تفخر أي دولة في العالم بأن يشارك منتخبها في منافسات كأس العالم أو المونديال. ذلك لأن المشاركة فقط تعتبر شرفاً منقطع النظير، وإن لم يحقق المنتخب أي انتصار حتى. إذ تخوض جميع المنتخبات الكروية شهوراً من المنافسات والمباريات الإقصائية من أجل تحقيق حلم التأهل للمونديال في رحلة شاقة يستثنى منها البلد المنظم للمونديال الذي يتأهل تلقائياً بمجرد إعلانه منظماً رسمياً للعرس العالمي.
لكن هناك نوع آخر من الفخر بعيداً عن شرف التأهل والمشاركة، ألا وهو شرف التحكيم. فالحكم الذي يعيَّنُ لقيادة مباريات في المونديال العالمي ترتفع شعبيته وتتضاعف شهرته ويرفع اسم دولته في أكبر محفل كروي.
فما رأيك إن قاد هذا الحكم نهائي كأس العالم بكل حمولته الرياضية والسياسية والشعبية؟ وما رأيك أيضاً إن كان هذا الحكم عربياً، وتحديداً من المغرب؟
سعيد بلقولة حكم نهائي المونديال
قاد المرحوم سعيد بلقولة (1956-2002) نهائي مونديال فرنسا سنة 1998 بين منتخب البلد المنظم فرنسا والمنتخب البرازيلي صاحب الرقم القياسي في التتويج ببطولة كأس العالم، 4 مرات آنذاك. وكان اختيار الحكم المغربي فخراً حقيقياً عوَّض خروج المنتخب المغربي من الدور الأول بعد أداء جد مشرف كاد أن ينهيه بالتأهل لولا تواطؤ البرازيليين مع النرويجيين لإخراج المغاربة.
يقول المرحوم بلقولة عن تجربة نهائي المونديال: "مع إطلاق صافرة البداية اعتقدت أن عدد اللاعبين البرازيليين يتجاوز ١١ لاعباً فوق أرضية الملعب، كانت قامتهم طويلة واستغرق مني الأمر دقائق معدودة للتأكد من أنهم ١١ لاعبا فقط".
قاد الحكم المقابلة بحنكة وصرامة الجمركي وهي المهنة التي كان يزاولها بالإضافة الى التحكيم، مفتش جمارك. كانت شخصيته في النهائي قوية ومنضبطة كان يعرف أنها فرصته لصناعة المجد له ولبلده وقارته الإفريقية ومحيطه العربي. فعرف كيف يجاري شغب وقوة البرازيليين وفي الجهة المقابلة اندفاع الفرنسيين ورغبتهم الجامحة في تحقيق أول مونديال في تاريخهم وقهر منتخب السامبا.
بلقولة امتلك كاريزما خاصة ولم يرتبك أمام صافرات الجماهير الفرنسية التي ما فتئت تضغط على الحكم واللاعبين، رغم ذلك كان الحكم جريئاً بطرده المدافع مارسيل ديسايي أمام الجماهير الفرنسية وعلى رأسهم الرئيس جاك شيراك. ولم يحتج المنتخب الفرنسي، لصحة القرار، ثم أكمل طريقه لنيل أول لقب مونديالي في تاريخه بنتيجة ثلاثة أهداف نظيفة ضد منتخب كان من المفترض أنه لا يقهر، منتخب كان يسعى لإضافة الكأس الخامسة لخزائنه لكن الفرنسيين كان لهم رأيٌ آخر.
اعتراض برازيلي على حكم مغربي
اعترض البرازيليون على تعيين الحكم المغربي لقيادة النهائي خوفاً من انتقامه من البرازيل التي تواطأت لإخراج المنتخب المغربي من الدور الأول. خاف البرازيليون من تحيز بلقولة للمنتخب الفرنسي لكن الوقائع على أرضية الميدان أظهرت عكس ذلك.
تفوق الفرنسيون بالنتيجة والأداء وفرملوا إيقاعات المنتخب البرازيلي وأدار الحكم المغربي المباراة بحنكة كبيرة جعلت 22 لاعباً من المنتخبين يحيُّونَهُ في نهاية اللقاء، كما حظي بتنويه خاص من رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) في ذلك الوقت السويسري جوزيف بلاتر والرئيس الفرنسي الراحل جاك شيراك الذي تابع النهائي من المنصة الشرفية.
في جعبة المرحوم سعيد بلقولة العديد من المقابلات المهمة من بينها نهائي كأس الأمم الإفريقية ببوركينا فاسو 1998 بين المنتخب المصري ومنتخب جنوب إفريقيا انتهت بفوز المصريين بهدفين لصفر. كما أنه قاد مقابلتين في نفس المونديال الذي أدار نهايته، الأولى بين ألمانيا والولايات المتحدة، والثانية بين الأرجنتين وكرواتيا، لكن إدارته لنهائي المونديال ألغت كل ما سبق وكل ما سيأتي.
أحس المغاربة أنهم شاركوا في النهائي بكل قوة بسبب بلقولة، فذكر اسم المغرب كثيراً وتداوله المعلقون في جميع أنحاء العالم، وكتبت جميع الصحف عن حكاية مغربية بطلها سعيد بلقولة في ميادين فرنسية بصيغة عالمية. صرخ الفرنسيون كلما لمس زين الدين زيدان الكرة وصرخ البرازيليون كلما داعب رونالدو المستديرة، لكن المغاربة ابتهجوا كلما صفَّر سعيد بلقولة عن خطأ أو خروج الكرة.
كلُّ انتشى بنجمه وفخر بلده وكان بلقولة فخر المغاربة في تلك الليلة الباريسية وهناك جماهير مغربية كبيرة حضرت اللقاء من أبناء الجالية المغربية المقيمة بفرنسا ليس لتشجيع هذا المنتخب او ذاك، إنما متابعةً للصافرة المغربية المتميزة، كان ينقص ان يعزف النشيد المغربي فقط ليدون سعيد بلقولة نفسه نجماً عالميا حقق إنجاز غير مسبوق في أفريقيا والعالم العربي بإدارته لنهائي كأس العالم.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.