لم أعُد أشاهد مسلسلات منذ وقت طويل، ربما يلفت انتباهي واحد من تلك القديمة التي تعيد بعض القنوات عرضها بإصرار، فأتابعه لفترة وأجدني مهتمة بالمتابعة جداً، آخر تلك المسلسلات "ليلة القبض على فاطمة" لفردوس عبدالحميد وفاروق الفيشاوي، في التوقيت نفسه يعرض عدد من المسلسلات الجديدة مثل "إلا أنا" و"الوجه الآخر" و"حكايات بنات" لكنني حقاً لا أهتم ولا أذكر مسلسلاً مصرياً واحداً جذبني وعلق بذهني وقلبي في السنوات الأخير اللهم إلا مسلسل "ذات" للمخرجة كاملة أبوذكري، إنتاج عام 2013.
لم أستطِع منع نفسي من محاولة فهم السبب الذي يمنعني من الإعجاب بالمسلسلات الجديدة، أو لأكون أكثر دقة الذي يجعلني أحكم عليها بالضعف والركاكة، ربما من مشهد واحد فقط أتخذ قراري بعدم استكمال المتابعة، هل المشكلة لديَّ أو في المسلسل نفسه؟
لماذا الاستخفاف بالمشاهد؟
أتفهم حالة الاستعجال المرعبة التي تسبق شهر رمضان الكريم والتي تدفع المنتجين وصانعي الدراما إلى محاولة اللحاق بالموسم بأي ثمن حتى لو كان على حساب الجودة، فالتوقيت "موسم" ربما كان هذا مبرراً لأعمال مثل "فرصة ثانية" و"رجالة البيت" وغيرهما من المسلسلات التي لاقت إجماعاً من النقاد والمشاهدين وحتى الممثلين أنفسهم وصل الأمر لوصف البعض أنفسهم بأن "دمهم تقيل" كما فعل بيومي فؤاد في الموسم الرمضاني السابق، وفيما اعتذر بعض الأبطال معترفين بذنبهم، اعتبر آخرون أن ضعف العمل والهجوم على أبطاله وتمثيلهم أمور لا تقلل من نجاح المسلسل، كما هو الحال مع الفنان الشاب شادي هاشم الذي أكد أن نتائج "فرصة تانية" رائعة، وأن الهجوم والانتقاد أمور واردة ولا يوجد عمل فني خالٍ من العيوب!
التفسير الذي ذكره شادي هو الأقرب إلى التصديق لدى صناع الدراما، هم يعرفون أن أياً كان ما سيصنعونه سيشاهده الناس حتى لو قذفهم المشاهدون بالبيض، فقد سبق بالفعل وإن تم فعل "المشاهدة" سواء عبر مواقع التواصل أو التلفزيون ربما لهذا ورغم حالة الغثيان التي أصابت الكثيرين من الطريقة التي ظهر بها أبطال مسلسل "سكر زيادة" فإن ذلك لم يعن أي شيء سواء لمنتجه أو لأبطاله الذين يستعدون لجزء ثان! حيث الإنتاج على طريقة "دعونا نضحي بالجودة وبالمشاهد.. المهم الممثل يكون مبسوط".
بصراحة شديدة المشاهد ليس عنصراً ذا قيمة في المعادلة، كما أنه لا توجد جهة للحكم في الأمر سوى جهات الإنتاج التي تتعامل باعتبار الأمر "مقاولة" عليها أن تغطي تكاليفها على الأقل وتظهر بشكل أو بآخر يبقيهم على الساحة ولا عزاء لمن هم مثلي!
الوجه الآخر لـ"ماجد المصري"
بعيداً عن مسلسلات رمضان، قررت أن أتابع الحصريات، تلك التي تفلت من مأزق العجلة، ولا تخضع لظروف قاهرة وكان أحدث ما رأيت هو مسلسل الوجه الآخر بطولة ماجد المصري، ونسرين طافش، وندى موسى، ومادلين طبر، قررت أن أقرأ ما كُتب عن المسلسل أولاً ففوجئت "العلاقة بين يحيى وفرح أخت مراته بتتطور قعادها في البيت معاهم كان أكبر غلط" كان هذا عنوان أحد المقاطع الترويجية لمسلسل الوجه الآخر والذي جذب قرابة 42 ألف مشاهد عبر موقع يوتيوب ليشاهدوا المقطع الذي تبلغ مدته 3:50 دقيقة، الحقيقة أنني صُعقت من أداء ماجد المصري الذي بدت فيه "النحنحة" مبالغاً بها للدرجة التي أصابتني بالغثيان، مع الوقت علمت أن المسألة لم تتوقف عند حدود الأداء الذي لم يلقَ توجيهاً ولو ضعيفاً من المخرج لتحسينه، ولكنه يمتد للقصة المزعجة جداً، حيث يحيى رجل الأعمال المرموق وزوجته سارة التي تعاني من مشكلة في الإنجاب، يتم اغتيال والدها فتبحث عن شقيقتها فرح وتبقيها معها بالفيلا، لكن فرح تقيم علاقة مع يحيى وتحمل طفلاً غير شرعي منه.
هكذا يقدم لك المسلسل زنا محارم بشكل "شيك" فتجدك تتعاطف مع البطل وعشيقته تارة وتتوحد مع الفكرة، حاولت أن أعرف فكرة من هي، فوجدتها قصة ماجد المصري نفسه الذي وصفها بأنها "ترصد الحياة الاجتماعية والأسرية لرجال الأعمال في منازلهم وليس في شركاتهم"، هكذا عهد بالقصة للسيناريست فداء الشندويلي الذي لم يكذب خبراً وأنجز المهمة ليخرج المسلسل في صورته التي تعرض الآن.. مظهر براق ومحتوى غث وتمثيل ركيك جداً ليس من ماجد المصري نفسه، وإنما من بقية الفريق، وعلى رأسهم نسرين طافش التي ظهرت بأداء ضعيف وباهت مع لهجة مصرية بائسة جداً، كأن مبررها الوحيد للمشاركة في المسلسل هو جمالها وشهرتها كواحدة من الوجوه المثيرة للجدل.
الصفحات تشهد
بات إنشاء صفحة خاصة بالمسلسل على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك تقليداً يتبعه أغلب القائمين على الأعمال الدرامية كجزء من عملية الترويج له، ولا يتعلق الأمر فقط بعرض أجزاء من المسلسل ولكنه بات يتعلق بمحاولة صناعة "ميمز" ومقاطع تحمل أجزاء مفترض أنها مميزة من السيناريو والحوار، باختصار تسلط الضوء على قوة العبارات والمواقف وأحياناً تعبيرات وجه الممثلين، لكن يبدو أن هذا التقليد بات سلاحاً ذا حدين، حيث أصبح في الوقت نفسه دليلاً في بعض الأوقات على مدى السماجة والضعف وشاهداً على بؤس الكتابة والتمثيل.
علمت هذا حين شاهدت ذلك المشهد الذي يجمع مادلين طبر بأحمد سلامة من "الوجه الآخر" فأمطرته التعليقات السلبية من المشاهدين، وكذلك الأوصاف عبر الصفحة الخاصة بالمسلسل على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك من عينة "مسلسل سخيف"، "بارد"، "مسلسل بايخ".
توقفت كثيراً أمام جملة حوارية بين اثنين من أبطال العمل "رامي" و"عاليا" تعترف فيها الشابة بحبها، فيرد الشاب الذي يبدو متيماً: "أنا كمان بحبك عشان انتي الوحيدة اللي حسستيني إن الدنيا فيها حاجة ممكن تتحب"!
مشكلة مَن؟
ربما يتعلق الأمر بـ "الوجه الآخر" فقط، ماذا عن "حكايات بنات" المسلسل الذي يذاع الجزء الخامس منه حالياً عبر فضائية أون تي في، هذه المرة خشيت من حكمي القاسي، فلجأت إلى صديقة لي لأسألها فجاء ردها "زفت" باغتني الرأي الحاد جداً، ففسرت لي الأمر قائلاً: "كانت متعتي الوحيدة حين أعود من عملي بعد يوم طويل أن أشاهد النصف ساعة مدة المسلسل، كان ممتعاً جداً حتى الجزء الثالث، حين تركته كل من صبا مبارك وإنجي المقدم، من وقتها بات المسلسل سيئاً جداً شعرت بمدى سوئه في الجزء الرابع، لكن الخامس الذي يعرض حالياً بدا لي غير قابل للمشاهدة من الأساس".
ابتسمت في سري، حيث تبين لي أنني لست ظالمة، فبحسب صديقتي "الممثلات أوفر"، لكن هذا ليس كل شيء، فقدر "السماجة" يتناسب طردياً مع فجاجة القصص، حيث من العادي أن تظهر البطلة تستهدف "واحداً" وتصاحب "ثانياً" وتحب ثالثاً، مسألة اختصرتها صديقتي الغاضبة "المسلسل عمال يمسخ ومانجحش حقيقي مش فاهمة عاملين منه جزء جديد إزاي؟"، استرعى اهتمامي ما تعرفه عن الجزء الجديد فإن كان سيئاً إلى هذه الدرجة لماذا تشاهده؟ فأجابتني: "ساعات بكون قاعدة زهقانة وهو شغال ومفيش غيره بشوفه غصب عني، لكن مؤخراً بدأت أتابع ختم النمر!".
فسر لي ردها الأمر بشكل أدق، فكل من "حكايات بنات" و"الوجه الآخر" و"رجالة البيت" و"فرصة ثانية" وكذلك "ختم النمر" من إنتاج جهة واحدة هي سينرجي تامر مرسي، وبالتالي لم يعد الأمر مثيراً للتعجب، فإن كانت المقدمة واحدة لا غضاضة من تشابه النتائج.
وحدها –تقريباً- تنتج وتتعامل مع الأشخاص عينهم، فمثلاً هاني سرحان مؤلف "الاختيار 2" هو ذاته مؤلف الفتوة وكلاهما من إنتاج سينرجي، أما المخرج أحمد علاء الدب فيتعاون مع الشركة ذاتها لإنتاج 3 مسلسلات في 3 سنوات "يونس، وهجمة مرتدة، والجزء الثاني من البيت الكبير".
وأحياناً يتم التعامل على طريقة "زيتنا في دقيقنا" توفيراً للنفقات فيصبح صاحب القصة هو نفسه المخرج كما هو الحال مثلاً مع أحمد سمير فرج مؤلف ختم النمر هو ذاته مخرج ختم النمر وجنون العشق وحكايتي عن الشركة ذاتها.
إن بقيت أعدد الأسماء المكررة في الأعمال لن أحصيها، في النهاية هي دائرة مغلقة لشركة تحتكر الإنتاج والإذاعة عبر القنوات التي لا يجد المشاهد غيرها أمامه فيضطر صاغراً لأن يتابع مسلسلاً بعد آخر على أمل أن يجد ضالته فيجده من سيئ لأسوأ ليضطر في النهاية إلى أن يختار –كصديقتي – أحسن الوحشين من بين المعروض.
ما الفارق بين القديم والجديد؟
بالنظر إلى الفارق المرعب في حجم الإنتاج والإمكانات، لكن الكفة مازالت ترجح لصالح القديم، فلا يزال يوميات ونيس بأجزائه القديمة قادراً على جذب الكبار والصغار لمتابعته بشغف كما لا تزال حلقات مسلسل "حديث الصباح والمساء" و"ريا وسكينة" و"زيزينيا"، ومن قبلها "الأيام" و"السقوط في بئر سبع" و"ليالي الحلمية" بأجزائها قادرة على إبقاء المشاهد أمامها بل وترك ذلك الشيء بداخله، شيء لا يتعلق بقوة الإنتاج ولا بكل تلك الإكسسوارات والديكورات الضخمة، شيء بسيط وقوي ومميز، ربما معنى أو قيمة يراها في أناس يشبوهونه وديكورات قريبة من تلك الموجودة في منزله، وكذلك الملابس، والأهم شركات إنتاج تعلي من قيمة المشاهد، وتتعامل معه باعتباره فاعلاً وليس مفعولاً به.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.