إحصائيات خادعة وتحليل للنتائج لا المباريات.. كيف وقعنا في فخ كرة القدم؟

عربي بوست
تم النشر: 2020/12/04 الساعة 14:10 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/12/04 الساعة 14:10 بتوقيت غرينتش
اضطر بعدها نوير إلى الخروج سريعاً من مرماه؛ ليحبط محاولة لويس سواريز، لكنه تقريباً أخفق في الإمساك بتسديدة ميسي القوية من الناحية اليمنى والتي ارتطمت بالقائم. ورغم أن برشلونة بدا كأنه أعاد ترتيب أوراقه، فإن الفريق الألماني استعاد تقدمه في الدقيقة الـ21، عندما مرر سيرج جنابري الكرة إلى بريشيتش في الناحية اليسرى، ليفاضل الدولي الكرواتي بين خياراته قبل أن يسدد في مرمى الحارس الألماني مارك-أندريه تير شتيجن.

لقد وقعنا في الفخ قبل سنوات عديدة، ورغم علمنا المسبق بالفخ، قررنا أن نقع وأن نخدع أنفسنا، وبشكل أو بآخر، صدقنا أننا عندما نجلس أمام شاشة التلفاز لنتابع مباراة كرة قدم، صدقنا أننا نشاهد المباراة بأكملها. بينما لم نكن نشاهد سوى ثلاث دقائق أو خمس من تلك الفوضى التي تحدث خلال 90 دقيقة. ما نشاهده فعلياً هو لاعب يمتلك الكرة لثوانٍ معدودة ثم يمررها لزميل له. نحن نتابع حركة الكرة وهي في حوزة اللاعبين فقط. لقد وقعنا عقوداً حصرية مع الكرة، وفي أبعد مكان ممكن، وضعنا حالة اللاكرة في الخلفية، أو ربما فعلنا ذلك لأنه لا يمكننا متابعة حركة 21 لاعباً آخر لا يمتلكون الكرة، حتى المخرج بكاميراته لا يستطيع ذلك. فتناحرنا حول أفضلية الممررين، ووضعنا خارج حساباتنا أهمية التحرك والبحث عن المساحة. لعلك تدرك الآن ذلك، أن اللعبة، وبعد كل أسبوع، يموت فيها الكثيرون من أمثال توماس مولر، بينما يحيا أمثال توني كروس، فقط، لأنهم يمررون مئة تمريرة صحيحة من أصل مئة وواحد، حتى لو كانت غالبيتها العظمى للخلف أو نحو العرض.

هل تساءلت يوماً: لماذا يحدث الأمر بتلك الفجاجة؟

تلعب خوارزميات وإحصائيات اللعبة دوراً قبيحاً في الوضع الحالي، الاستعمالات الضيقة من طرف كثير من الصفحات والمواقع المتخصصة والمحللين تدفع بمستخدمي تلك الإحصائيات، وعدد التمريرات ودقتها كمثال بسيط، إلى تقديس أكثر الممرين دقة دون النظر إلى أهمية تلك التمريرات الحقيقية. طبعاً، يلجأ البعض لهذه الإحصائيات كونها تعد أسهل التقاطاً من متابعة لاعب واحد كل دقائق المباراة، ومحاولة فهم كيف يمرر؟ وإلى أين يمرر؟ وما مدى قدرة تمريراته على كسر خطوط الخصم؟

أيضاً، لدى الإعلام دور فيها بكل تأكيد، إنهم يبتدعون الكثير من المشاكل بسبب أسئلتهم السخيفة للمدربين، لقد أبدى ساري امتعاضه سابقاً من تكرار بعض الصحفيين السؤال عن تكراره للتغييرات، فكانت إجابة ساري غاضبةً إلى حد كبير، بل أكد أنه أجرى العديد من التغييرات التكتيكية ببعض الأدوار رغم تكرار نفس الأسماء، كان مستاءً من أن الصحفيين لا يحاولون طرح أسئلة صحيحة، بل ما هي سوى حالة أخرى لجعل تفكير الناس أكثر نمطية.

ميتافيزيقيا التحليل تنتمي للبحث إلى ما وراء التغيير، لا التغيير ذاته، لن نحتاج البحث فيما وراء الكون مثلاً، أو أن نستحضر الطبيعة الأم، المسألة بسيطة، وتبدأ في البحث قليلاً خارج المألوف، أي تبدأ من نشأة عقل نقدي، يشاهد ما يحدث بعيداً عن مكان الكُرة، حتى يستطيع فهم اللعبة كاملةً.

لأجل ذلك، علينا أن نحمل الأدوات النقدية، أن نطلع على أنواع الدفاع وأن نخبر الفرق بينها، كالفرق بين دفاع "الرجل لرجل" ودفاع "المنطقة"، كأنواع الضغط، وكأن نسأل الكثير من الأسئلة على شاكلة:

  • أين يضغط الفريقان؟ متى يضغطان؟ ما هي الاستراتيجيات المستخدمة خلال اللقاء؟ أين يضع المدرب لاعبيه؟ هل بين الخطوط أم خلفها؟ كيف يهاجمون؟ كيف يدافعون؟ ما نوع التمرير، هل هو مباشر؟ أم عرضي؟ قصير؟ أم طولي؟ ما هي المواقف الفردية التي تحدث؟ هل يعتمدون على التحضير الطويل أم القصير؟ والكثير من الأسئلة التي تنشأ خلال كل المباريات.

كان الإيطالي العبقري أريغو ساكي، عندما كان مديراً فنياً لريال مدريد، يخبر رئيس النادي فلورنتينو بيريز الذي كان معجباً بصغار النادي، أن قدرتك على التسديد أو المُراوغة لا تعني أبداً امتلاكك موهبة خارقة، إن ما يجعلها كذلك، هو ذلك الذكاء في تنميتها وفق حركة المجموعة. إن الموهبة لا تقاس بالكُرة وحدها، بل بدون كرة أيضاً، كان ساكي مسترسلاً في الحديث، ثم ختم بأنه من غير الممكن تجاهل الخمس وثمانين دقيقة المتبقية خلال كل لقاء التي لا يلمس فيها اللاعب الكرة، فحتى أعتى أولئك الذين يحتفظون بالكرة لوقت أطول، لن يتمكن أحدهم من تجاوز خمس دقائق بالمجمل.

بالتالي، أصدقائي، لا يمكننا تقييم المباراة أو اللاعب من الدقائق التي نشاهد فيها اللاعب وبحوزته الكرة فقط.

وعلى اعتبار أن المحلل يعيش في الثانية السابقة على اللعبة الحالية، فهو يشاهد من منطقة واسعة، بينما المشاهد العادي يقضي حياته بالدقيقة القادمة، ومن زاوية أضيق من المحلل، المنطق التقييمي لكرة القدم، يأتي من قدرتنا على تحليل الظروف المحيطة بشكل شامل، حتى تمنحنا تلك العقلانية عقولاً تفكر، عوض نشر إحصائيات جامدة، لا تعني شيئاً.

في الختام، قال فان خال جملة مهمة، يمكنك أن تحملها معك في حقيبة السفر نحو المعرفة: "انتبه، الإعلام يحلل النتائج، لا يحلل المباريات".

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
زيد شقيري
كاتب رياضي يسعى إلى الركض خلف المعرفة كل يوم.
كاتب رياضي يسعى إلى الركض خلف المعرفة كل يوم.
تحميل المزيد