إبراهيموفيتش.. رجل قتلته نرجسيته

عربي بوست
تم النشر: 2020/10/27 الساعة 09:58 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/10/27 الساعة 10:24 بتوقيت غرينتش
زلاتان إبراهيموفيتش يواصل تألقه رغم تقدمه في العمر (رويترز)

الاستمرارية، الاستمرارية في تقديم مستوى عالٍ، في مستوى تنافسي مرتفع وكثير الضغوطات، لزمن طويل يراوح الخمسة عشر عاماً، هي المَلَكة التي ميَّزت ليونيل ميسي وكريستيانو رونالدو عن بقية نجوم كرة القدم الحاليين والسابقين. لم يشهد التاريخ الكروي تنافساً ثنائياً طويل المدى بين لاعبين اثنين مثلما هو الحال بين ميسي ورونالدو، ليست فقط المنافسة المحتدمة وطول زمن الصراع هو ما ميز الثنائي، بل المستوى التنافسي أيضاً، نحن نتحدث عن لاعبَيْن ظلَّا "نجمي شباك" الكرة العالمية، ومحتلي منصات التتويج بكافة الجوائز الفردية العالمية لأكثر من عقد. بالتأكيد كانت هناك ثنائيات مميزة من حيث المنافسة، لكنها لم تصمد كثيراً أمام عوامل الزمن وتحدي ثبات المستوى والتقدم في العمر والإصابات مثلما صمد رونالدو وميسي في وجه كل العقبات. 

السويدي زلاتان إبراهيموفيتش يمتلك ما ميّز الثنائي، فهو قادر ومستمر في تقديم مستويات مميزة للغاية في مستوى تنافسي مرتفع وهو مقبل على عقده الرابع، وبسبب مركزه الهجومي ومهاراته في تسجيل وصناعة الأهداف والألعاب الأكروباتية كان ومازال قادراً على سرقة "اللقطة الأخيرة"، وكان بإمكانه أن يكون "نجم شباك" على غرار الثنائي، نظراً لما قدَّمه في مسيرته الكروية، لكن إبراهيموفيتش رجل قتلته نرجسيته.

في كتاب "طرق أخرى للفوز" الذي يسرد ويحكي كواليس نادي برشلونة أثناء تولي بيب غوارديولا الإدارة الفنية للفريق، ذكر الصحفي ومؤلف الكتاب غيليم بالاغ، أنه في إحدى مباريات الدوري الإسباني الممتاز قام بيب باستبدال إبراهيموفيتش في إحدى المباريات لسوء مستواه، فما كان من زلاتان إلا أن دخل غرفة تغيير الملابس وانفجر في وجه غوارديولا شاتماً ومنفعلاً عليه، ثم ألقى حقائب التدريب على الأرض بوحشية، ليُطبق الصمت على المكان واللاعبين الذين كانت تلك المرة الأولى التي يشاهدون فيها مثل تلك التصرفات. حتى إن بيب غوارديولا نفسه لم ينبس ببنت شفة، وقام يُلملم الأشياء الملقاة على الأرض، وكأن الطير على رؤوس اللاعبين والإداريين. 

التنافس بين ميسي ورونالدو مستمر 

بعد ذلك الصدام لم يكن من بيب إلا أن وضع زلاتان على دكة البدلاء، وقرَّر الاعتماد على الثنائي الشاب بويان كريكتش وبيدرو رودريغيز، بدلاً من الاعتماد على إبراهيموفيتش. تفاقمت بعد ذلك المشكلة بين المدرب واللاعب، وقرَّر غوارديولا التعاقد مع ديفيد فيا كمعوض لإبراهيموفيتش. قرأ زلاتان المشهد جيداً، وتوجه إلى رئيس نادي برشلونة، وأخبره إما أن تسمحوا لي بالرحيل وإما سأضرب مدربكم أمام الكاميرات في أي لحظة! وبالفعل رحل إبراهيموفيتش بعد عامٍ واحد في كتالونيا بذكريات سيئة وسمعة ملطخة بالوحل، مع حسرة إدارة النادي على صفقة خسروا فيها أموالاً ضخمة ولاعباً كبيراً.

زلاتان لا يقوم بتجارب أداء

في عام 2003 تلقَّى إبراهيموفيتش اتصالاً هاتفياً من مدرب نادي أرسنال آرسين فينغر، يطلب فيه من الأول القدوم إلى لندن للقيام بتجارب أداء، إذا نجح فيها يتم ضمه إلى "المدفعجية". في 2003 لم يكن إبراهيموفيتش سوى لاعب واعد، يُتنبّأ له بمسيرة حافلة لا أكثر ولا أقل، لم يكن نجماً أو هدافاً شهيراً في دوري مغمور أو لاعباً خارقاً، بل مجرد لاعب واعد، وكان من البديهي أن يوافق زلاتان على الفور على العرض القادم من الرجل الخبير في تطوير اللاعبين وإخراج النجوم للكرة العالمية، لكن رد إبراهيموفيتش كان الرفض القاطع قائلاً "زلاتان لا يقوم بتجارب أداء".

 تخيل أن تأتيك فرصة الانضمام للعب مع جيل أرسنال الذهبي وأنت في مستهلّ مشوارك الكروي، فرصة كان يحلم بها ملايين الأطفال والشبان آنذاك، ثم ترفضها بسبب شرط بسيط كان يعلم الجميع، وأولهم آرسين فينغر، أن إبراهيموفيتش قادر على استيفائه وبسهولة، لكن نرجسيتك وغرورك يجبرانك على ركل الفرصة بعيداً. وبعد 5 سنوات لم يتعلم زلاتان الدرس، وتقوده نرجسيته وغروره للرحيل عن الجيل الذهبي لبرشلونة، قبل تحقيق عدد كافٍ من البطولات أو تقديم أداء مميز، دون مبررات مقنعة أو أسباب قوية، بل فقط العناد والكبر و"الأنا" المتضخمة.
عن رحيل إبراهيموفيتش عن النادي الكتالوني قال بيب: أفضل أن أكون مخطئاً على أن أكون جباناً"، في إشارة إلى إمكانية أن يكون قرار الاستغناء عن إبراهيموفيتش خاطئاً من الناحية الفنية، لكنه قرار شجاع وقوي بعدما تعمد الأخير إهانته أمام لاعبيه، بعدما تم استبداله في مباراة عادية في الدوري الإسباني.

نرجسية زلاتان حرمته من أن يكون أحد العناصر المهمة والعلامات الفارقة في فريقين كانا في ذروة تألقهما وفي عز أمجادهما، ورفض بذلك أن يكون "نجم شباك".


الفصل الأخير

لكن إبراهيموفيتش، بـ39 عاماً، ما زال يحمل آي سي ميلان على كتفيه خارجاً من السنين العجاف رويداً رويداً نحو مكان الميلان الطبيعي في جدول الترتيب، على قدر ما خصمت وحرمت النرجسية من زلاتان على قدر ما أضافت له رونقاً معيناً وكاريزما لا يُنكرها إلا كاره، لكنهما كاريزما ورونق مثيران للجدل ومستفزان في كثير من الأوقات.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

أحمد رضا منصور
كاتب ومحلل رياضي
مهندس مصري، باحث رياضي، ومحلل أداء سابق بالنادي الإسماعيلي.
تحميل المزيد