تستعد فلسطين بشعبها وحكوماتها داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة، وتحديداً الأراضي الواقعة ضمن "حدود 1967″، لخوض انتخابات برلمانية شاملة بعد انقطاع عن العملية الانتخابية لمدة تزيد عن خمسة عشر عاماً بسبب الانقسام بين قطبي السياسة الفلسطينية، حركتي فتح وحماس، بعد أن فازت حركة المقاومة الإسلامية حماس في الانتخابات التشريعية عام 2006.
مع تلك الاستعدادات المتسارعة على الأرض، وجب علينا أن نستذكر الشرارة الأولى والأسباب الأساسية التي تسببت للساحة الفلسطينية في المأساة التي عانت وما زالت تعاني منها على شتى الأصعدة وكافة المستويات، وأنا هنا لست بصدد التذكير أو التشهير بالجهات المتسببة، بل على العكس.
إن كل القصد هو إعادة دراسة الأحداث الماضية منذ بدايتها لأخذ العبر والاستفادة من تلك التجربة الأليمة لتجنب تكرارها، خصوصاً أن أهم الأسباب لهذا الانقسام هي الانتخابات نفسها والخلاف على الحكم. ومن وجهة نظري لم يكن أصل الخلاف الأيديولوجيات المتناقضة للحركتين، كما كان ظاهراً للعلن أو كما رُوّج للأمر.
إن أهم الأسباب التي أدت للمأساة، هو نفي ثقافة المشاركة وانعدام ثقافة تقبل الآخر والموائمة وانخفاض معدل المرونة السياسية بهدف منع الضرر عن المجتمع ككل.
مرونة حماس السياسية
فعندما نتذكر أن حماس انتصرت في الانتخابات الأخيرة، علينا أن نعود قليلاً للوراء لدراسة أهداف حماس الحقيقية في حينه في المشاركة الفعلية للحكم مع باقي الاحزاب والفئات الفلسطينية حتى بعد أن حازت حصة الأسد من المقاعد البرلمانية. ومن حقنا أن نتساءل هل وقعت حماس في مصيدة الغرور السياسي بعد هذا النصر، وظنت أن هذا الانتصار يخولها بفرض أيديولوجيتها وسياستها الخاصة على عامة الشعب بكل فئاته؟
وهل فكرت بعواقب ذلك على فئات الشعب عند الاصطدام مع السياسة الدولية والإقليمية؟
أم إن نشوة النصر قد أنستها ذلك وجعلتها ترتكز على مقولة نحن الفائزون ومن حقنا طرح ما نريد وعلى الجميع تقبل النتيجة الديمقراطية النزيهة التي يتغنى بها المجتمع الدولي.
فلو فهمت حماس في ذلك الحين أنه كان يجب عليها استمالة الفصائل والأحزاب الفلسطينية للمشاركة والانخراط معها لدفع الضرر عن المجتمع الفلسطيني فأتوقع أن يكون الضرر أقل. لو فهمت حماس في ذلك الحين أن المناطحة والجمود مع المجتمع الدولي سيكون خطأ يصنع المزيد من العداء للقضية الفلسطينية بدلاً من جمع الأصدقاء والمزيد من التعاطف مع القضية الفلسطينية؛ ما أقدمت على الأمر.
ولكن أن تصل متأخراً خير من ألا تصل، فقد أدركت حماس ذلك ولو في وقت متأخر وبدأت بتغيير نظامها الداخلي ليكون أكثر قرباً من المجتمع الدولي. ويبقى عليها أن تعي ضرورة المشاركة الكاملة مع الأحزاب الفلسطينية في الحكم وخصوصاً أننا دولة تحت الاحتلال ولن يفيدنا الاستفراد إلا فرقة.
تعنت فتح
وعلى الصعيد الآخر قد أخطأت فتح أيضاً وكان لها دور في جلب الضرر للمجتمع الفلسطيني من خلال عدم قدرتها على امتصاص الهزيمة في ذلك الحين. وصارت كالأسد الجريح الذي بدأ يلاطم هنا وهناك دون أن ينتبه لوجود أشباله حوله وأن ملاطمته تلك ستلحق بهم الضرر. فقد رفضت الانخراط مع حماس في حكومة توافقية أو حكومة وحدة وطنية والتي لو نجحت لكانت بمثابة المهدئة للمجتمع الدولي الرافض لحماس خصوصاً أن حماس كانت مرفوضة تماماً دولياً وإقليمياً.
فقرار فتح في ذلك الوقت الالتزام بموقف المعارضة بدلاً من المساعدة ومعاونة الجهة المنتصرة كان له الدور في معاناة الموظفين وانقطاع الرواتب وانقطاع الدعم المالي الدولي.
الخلاصة
من وجهة نظري فالوضع الفلسطيني لا يحتمل أن يكون هناك حزب حاكم وحزب معارض، نحن دولة محتلة تواجه واحداً من أعتى أنظمة الاحتلال في التاريخ. لذا نحن بحاجة لرص الصفوف لمواجهته بهدف الصالح العام. وإن الحاجة المهمة هي بتهيئة الرأي الدولي والإقليمي لتقبل المجتمع الفلسطيني بكافة أطيافه وليس العكس.
وخلاصة القول، أن الفلسطينيين عانوا كثيراً طيلة حياتهم وخصوصاً في مرحلة الانقسام الفلسطيني، ويتوجب على الجميع الوقوف يداً بيد لمنع تكرار أخطاء الماضي التي ذكرت لكم أسبابها الخفية، وأن على الجميع دون استثناء تقبل الآخر وتقبل الهزيمة السياسية بكل روح وطنية، وأن على الجميع أن يفهم أن النصر في العملية الانتخابية لا يمنح المنتصر الحق بالتفرد وفرض سياساته الخاصة.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.