منذ أكثر من ألفين وخمسمئة عام، على سفوح جبال هيمالايا في المنطقة المعروفة اليوم باسم نيبال، كان هنالك قصر كبير للملك موشك.
قبل أن يُنجب ذلك الملك طفلاً، كان يُفكر كيف قد يجعل حياته كاملة ويُبقيه بعيداً عن المشاكل. لذلك، خطرت بباله فكرة عظيمة، وهي تشييد أسوار عالية من حول قصره لكي تحول بين الأمير الجديد وبين معرفة أي شيء عن العالم الواقع خارج القصر، لأنه لا يرغب في أن يرى ابنه ما قام به هذا الملك طوال مدة حكمه. ولد هذا الطفل، كبر جاهلاً بكل ما يتعلق بأشكال القسوة المألوفة في حياة البشر، تماماً مثلما خطط له أبوه الملك، والذي بالغ في تدليل ابنه.
ما قام به هذا الملك هو قطعاً أمر خاطئ، حيث تقول الأسطورة بأن مشاكل كثيرة دبت بين الأمير ووالده، وذلك بعد رغبة الابن في رؤية العالم الخارجي ومعالمه، حيث رفض الملك الفكرة مراراً، قبل أن يتسلسل الأمير في إحدى الليالي خارج القصر، ويرى الواقع المأساوي الذي يعيشه العالم.
إن حاولنا إسقاط قصة الملك موشك على واقع لبنان المُثير للشفقة، سندرك في أن هذا الملك يُمثل كل من تعاقب على سدة الحكم في لبنان على مدار قرن كامل من الزمان. يعي حكام الطوائف والرؤساء المشاكل التي حلت على شعب لبنان، ويعرف الحكام أنهم أصحاب الكلمة العليا وقراراتهم سوف تميل موازين القوى لصالح كريم العيش لشعب لبنان، وبسعادة وطمأنينة، إلا أنهم، كما الملك موشك، يفضلون الخيار الأسوأ، وهو جعل الشعوب يعيشون تحت وطأة الألم، الاكتئاب، ونكد الدهر.
ولادة لبنان الذي نعرفه
لم يكن يعلم المفوض السامي، الجنرال هنري غورو، عندما أعلن قيام "دولة لبنان الكبير" في أول سبتمبر/أيلول 1920، أنه أعلن عن ولادة وطن على مساحة 10542 كيلومتراً مربعاً من الجحيم. وطن يُعيد إنتاج الحلقة الجهنمية لحركة مُستمرة لا تصل بلبنان إلى أي مكان.
لحق قرار الجنرال هنري غورو، سلسلة من القرارات الداخلية في لبنان. ففي 23 أيار من عام 1926، أقر مجلس الممثلين للدستور إعلان استقلال لبنان وقيام الجمهورية اللبنانية، حيث كانت لا تزال خاضعة للانتداب الفرنسي الذي انسحب بشكل كُلي عام 1946. كما أُعلن أن عاصمة لبنان هي بيروت.
بعد مرور 100 عام، على بعد ساعات قليلة تفصُلنا عن مرور شهر كامل على إنفجار مرفأ بيروت، الكارثة الإنسانية التي هزت لبنان، وأحد أكبر الانفجارات المُدمرة في التاريخ، سبقها ذكرى المواجهات مع الجماعات الإرهابية في شمال وبقاع لبنان، وقبلها ذكرى الحرب الدموية مع إسرائيل. تجول في خاطري فكرة أن هذا هو تاريخ لبنان، عبارة عن سفكٌ مستمر للدماء، زهقٌ الأرواح، وضحايا في حروب لا تعرف الرحمة بسبب ألاعيب سياسيين لا يكترثون إلا لتسيير أعمالهم المشبوهة داخل البلد.
النهوض من تحت الرماد
"من لا يرى الأحزان، لا يرى الفرح".
- جبران خليل جبران
مُشكلة اللبنانيين أنهم لم يعودوا يكترثون إذا شعروا بالفرح أو الحزن، بنظرنا فإن أيامنا كلها السوداء، ولقد مررنا بأزمات لا تعد ولا تحصى. هذه المآسي بواقعها مُتعدد الجوانب، ولدت مجموعة من الشباب الواعي، المقاوم، والرافض لفكرة الرضوخ للأمر الواقع، والعيش تحت قرارات حُكام فاسدين لا يبالون إلا بكسب المال والسعي خلف السلطة.
ليس عيباً الاعتراف بمشاكلنا، بل العيب هو عدم محاولة حل تلك المشاكل وخلق حلول تُريحنا ومن بعدنا. في الحقيقة، الخوف من تداعيات قراراتنا الخاصة والتي تصُب في مصلحتنا ومصلحة الوطن، تجعلنا مُحجمين عن أية خيارات ذات معنى. وكل من يسلُك هذا الدرب الخاطئ، تراه يُحاول إلهاء نفسه بأمور تجعلُه لا يُفكر بما يحدُث في لبنان، وكأنه يختبئ في حفرة رمادية عديمة الإحساس صنعها لنفسه بنفسه.
الألم خيطٌ من خيوط نسيج الحياة، وليس اقتلاعه من ذلك النسيج أمراً مُستحيلاً فحسب، بل هو يُدمر النسيج نفسه، وتؤدي محاولة اقتلاعه إلى تفكيك كل ما هو مُرتبط به. لذلك، الحل الفعلي يكون عبر كيفية تجنُّب الألم ونسيانه، وليس عبر اقتلاعه، لأن الحياة عبارة عن طرفين متناقضين، مثل الخير والشر، الحب والكره، السعادة والألم، الفشل والنجاح.
أستطيع طرح المزيد والمزيد من الأمثلة، حيث يجب على الجميع أن يعلم، في أن كل ما له قيمة في الحياة يجرى كسبه من خلال التغلب على التجارب السلبية الذي ترافقه، وأي محاولة للهروب من كل ما هو سلبي وتجنبه، لن يكون لها إلا أثر عكسي. لذلك، أول حل من أجل بناء وطن أفضل ورؤية لبنان أجمل، يكون عبر مواجهة مخاوفنا، ترويضها والتغلب عليها.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.