوري أبطال أوروبا في عام 2020.
بالإضافة إلى الأندية التي أعلنت انضمامها، قال منظمو دوري السوبر إن ثلاثة أندية أخرى ستنضم كأعضاء مؤسسين – وبالتالي دائمين – وسيتم إنشاء آلية تأهيل لملء المراكز الخمسة الأخرى الشاغرة في دوري السوبر والمكون من 20 فريقاً كل موسم. وذكر الإعلان أن دوري السيدات سيبدأ أيضاً، ومن المفترض أن يشمل فرق السيدات في العديد من نفس الأندية.
رد فعل أوروبي!
تحرك مسؤولو كرة القدم الأوروبية بسرعة لمحاولة عرقلة المشروع. وأدان الدوري الإنجليزي الممتاز فكرة المشروع برمتها في بيان أصدره يوم الأحد وأرسل أيضاً خطاباً إلى أنديه الأعضاء العشرين في الدوري الممتاز يحذرهم من مغبة المشاركة في الانقلاب أو دوري السوبر. وصف المسؤولون في الاتحاد الأوروبي لكرة القدم، المنظم لدوري أبطال أوروبا، اقتراح إقامة بطولة كبرى مغلقة بأنه "مشروع مثير للسخرية"!
كما تم التوقيع على الرسالة الأوروبية بالاشتراك مع الدوري الإنجليزي الممتاز، الدوري الإسباني ودوري الدرجة الأولى الإيطالي. وفي غضون ساعات، أضاف الاتحاد الفرنسي والدوري الفرنسي أصواتهما إلى الأصوات المعارضة المتزايدة داخل دوائر كرة القدم الأوروبية الرئيسية. وشارك السياسيون، بمن فيهم رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، في استنكار الخطط الانقلابية.
لكن "اليويفا" أخذ التهديد على محمل الجد أكثر من غيره، حيث قضى قادته عطلة نهاية الأسبوع في مناقشات حول كيفية منع المخطط الانقلابي، وأحد العراقيل المقترحة لمنع المخطط من النفاذ هو منع "الفرق المنشقة" من المشاركة في الدوريات المحلية ومنع لاعبيها من التنافس رفقة منتخباتهم الوطنية في أحداث عالمية كبرى مثل كأس العالم. كما ذكّر المسؤولون الأوروبيون بشكل واضح أندية الدوري الممتاز (ولاعبيهم بشكل فعال) بأن الهيئة الحاكمة العالمية لكرة القدم، الفيفا، قد دعمت تهديداتهم بالطرد والإيقاف.
موقف الباريسيين
قادة الانقلاب الكروي الأكبر في القرن الـ21 حاولوا ويحاولون إقناع فرق كبرى أخرى، مثل بايرن ميونيخ الألماني وبوروسيا دورتموند والبطل الفرنسي باريس سان جيرمان، بالانضمام. لكن حتى الآن، ترفض هذه الأندية وغيرها الخروج من مظلة "اليويفا" والمسابقات القارية التي دعمت كرة القدم الأوروبية لعقود طويلة.
بعض ملاك هذه الأندية لديهم مخاوفهم السياسية والمالية. على سبيل المثال، رئيس باريس سان جيرمان، ناصر الخليفي، هو عضو في مجلس إدارة الاتحاد الأوروبي لكرة القدم، ويترأس أيضاً مجموعة beIN الإعلامية، وهي الشبكة التلفزيونية التي تتخذ من قطر مقراً لها والتي دفعت ملايين الدولارات مقابل حقوق بث المباريات في دوري أبطال أوروبا ومختلف المسابقات الأوروبية المحلية. كما أن الخليفي كان الرجل الذي استطاع جلب حق تنظيم كأس العالم 2022 للعاصمة القطرية، الدوحة، وفي حال قرر الانضمام للمنقلبين، قد يسلب الفيفا حق التنظيم من قطر في إطار حرب تكسير العظام. لكن فرص انضمام باريس سان جيرمان ستكون وبلا شك كبيرة جداً في انتهاء بطولة كأس العالم 2022.
ستكون تداعيات الانقسام بين كرة القدم الأوروبية ونواديها الأكثر شهرة والأكثر متابعة والأكثر ثراءً مزلزلة. بدون الفرق الكبرى، سيواجه الاتحاد الأوروبي لكرة القدم (UEFA) والبطولات المحلية مطالبات بملايين الدولارات من الرعاة والمعلنين ومشتري حقوق البث الذين يدفعون المليارات مقابل حقوق البث التلفزيوني.
وثائق The Times
وفقاً للوثائق التي استعرضتها صحيفة The Times في يناير/كانون الأول الماضي، فإن خطط الدوري الانفصالي قد تسارعت منذ الصيف الماضي، حيث سعت الأندية الكبرى إلى الاستفادة من حالة الشك والتذبذب التي عمت صناعة كرة القدم بعد ضربات الوباء بتشكيل مسار جديد من شأنه أن يضمن درجة كبيرة من الاستقرار المالي لها، وينقذها من الديون التي تغرق في محيطها.
وقالت الوثائق إن كل من الأعضاء الدائمين المحتملين في دوري السوبر سيحصلون على 350 مليون يورو، أو 425 مليون دولار، عند التسجيل الرسمي. ودخلت المجموعة الاستثمارية JPMorgan Chase الراعي الأساسي وأحد مطوّري "دوري السوبر" في شراكات مع مجموعات استثمارية أخرى لجمع رأس المال الكافي لتمويل للمشروع، وفقاً لأشخاص على دراية بالموضوع. وقد رفضت الشركة حتى الآن التعليق، وفقاً لنيويورك تايمز.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.