لأنني قادم من مجتمع مُغلق، أفراده منكفئون على أنفسهم، لم تُتح لي الفرصة للتواجد في أي معرض للكتاب أو المرور على أكشاك كتب، كتلك الأكشاك الموجودة في شارع "النبي دانيال" أو "سور الأزبكية" قبل دخولي جامعة الإسكندرية في صيف 2015. وإذا سألتني عن العلاقة بين المجتمع المغلق ومعارض وأكشاك الكتب، سأقول لك: إن هذا ليس موضوعنا، ولكن كل ما في الأمر، أني أود أن أروي لكم الحكاية من بدايتها.
في السنوات التي كانت كتب بلال فضل فيها مُتاحة في معارض وأكشاك الكتب وكانت أكثر من "الهم على القلب"، لم تتأتّ لي الفرصة حتى أبتاعها، بل للأمانة أعتقد أنه حتى لو جاءت لي الفرصة حينذاك ما كنت اشتريتها أيضاً، لسبب بسيط أني لم أكن أعرف في هذه السن المبكرة كاتباً سأقع في غرام أسلوبه فيما بعد اسمه بلال فضل. على الرغم من اسمه الذي كان يتردد أمامي من حين إلى آخر باعتباره شخصية عامة، ومن الأفلام التي عرفت لاحقاً أنها من تأليفه، وكانت أحب الأفلام إلى قلبي أثناء فترة طفولتي.
لذلك لم أتعرف على "عم بلال" من خلال كتبه إلا وأنا في بداية المرحلة الجامعية عن طريق صديق لي نصحني بأن أقرأ له، وحين استجبت إلى نصيحته، واستهللت قراءة أعماله بقراءة مجموعتين قصصيتين له اسمهما "بني بجم" و"الشيخ العيل"، استمتعت كثيراً بقراءة قصصه، خصوصاً بقصة "أصابع الحُزن الخَفيّ"، التي أضحكتني إلى حد البكاء، بل إني من فرط استمتاعي بقراءتها آنذاك ظللت أقرؤها يومياً لمدة أسبوع، وكنت في كل مرة أضحك كأنني أقرؤها للمرة الأولى.
كانت هاتان المجموعتان القصصيتان هما بداية عهدي مع كتبه، التي اشتريت منها كل ما استطعت إليه سبيلاً، بداية من كتاب "التغريبة البلالية" الذي اشتريته من معرض كتاب 2018 مروراً بـ"أوسكار الموالسة" و"في أوروبا والدول المتخلفة" و"ست الحاجة مصر" و"حتى مطلع الفجر"، وقبل أن تتهمني بالبلاهة وتقول لي: "هم دول بس الكتب اللي قريتهم لبلال فضل اللي ما شاء الله إنتاجه كتير"، لا بد أن تعرف أن هذه الكتب هي التي تمكنت من شرائها كنسخ ورقية، ولكن ليست كل الكتب التي قرأتها له لأني قرأت كل الكتب المُتاحة له بتقنية "pdf".
وعند الحديث عن الكتب "pdf" يهمني أن تعرف أيضاً أني حينما أبحث عن النسخ الورقية لكتب كاتب فهذا يعني أنه من كُتابي المُفضلين، لأني خلال السنوات الأخيرة أصبحت أقرؤها بكثرة، وذلك بعد أن وضعني صديقي الأكثر "كحرتة" مني على أول طريق الانحراف حين نصحني بأن أقرأ الكتب التي أثمانها غالية والكتب غير الرائجة لأن كاتبها من الكُتاب المغضوب عليهم بواسطة هذه التقنية، والحق يقال إن قراءة الكتب المسروقة بالنسبة لي كانت لها لذة غير عادية، واللذة هنا تكمن إما في "تطليع لسانك" للكُتاب الذين يُؤْثِرون جني الأموال على قراءة أعمالهم ولدور النشر معاً حين تنتهي من قراءة كتاب لم تستطع شراءه لضيق ذات اليد، أو في "تطليع لسانك" للأجهزة الأمنية التي حالت تدابيرها دون أن تصل إلى كتاب تشتهيه عندما يكون مؤلفه من الكُتاب غير المُرحب بهم.
وباعتبار الأستاذ بلال فضل أحد كُتابي المفضلين، سعيت جاهداً لكي أشتري أي كتاب مُتاح له ورقياً، فدأبت على البحث والسؤال عن كتبه في أكشاك شارع النبي دانيال ودار المعارف وغيرها من الأماكن التي لم أحفظ أسماءها بعد، وفي كل مرة كانت الأجابة عليّ واحدة "كتب بلال فضل ناقصة"، والوضع هذا استمر لمدة سنتين حتى وجدت عاملاً في دار المعارف يهمس في أذني بعد أن ضاق برؤية "خلقتي" ومن سؤالي المتكرر عن كتبه ذرعاً يقول لي: "متسألش عن كتب بلال فضل كتير لأنه مغضوب عليه".
كانت عبارته التحذيرية هذه بمثابة الضوء الأخضر لي لقراءة كتب عم بلال المُقرصنة بضمير مرتاح، فقرأت له "السكان الأصليين لمصر" و"قلمين" و"أليس الصبح بقريب؟" و"ما فعله العيان بالميت" و"ضحك مجروح" و"جمهورية العبث" و"فتح بطن التاريخ" و"في أحضان الكتب" وحين انتهيت من قراءة كل الكتب المسروقة له رجعت إلى عادتي القديمة مرة أخرى في السؤال عن كتبه الورقية في كل وقت وحين لأصطدم بذات الإجابة المُحبطة "كتب بلال فضل ناقصة"، ليبلغ بي اليأس أقصاه، وتوسوس لي نفسي بأن أستأجر عربة نصف نقل وأعلق عليها مكبر صوت لكي أجوب شوارع الإسكندرية وأنا أهتف "أنت فين يا عم بلال".
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.