جولدا مائير كانت ترى السادات مجرد بهلوان سياسي.. كيف أوهم العرب إسرائيل بأنهم أضعف من خوض حرب أكتوبر؟

عدد القراءات
2,509
عربي بوست
تم النشر: 2020/10/14 الساعة 13:00 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/10/14 الساعة 13:00 بتوقيت غرينتش

يعتبر هذا المقال الجزء الثاني من مراجعتي لكتاب محمد حسنين هيكل "أكتوبر 73، السلاح والسياسة"

اتصالات السادات السرية والعلنية أعطت انطباعاً خاطئاً -لحُسن الحظ- عند أمريكا والإسرائيليين يقول إن العرب ليسوا قادرين على أن يحاربوا، ولكن السادات تحمّل بشجاعة مسؤولية قرار الحرب، والتنسيق مع سوريا كان في أحسن حالاته، والاحتقان الذي كانت تعاني منه الجيوش العربية بات على وشك الانفجار، ولكنه انفجار لصالح الأمة هذه المرة، اقترح السادات ديسمبر 1972 موعداً للحرب، ولكن نصيحة الرئيس السوري ووزير الدفاع المصري كانت مع التأجيل، الاختيار الأول لدى القيادة المشتركة كان مايو/أيار 1973، ولكنه أُجل إلى الأسبوع الأول من أكتوبر/تشرين الأول.

فى أغسطس/آب اجتمع ثلاثة عشر عسكرياً من مصر وسوريا ليضعوا اللمسات الأخيرة على خطة بدر، وتم تحديد مهام وواجبات كل جبهة. تم ترتيب الجبهة الداخلية بعناية، أُنجزت دراسة لاستخدام البترول في المعركة، تعهّد الملك فيصل باستخدام البترول في مرحلة من مراحل تطور الحرب، وذلك عندما تؤدي الحرب إلى تعبئة عالمية.

وفي 11 سبتمبر/أيلول وصل الرئيس الأسد، ووصل الملك حسين أيضاً، وتم الإعلان عن عودة العلاقات الدبلوماسية بين سوريا والأردن، غادر الملك حسين دون أن يعلم أن الرئيسين سيجتمعان بعد مغادرته لاتخاذ قرار الحرب، حرص الطرفان على إبعاد الأردن عن المعركة، وذلك للبعد عن إحراج الملك حسين، ومراعاة مخاطر فتح جبهة أردنية دون قوات كافية لحمايتها.

يوم 2 أكتوبر/تشرين الأول كانت الوحدات البحرية المصرية تتحرك لإغلاق البحر الأحمر عند باب المندب، وحتى لا تشتبه إسرائيل فيما يجري فُرض عليها صمت لاسلكي كامل يعزلها عن قيادتها. كان السادات قلقاً من اكتشاف إسرائيل موعد ساعة الصفر، وطمأنه الفريق سعد الدين الشاذلي بأنهم إذا لم يعرفوا إلا خلال الـ48 ساعة الأخيرة قبل ساعة الصفر فلن يعود الأمر مهماً، حينها سيكونون قد فوّتوا فرصة إجراء تعبئة عامة والدفع بقوات جديدة إلى الجبهة.

لم تُقدّر إسرائيل خطورة ما كانت تراه من شواهد على الحرب، جولدا مائير وكيسنجر اتفقا على أن السادات مجرد بهلوان سياسي، وذكر كيسنجر أنه في مباحثاته السرية مع حافظ إسماعيل قد تلاعب به وبرئيسه، وأنه يحتاج سنة أخرى ليفكر في الحرب، كما أن التفوق الإسرائيلي في التسلح، وخاصة في سلاح الطيران كان رادعاً للعرب، وكذلك التشتت العربي.

ولحسن الحظ، حدث في الأول من أكتوبر/تشرين الأول، أن اختَطف فدائيان فلسطينيان قطاراً نمساوياً كان يحمل مهاجرين يهوداً، وطالب المختطفون بأن تغلق النمسا معسكرات المهاجرين اليهود التي ينتقلون منها إلى إسرائيل، وافق كرايسكي المستشار النمساوي على هذه الطلبات، ما استدعى هيجاناً إسرائيلياً تجاه النمسا.

ساهم ذلك في تشتيت الذهن الإسرائيلي، جاءت 11 طائرة سوفييتية ضخمة تحمل من دمشق والقاهرة عائلات المستشارين السوفييت إلى بلادهم، وقام أحد مسؤولي شركة مصر للطيران بالإيعاز إلى طائراته المغادرة إلى مطارات خارج مصر أن تقضي لياليها في العواصم التي يتصادف وجودها فيها، ويبدو أنه فهم أن شيئاً ما سيحدث. على الجبهة السورية فقدت سوريا في معركة جوية بين الطيران السوري والطيران الإسرائيلي 13 طائرة سورية مقابل طائرة إسرائيلية واحدة، وتوقعت إسرائيل أن تقوم سوريا بالرد، ولمّا مرّ أسبوع بغير ردٍّ قدَّرت قيادة جبهة الشمال الإسرائيلية أن الأمر يستحق المتابعة، وعندما لاحظوا تعزيز سوريا وجود دباباتها على حدود الجولان، كان تعليق دايان أن طبيعة النظام في سوريا تجعله يقوم بتصرفات غير محسوبة.

في اليوم السابق للحرب، عرض مدير المخابرات العسكرية الإسرائيلي تقارير عن حجم الاستعدادات التي تظهر على الجبهتين، لكنه استبعد أن يبدأ المصريون عملية عبور كبيرة، وافقه رئيس هيئة الأركان ووزير الدفاع، ولكن رئيسة الوزراء مائير اتصلت بوزير خارجية أمريكا كيسنجر، تطلب منه التواصل مع سوريا ومصر عن طريق الاتحاد السوفييتي، تدعوهما إلى ضبط النفس.

 في الساعة الثالثة فجراً تلقَّى مدير المخابرات من مصدره السري معلومات تؤكد أن الهجوم المصري السوري سيبدأ مع غروب شمس ذاك اليوم، السادس من أكتوبر/تشرين الأول. في الثامنة صباحاً ناقش مجلس الحرب الصهيوني الخيارات المتاحة، وهي إعلان التعبئة العامة القصوى، وتوجيه ضربة طيران استباقية قاصمة إلى الطيران السوري، ولكن الجميع لم يغلب على توقعهم حرب كهذه، وصدر القرار بالتعبئة العامة، ولم يصدر قرار بالضربة الجوية. وأبلغت جولدا مائير ذلك للسفير الأمريكي.
 كيسنجر بدأ اتصالات مكثفة، وممن تواصل معهم محمد حسن الزيات، وزير خارجية مصر، بعد المكالمة علّق كيسنجر بأن دهشة الوزير كانت حقيقية. (لم يكُن الوزير المصري ضمن الدائرة التي يجب أن تعلم عن ساعة الصفر)

بدأت الحرب وسط دهشة وشلل كل من هم خارج منطقة النيران.

بعد عشر ساعات من بداية الحرب كان الواضح أن الجنود على الجبهتين قد حققوا معجزة، خمس فرق مشاة ومدرعات أصبحت شرق القناة، حوصرت معظم تحصينات خط بارليف، وتم اقتحام نصفها، كانت قوات الصاعقة في ساعة مبكرة قبل الحرب قد أبطلت مواسير اللهب السائل، وهو التكتيك الإسرائيلي الرئيسي لإحباط أي عبور على الجبهة المصرية، ضربة جوية سورية أولى تلاها قصف مدفعي، تقدمت العربات بعدها، وعند نصف الليل كانت تحاصر القنيطرة.

قبل موعد نومه تلقّى السادات تهاني بريجنييف.

الله أكبر.

في السابع من أكتوبر تشرين الأول، سلاح الجو الإسرائيلي يستعيد المبادرة، قام بـ1021 طلعة على الجبهة المصرية، و3820 طلعة على الجبهة السورية. صدرت أوامر إلى قوات عراقية، منها ثلاثة أسراب طائرات بالتمركز على الجبهة السورية. في مجلس الوزراء الصهيوني كان دايان منهاراً، بعد أن عاد من زيارة الجبهة، بينما كانت رئيسته جولدا مائير في حالة ذهول، لاحظ دايان أن مائير تتجاهله كوزير دفاع، فعرض أن يتحمل المسؤولية ويتقدم باستقالته، ولكن جولدا رفضت، وقالت إن تحمل المسؤولية يقتضي استمراره.
 في واشنطن ما زال الأمريكيون يعتقدون أن الصهاينة سيحولون الهزيمة إلى انتصار ساحق، إسرائيل تتقدم لهم بطلبات جديدة من الأسلحة كل ساعة، وزارة الدفاع الأمريكية تقول إن المخازن الإسرائيلية مكتظة بالأسلحة، ولكن كيسنجر بدأ يضغط لإرسال سلاح نوعي حديث، متعللاً بأن الجيش العربي يستخدم صواريخ سام 6، التي لم يقدمها السوفييت لفيتنام، وأن الجيش العربي يستخدم دبابات من طراز ت 62 التي لم تكن قد دخلت الخدمة في حلف أوسلو بعد، كان هذا صحيحاً. وقد تلقى الرئيس نيكسون رسالة من كيسنجر، تقول إنه إذا انتصر العرب فإنه سيكون من المستحيل إجراء أية مفاوضات للوصول إلى حل للأزمة، يجب على أمريكا تقديم ما تحتاج إليه إسرائيل لتصحيح الموقف العسكري خلال ثلاثة أيام على أقصى تقدير، وافق نيكسون، وللسرعة قامت طائرات العال المدنية الإسرائيلية الموجودة في أمريكا تلك الليلة بالعودة وعلى ظهرها أسلحة جديدة. كان قرار الأمريكان واضحاً بأن العمل الأمريكي يجب أن يكون موجهاً إلى إثبات عدم جدوى الحرب.

 في منتصف الليل وصلت رسالة من الملك فيصل، يقول فيها: إننا نناشد أمريكا أن تنظر لهذا الموضوع بعين الحكمة والعقل، إن هذه الحرب ليست كالحروب السابقة، الصبر العربي بلغ مداه، إننا ننصح الولايات المتحدة أن تجبر إسرائيل على الانسحاب من الأراضي المحتلة، ونأمل ألا تزود أمريكا إسرائيل بالسلاح، لئلا يطول أمد الحرب، وتتصاعد ويلاتها، ولكي لا تنتشر الشيوعية في المنطقة.

قبل أن ينام السادات ليلتها أُبلغ بأن ليبيا أرسلت سرباً ثانياً من طائرات الميج لينضم للقوات المسلحة المصرية، كما أبلغه السفير السوفييتي بأن قيادته وافقت على طلب السادات ببدء شحن صواريخ الفولجا هذه الليلة، قال السادات إن صواريخ الفولجا سوف تساعد على تغطية القوات المصرية التي تتقدم في سيناء، وأرسل السادات شكره للرفيق بريجينيف.

 استمر تقدم القوات العربية حتى الثامن من أكتوبر/تشرين الأول، واتخذت مائير رئيسة وزراء الدولة الصهيونية قراراً بإقالة قائد الجبهة الجنوبية، وإحلال الجنرال بارليف مكانه، وأمام اندفاع الجيش السوري في هجوم مدرع قوي انهار خط الدفاع الإسرائيلي في الجولان، واقتربت الدبابات السورية من وادي الحولة عبر جسر بنات يعقوب، اتخذ رئيس الأركان الإسرائيلي ظهيرة اليوم قراراً بتركيز كل الطيران الإسرائيلي في المنطقة الشمالية، وقد استطاع الطيران الإسرائيلي إيقاع خسائر كبيرة في الدبابات، قدرت سوريا خسائرها بـ400 دبابة، ورغم ذلك فقد ورد في تقرير لجنة أجرانات "لقد كان هذا اليوم يوماً اختلت فيه عوامل السيطرة والقيادة. وتبدّت فيه القراءة المغلوطة لمجرى القتال، رغم النتائج المهمة التي تحققت على الجبهة الشمالية وأدت إلى وقف تقدم الجيش السوري"، وبالطبع كان المتوقع وقت تراجع الطيران الإسرائيلي على الجبهة الجنوبية أن يكون هناك مجال أكبر لتقدم الجيش المصري.

 لاحظت الاستخبارات السوفييتية عدم استثمار الجيش المصري لهذه الأجواء، وحاول السفير السوفييتي إعلام السادات بهذا، إلا أن الرئيس المصري كان يحلق بعيداً، كان يبدو أبعد ما يكون عن قبول أي نصائح.

في التاسع من أكتوبر/تشرين الأول، أبلغ السفير الإسرائيلي كيسنجر أن إسرائيل قد خسرت في 4 أيام ربع قواتها، أي 500 دبابة و50 طائرة. كان دايان في حالة انهيار كامل، وقد تقدم لمجلس وزرائه بطلب الإذن ليتراجع الجيش الصهيوني إلى خط الدفاع الثاني في سيناء.

في 17 أكتوبر قرر وزراء البترول العرب تخفيض إنتاج البترول العربي بواقع 5% كل شهر، حتى تنسحب إسرائيل إلى خطوط عام 1967، واستدعى الملك فيصل السفير الأمريكي وحمّله رسالة إلى نيكسون. يقول الملك إن السعودية ستخفض 10% من إنتاج نفطها، وقد تجد نفسها في وضع تقطع فيه النفط عن أمريكا، وإن العلاقات الأمريكية السعودية ستتضرر باستمرار أمريكا في دعم إسرائيل. كانت الحسابات الواقعية تشير إلى أن العرب حققوا شيئاً عظيماً.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

صالح الشحري
طبيب فلسطيني
طبيب فلسطيني واستشاري أمراض نساء و توليد. مهتم بالشأن الثقفي وقضايا المجتمع وسبق أن كتبت عدة مقالات في موقع huffpost النسخة العربية.
تحميل المزيد