رفض تدريب ريال مدريد ويدير فريقه بالتكنولوجيا.. كيف أصبح ناغلسمان رائد كرة القدم الحديثة؟

عربي بوست
تم النشر: 2020/12/16 الساعة 11:26 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/12/19 الساعة 14:58 بتوقيت غرينتش

في الموسم الماضي، وتحديداً قبل مباراة أتلتيكو مدريد ولايبزيغ كان ناغلسمان أجرى لقاء صحفياً قال فيه شيئاً مهماً للغاية، وهو أن ما يميزه كمدرب طريقة وكيفية التدخل داخل المباراة وتغيير طريقة لعبه، لأنه أدرك عدة تفاصيل لضمان تطور فريقه وسط المباراة وتسييرها كما يريد. 

يقول كذلك: لقد استخدمت هذا الموسم أكثر من عشر طرق مختلفة من الخطط على اختلاف مسمياتها، لا يهمني نوع التشكيلات على اختلافها وتعددها بقدر ما يهمني إيجاد المساحة أمام الخصم وإيجاد أفضل اللاعبين الذين يمكنهم تطبيق تلك العملية، مع الأخذ بعين الاعتبار طريقة لعب الخصم. إن التدريب 70% منه تركيز على التعامل والتفاهم مع شخصيات اللاعبين و30% الباقية هي التكتيك.

يقول كذلك إن عمره الصغير كمدرب يجعله يتحدث نفس اللغة مع لاعبيه وكذلك اهتماماتهم العمرية تقريباً نفسها، فالجميع يشاهد الأفلام ويستعمل وسائل التواصل ويسمعون نفس الموسيقى الشبابية، ما يجعله قريباً أكثر منهم، ويجعل الفريق بدرجة أصدقاء وليس بدرجة مدرب للاعبين.

حين قدم ريال مدريد عرضاً لهذا المدرب، أجاب بكل وضوح بالرفض، وحين تم سؤاله عن السبب، قال إن اللحظة لم تَحِن بعد ولم يصبح مستعداً لتجربة كبيرة كتلك، فهل هناك عاقل فعلاً يرفض تجربة ريال مدريد؟ أبداً!

لكن ناغلسمان رفضها فعلاً، وهو إن دلَّ على شيء فهو حتماً يدل على مدى حكمة ورصانة هذا المدرب فلم يُغرِه الاسم ولا المكانة ولا حتى القفزة الكبيرة التي سيقفزها اسمه، بل قرر عدم حرق المراحل والذهاب خطوة بخطوة، لأنه يعلم أنه ومع أول سقوط لن يرحمه أحد وستكون نهايته وشيكة.

حين كان مدرباً لهوفنهايم وواجه ليفربول في الدور التمهيدي كان قاب قوسين أو أدنى من الإطاحة بكلوب بعد خنقه داخل مناطقه وتطبيق الضغط العالي أمام فريق يعشق هذه النقطة بكل جرأة وحدةٍ وموضوعية.

في تلك البطولة التي وصل فيها ليفربول للنهائي وخسر أمام ريال مدريد وقلنا حينها إنه لو كان يملك عناصر أكثر جودة وخبرة كان ليفوز على كتيبة كلوب ويحقق المستحيل، بعدها واجه بيب والسيتي وكذلك قدم نفس السيناريو، لكنه خرج بهدف مرير رغم تركه لأداء سيفتخر به طويلاً.. هذا المدرب أقصى مورينيو بقيادة توتنهام والسنة الماضية أحرج سيميوني وأقصى "الأتلتي" بعد أن كان من أبرز المرشحين للحصول على اللقب.

في سنة 2017 أخذ الفريق للمركز الثالث وهو ذات الفريق الذي كان يصارع على الهبوط ولا يتجاوز إنجازه المركز 15 في آخر السنة؛ من فريق في الحظيظ إلى فريق سيلعب دوري الأبطال، حينها لم يخسر سوى 9 مباريات.. في تلك السنة فاز يوليان على بايرن أنشيلوتي للمرة الأولى في تاريخ النادي وتحت قيادة شاب صغير بخبرة كبيرة ذلك الذي يبلغ حينها من العمر 29 سنة.

قال أنشيلوتي لشبكة يوروسبورت بعد المباراة: "من الطبيعي أن يحلم مدرب شاب وجيد مثل يوليان بتدريب فريق عالي المستوى كالبايرن".

حين تعرض ناغلسمان لإصابة وهو لاعب جعلتها تنهي مسيرته مبكراً في سن الـ20 سنة لم يتوانَ لحظة في اختياره لعالم التدريب ولم يتراجع رغم وفاة والده في نفس اليوم الذي اعتزل فيه كرة القدم وظل هو المسؤول عن عائلته وعن ووالدته.

يقول حينها إنه تعلم فعل كل شيء بدون مساعدة أحد، الطبخ وغسيل ملابسه والتسوق وتنظيف المنزل.. عرف طعم تحمّل المسؤولية على صِغر سنه مما زاده تعرفاً على خبايا الحياة ليكتسب أكثر وأكثر خبرة تحمل المسؤولية.

خلال سنة 2013 قال ناغلسمان: "قد أنقذني توخيل!".

قد يتساءل القارئ: كيف ذلك؟

يقول ناغلسمان :"ضحيت بشبابي من أجل كرة القدم، لكنها لم تجازِني بأي شيء فعلت كل ما أملك في حقها، لكنها خانتني ليتحول كل شيء من دون سابق إنذار..".

من شخص على أعتاب الهاوية إلى المجد الأزلي، لأن توخيل حين كان مدرباً لأجسبورغ وثق بقدراته وأدرك تميزه التكتيكي الكبير والموهبة التي يمتلكها لذلك أوكله اكتشاف طريقة لعب الخصم وأن يرى بعينيه المواهب الدفينة في الفرق وفعلاً وافق، وكانت البداية من هناك.

عنوانه الأول التكنولوجيا الحديثة، وهي التي يعول عليها كثيراً في حصصه التدريبية، في هوفنهايم إستعمل ما يسمى بالـ"FOOTBONAUT" وهي تقنية لتحسين استقبال اللاعبين للكرة والتحكم بها عبر إرسال كرات سريعة نحوهم، يستعمل طائرة تتحكم يدوياً و4 كاميرات في كل جهة من الملعب ويجلس ليشاهد ما يحدث عبر الـIPad ولا يمكننا أن ننسى تلك الشاشة الكبيرة التي يشرح فيها تحركات لاعبيه ويُصلح فيها ما شاهدهُ من تحرك خاطئ أو من تمركز في غير وقته ويبين للاعبيه الصحيح من الخطأ ويشرح بالتفصيل كل نقطة.

مشروع لايبزيغ ليس بالشيء الهين الذي سيندثر سريعاً، لأنه مبني على قاعدة صحيحة بداية من ناغسلمان وصولاً لطريقة تسيير النادي الذين كونوا فريقاً حديث العهد بإمكانيات شبابية وبنظرة عميقة وحديثة بشكل لا يوصف، نحن الآن في عهد الفريق الذي صنعه الشاب الصغير ليصل به من اللاشيء صوب التفوق على أعتى الفرق، والتقدم خطوة بخطوة في دوري الأبطال في سنة جديدة وحلم متجدد.

وأي تجربة عظيمة حقق فيها المستحيل وهي لم تبدأ بعد مقارنة بسِنِّه!

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

جاسر جاب الله
طالب ومدوّن رياضي
طالب ومدوّن رياضي
تحميل المزيد