إن العلاقة بين السياحة والمرض واضحة منذ الأزمنة القديمة، بالرغم من أنها كانت في الماضي أقل حدة ووضوحاً من الوقت الحالي. إن السفر ناتج عن الأهمية التي أصبحت توليها الدول للسياحة باعتبارها مصدراً من مصادر الدخل للعديد من دول العالم في الوقت الحاضر. وقد تنبأ البعض في سبعينيات القرن الماضي بأن صناعة السياحة والسفر سوف تصبح أعظم الصناعات في العالم بحلول سنة 2000 إلا أن السياحة أصبحت كذلك في سنة 1986 طبقاً لما قال عملاق السياحة العالمية، سومرست ووترز. كما أن العلاقة التي تجمع بين السياحة والسفر الدولي وانتشار المرض موضوع يدخل ضمن الجغرافية الطبية والجغرافية السياحية لهذا وجب دراسة المكان المصدر للمرض والسياح والحدود الجغرافية للدول.
وبالرغم من أن الدول تبحث دائماً عن التنمية السياحية، مستعملة كافة الإجراءات والاحترازات اللازمة والوعي بالمخاطر الصحية، فإن الخوف يبقى مخيما على جل بلدان العالم المتقدمة أو النامية، ولا سيما خطورة انتشار السلالة الجديدة لفيروس كوفيد 19.
وقبل سبعة قرون احتاج الطاعون المسمى آنذاك بالموت الأسود 12 عاماً لينتشر في العالم؛ إذ اندلع من مركزه في الصين حتى آسيا الصغرى والبحر الأسود سنة 1346 حيث أصاب البحارة والتجار في المراكز التجارية البحرية، وبعد عام واحد من وصوله إلى المراكز السابقة انتشر في صقيلة ومنها إلى باقي أوروبا. ومع حلول سنة 1348 أصيبت قرى شمال انجلترا بالطاعون ومناطق السويد والنرويج. وكان المرض ينتشر بالسفر والتجارة بين الدول فقد ورد في بعض الكتابات المصرية القديمة انتشار مرض الطاعون عبر التجارة العابرة لها.
إذا كان مرض الطاعون قديما ينتشر ببطء، فإن وباء كوفيد-19 انتشر بسرعة كبيرة في جل دول العالم في ظرف وجيز منطلقاً من مركزه الصين بسبب التجارة والسياحة والتنقل عبر أحدث وسائل النقل من منطقة إلى أخرى بسرعة قياسية، وهذا ما حصل في السلالة الجديدة له التي انتشرت بسرعة بالرغم من الاحتياطات التي تقوم بها الدول لمحاصرته.
في الماضي القريب، أسهم السفر في انتقال وباء الإنفلونزا الذي اجتاح العالم منذ سنة 1918 إلى 1929، وتجاوز عدد الضحايا الـ30 مليوناً. ومن الأمثلة الحديثة نجد وباء الكوليرا الذي انتشر في أمريكا اللاتينية سنة 1991 بسبب المجاري المائية الواصلة بين بيرو ومركز الوباء وأجزاء حوض الأمازون.
لقد كان تأثير الأوبئة في الماضي مدمراً بسبب ضعف التطبيب لدرجة أن بعض الباحثين يقولون إن جلب تجار روما الملاريا إلى إيطاليا كان من ضمن أسباب سقوط روما.
كما أنه خلال القرنين 19 و20 زادت حركة السكان والعمران، وأنشئت الطرق وكثر السفر ونشطت تجارة الرقيق والعاج، وأسهم ذلك كله في انتقال المرض بالتفاعل والاحتكاك بين الجماعات وسهولة الانتقال.
كما أنه ليس من الضروري أن يتضمن السفر الدولي والسياحة العالمية وحدها لمخاطر خاصة بانتشار المرض؛ إذ إن نفس الخطر قد يكون داخل حدود دولة واحدة من خلال السياحة المحلية ويكون السفر والتنقل من مكان إلى آخر داخل حدودها سبباً في التعرض لإحدى بؤر الأمراض أو لالتقاط العدوى في منطقة تعد أكثر خطراً على الصحة، مما تعود عليه في محل إقامته المعتادة.
لهذا يتضح أن العلاقة بين السفر والسياحة من ناحية وانتقال المرض من ناحية أخرى لا تخلو من مخاطر مؤكدة في مستوى السياحة العالمية بصفة عامة والسياحة إلى أماكن معينة بوجه خاص.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.