امرأة أنقذت مسيرته ومنافس قوي لنجوم الجزائر.. كيف أصبح بولحية أحد نجوم الدوري الفرنسي؟

تفاجأ الجمهور الرياضي الجزائري الواسع ببروز اسم جديد متألق في الدوري الفرنسي لكرة القدم للموسم الجاري، يحمل اسم فريد بولاية، أو فريد بولحية، يبلغ من العمر 27 عاماً، الذي تأخر كثيراً في  إظهار قدراته  الفنية العالية، بسبب معاناته من " سوء الحظ" الذي عرقل مسيرته الاحترافية، وذلك قبل أن ينفجر بداية من السنة الماضية وبات ينافس نجوماً عالميين مثل البرازيلي نيمار على جوائز مميزة.  

ولد فريد بولحية يوم 25 فبراير/شباط 1993 ببلدية  "فيترولاس" بمنطقة "بروفانس ألب  كوت دازور" بجنوب فرنسا، وقد بدأ ممارسة رياضة كرة القدم ضمن فريق بلدته الصغيرة ثم نادي كان، قبل أن ينضم لنادي إيستر في عام 2011، والذي منحه أول عقد احترافي في يوليو/تموز 2012.

ويرى بولحية أن تكوينه الحقيقي قد بدأ مع إيستر، حيث صرح في شهر مارس/آذار  2016، لموقع "فوت ميركاتو" الفرنسي: "يمكن القول إني تكونت في نادي إيستر، حيث مُنحت لي الفرصة للعب مع الفريق الأول، وحيث مازلت أحتفظ بذكريات جميلة مع هذا النادي".

ونشط بولحية رفقة إيستر في دوري الدرجة الثانية الفرنسي لكرة القدم في موسمي (2012- 2013) و(2013- 2014)، فشارك في 34 مباراة، ولم يسجل خلالها أي هدف، مُكتفياً بصناعة هدفين اثنين، ثم سقط الفريق إلى دوري الدرجة الثالثة، فخاض فريد 11 مباراة فقط في موسم (2014-2015)، سجل خلالها هدفاً واحداَ، وذلك بسبب معاناته من كثرة وتعدد الإصابات.

امرأة أنقذته من جحيم دوري الدرجة الثالثة 

وعلى الرغم من ذلك الموسم الصعب، نجح بولحية في الظفر بعقد احترافي جديد مع نادي ينشط في دوري الدرجة الثانية، ونعني به "كليرمون فوت"، الذي تعاقد معه يوم 16 يوليو/تموز 2015، في صفقة انتقال حر، وذلك بعدما لفت أنظار مدرب الفريق، أو بالأصح مدربة الفريق، وهي "دورين دياكر"، اللاعبة الدولية الفرنسية السابقة والمدربة الحالية لمنتخب فرنسا للإناث.

ويظهر جلياً  من خلال الأرقام أنّ مستوى بولحية تحسن كثيراً مع المدربة دياكر، بحيث شارك خلال موسم (2015- 2016) في 32 مباراة، سجل خلالها 7 أهداف وقدم 4 تمريرات حاسمة، كما أختير كأفضل لاعب في نادي كليرمون فوت لشهر نوفمبر/تشرين الثاني 2015. 

وقد أكد اللاعب الجزائري مساهمة دورين دياكر  في أدائه الجيد مع كليرمون فوت، حيث صرح لنفس الموقع الرياضي الفرنسي: "علاقتي جيدة مع المدربة، فكونها امرأة لا يغير أي شيء بالنسبة لي، فلقد وضعت ثقتها في منذ البداية على الرغم من خروجي من موسمٍ معقدٍ".

وكان فريد بولحية بمثابة "استثمار" بالنسبة لكليرومون فوت، فبعدما ضمه في صيف 2015 في صفقة مجانية، سرحه في صيف العام الموالي، لنادي باستيا بمبلغ 250 ألف يورو.

وفي الوقت الذي كان يحلم فيه بولحية بالتألق مع باستيا في دوري الدرجة الأولى الفرنسي،  فإنه تعرض لإصابتين خطيرتين على مستوى الركبة، الأولى يوم 21 أكتوبر/تشرين الأول 2016، أبعدته عن الميادين لمدة 3 أشهر ونصف، والثانية يوم 14 مارس/آذار 2017، أبقته خارج الملاعب لمدة شهرين ونصف، ما جعله يكتفي بخوض مباراتين فقط طيلة موسم 2016- 2017.

تجربة فاشلة في الدوري الإسباني 

وما زاد  من متاعب النجم الجزائري أنّ الرابطة الفرنسية المحترفة لكرة القدم قامت قبل بداية موسم 2017- 2018 بإنزال نادي باتسيا إلى دوري الدرجة الثالثة لأسباب إدارية ومالية، ما أدى ببولحية لمغادرة جزيرة كورسيكا نحو إقليم كاتالونيا الإسباني للانضمام لنادي جيرونا الذي تعاقد معه، يوم 25 يوليو/تموز 2017 لمدة 3 مواسم.

وكانت التجربة الاحترافية لبولحية مع جيرونا بمثابة فشل ذريع، إذ لم يظهر في أي مباراة للدوري الإسباني، واكتفى بخوض لقاء واحد فقط في مسابقة كأس الملك، ليعود بعدها في يناير/كانون الثاني 2018 إلى فرنسا للانضمام لنادي ميتز على سبيل الإعارة لمدة 6 أشهر ثم بانتقال نهائي في صيف نفس العام في صفقة بلغت قيمتها 800 ألف يورو.

ووجد بولحية ضالته في نادي ميتز، فاختارته الرابطة المحترفة الفرنسية لكرة القدم ضمن التشكيلة المثالية لدوري الدرجة الثانية لموسم 2018-2019، بعدما ساهم بشكلٍ كبيرٍ في صعود فريقه لدوري الدرجة الأولى من خلال تسجيله لـ7 أهداف وتقديمه 5 تمريرات حاسمة.

وكافأ نادي ميتز لاعبه الجزائري بعد ذلك بتجديد عقده  إلى غاية يونيو/حزيران 2022،  مع الرفع من راتبه السنوي، فواصل بولحية أداءه الجيد في الموسم الموالي (2019- 2020) الذي انتهى مبكراً (في شهر مارس/آذار) بسبب جائحة كورونا.

تألق مميز مع نادي ميتز 

ويسير فريد حالياً نحو إنجاز أفضل موسم في مشواره الاحترافي، حيث سجل 5 أهداف وقدم 4 تمريرات حاسمة في 18 مباراة في الدوري الفرنسي للدرجة الأولى، ما جعله ينال جائزة أفضل لاعب لنادي ميتز لشهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي، ثم لشهر ديسمبر/كانون الأول، كما اختارته الرابطة الفرنسية المحترفة للتنافس على جائزة أفضل لاعب في الدوري الفرنسي لشهر يناير/كانون الثاني الماضي، رفقة كل من البرازيلي نيمار، نجم نادي باريس سان جيرمان، والألماني كيفن فولاند، مهاجم نادي موناكو.

وبعدما أصبح أحد النجوم البارزين للدوري الفرنسي فإنّ فريد بولحية لن يهدأ  له بال حتى يضمن مكانه في التشكيلة الأساسية لمنتخب بلده الجزائر، خاصة في ظل المنافسة الشديدة على مراكز خطي الوسط والهجوم لفريق محاربي الصحراء.

وكافح بولحية كثيراً ومنذ صغره ليكسب صفة "لاعب دولي جزائري"، فقد تم استدعاؤه لمعسكر منتخب الشباب في عام 2012، من طرف المدرب مارك نوبيلو، لكنه لم يحتفظ به ضمن قائمة اللاعبين المشاركين في نهائيات بطولة أمم إفريقيا لأقل من 20 عاماً، التي جرت بالجزائر في سنة 2013، كما لم يحظ بشرف المشاركة في بطولة إفريقيا لأقل من 23 عاماً، التي جرت في سنة 2015 وشهدت تأهل الجزائر لأولمبياد ريو دي جانيرو 2016، وذلك على الرغم من تألقه في ذلك الوقت ضمن نادي كليرمون فوت.

منافس قوي لنجوم منتخب الجزائر 

وصبر الشاب فريد إلى غاية  سبتمبر/أيلول 2018  ليرى اسمه متواجداً ضمن قائمة لاعبي المنتخب الأول للجزائر، أي إلى غاية مجيء المدرب الحالي جمال بلماضي الذي ضمه لصفوف الفريق قبل مواجهة منتخب غامبيا لحساب تصفيات كأس أمم إفريقيا لكرة القدم 2019، لكن دون أن يشارك في اللقاء.

ثم انتظر بولحية عامين آخرين، ليشارك في مباراة كاملة مع  المنتخب الجزائري، وذلك خلال الودية التي فاز بها محاربو الصحراء على منتخب نيجيريا (1-0) يوم 9  أكتوبر/تشرين الأول 2020 بالنمسا، حيث نال نجم نادي ميتز إعجاب الجماهير الجزائرية بفضل مهاراته الفنية المميزة ومراوغاته الجميلة وتمريراته الدقيقة. 

وقد أقحم المدرب بلماضي في تلك المباراة فريد بولحية في مركز جناح أيمن، أي المركز المفضل لقائد المنتخب، رياض محرز، مع تحويل هذا الأخير إلى متوسط ميدان هجومي، كما شارك في تلك المباراة أيضاً سعيد برحمة، نجم وست هام الإنجليزي، لكن في مركز جناح أيسر.

واللاعبون الثلاثة يمكنهم اللعب في كلا الجناحين، لكن بولحية يملك أفضلية عنهم، أنه يجيد  اللعب في خط وسط الميدان كصانع ألعاب حقيقي، وهنا سينافس نجوماً آخرين على غرار سفيان فيغولي وياسين براهيمي، ما قد  يسبب صداعاً للرأس بالنسبة لبلماضي، مثلما يمنحه أيضاً حلولاً جديدة وجيدة عند إعداد التشكيل الأساسي.

الكرة إذن هي في مرمى فريد بولحية الذي من المؤكد أنه سيبذل قصارى جهده لكسب ثقة مدرب منتخب الجزائر مثلما سيسعى ويدعو الله -سبحانه- لتجنب الإصابات قصد الارتقاء بمشواره الاحترافي نحو ناد أوروبي كبير.