نجحت عبير موسى في لفت الأنظار إليها، وحشد أنصار لها رغم فشلها في ضم القوى التجمعية في حزبها الذي يحمل اسم الحزب الدستوري الحر، كادعاء منها وانتساباً للحزب الحر الدستوري الذي تأسس في 1920 وكان أول حزب تونسي وطني يتأسس في ظل الاستعمار الفرنسي على يد الزعيم والمفكر التونسي صاحب كتاب "تونس الشهيدة" عبدالعزيز الثعالبي.
ذلك الحزب الذي أكد على مظالم الاستعمار الفرنسي للبلاد التونسي وانخرط في حركات التحرر العالمي وواجه مناضليه السجون والقمع والسحل على غرار الحبيب بورقيبة وأحمد توفيق المدني وصالح فرحات. تلك رموز وطنية كانت تمثل المشترك بين التونسيين، حزب كان وليداً لحركة الشباب التونسي ولسياق تاريخي عرف النضال بين مختلف أطياف التونسيين من يهود ومسلمين وأمازيغ وعرب وغيرهم. الراية الوطنية كانت الموحدة لهؤلاء، بالإضافة لإصرار الحزب آنذاك على المطالبة بإجبارية التعليم وتحرير النساء والمساواة بين جميع التونسيين ونبذ الظلم والاستبداد وإشراك المرأة في الحياة السياسية على اعتبار أن المرأة إنسان كامل الأهلية، كما قال الطاهر حداد.
في عام 1988 تأسس التجمع الدستوري الديمقراطي حين انقلب الرئيس زين العابدين بن علي على زعيم الحزب الحبيب بورقيبة وفرض عليه إقامة جبرية في مدينته الأم المنستير، بالإضافة إلى محاولات بن علي طمس الحقبة البورقيبية بداية من تغيير النشيد الوطني التونسي الذي اعتمد في 1958 بعد الإطاحة بالنظام الملكي وإقرار النظام الجمهوري، فاستبدل نشيد "آلا خلدي يا دمانا الغوالي جهاد الوطن"، بنشيد "حماة الحمى يا حماة الحمى" لأن نشيد "آلا خلدي" جاء فيه ذكر لمناقب مؤسس الدولة الوطنية الحبيب بورقيبة.
الزعيم بورقيبة الشهير باسم صانع الأمة التونسية، لا تنفك عبير موسى عن وضع صورته أمامها وهو الذي لم يحظ بجنازة تليق بمقامه حين وافته المنية تحت حكم بن علي الجائر في 6 أبريل/نيسان سنة 2000. كما أن النظام منع عنه تلك الفترة أي حضور إعلامي وأي لقاء أو حتى عرض فيلم عن حياته وجهاده في التلفزيون الوطني بالإضافة إلى منع الاحتفال بذكرى وفاته. لكن بعد سقوط بن علي وهربه من تونس يوم 14 يناير/كانون الثاني 2011، أشرف الرئيس التونسي للمرحلة الانتقالية منصف المرزوقي على إحياء ذكرى وفاة بورقيبة بالمنستير.
كل تلك التفاصيل نوردها ليتبين زيف ادعاءات عبير موسى عن بورقيبة وعن جهاد الأمة، لأن موسى الأخيرة لم تكن سوى ناشطة بلجنة التنسيق لدى حزب التجمع الدستوري الذي أقصى من صفوفه البورقيبيين وغيرهم بموالين لابن علي ولمجموعته. بالإضافة للعنف الذي تمارسه موسى على زملائها وزميلاتها من المحامين، لأنهم كانوا من معارضي نظام المخلوع بن علي، كما جاء في العديد من الشهادات حولها.
عبير موسى، القادمة من زمن الدكتاتورية والانقلاب على التاريخ، تأتي اليوم على حصان إماراتي الصنع والتجهيز وسعودي المباركة لتقدم لنا دروساً في "جهاد الوطن" وفي الديمقراطية والتعددية الحزبية. فتراها تارة داعية البورقيبيين للوقوف إلى جانبها، ومشيرة تارة إلى اليساريين لدعمها ضد راشد الغنوشي مستندة على استشهاد شكري بلعيد والبراهمي وانتشار ظاهرة التكفير بتونس.
وكأن البلاد لم تعرف اغتيالات ولا تكفيراً إلا بعد 2011 و كأن عبير نست عدد الأموات والضحايا الذين غطت دماؤهم أروقة وزارة الداخلية ناهيك عن فتاوى اتباع الرئيس بن علي في كل ما يقوله وما يراه لأن كله خير للأمة.
وكيف ينسى التونسيون تحويل بيوت الله إلى غرف تجمع ودعم للجان التنسيق الدستورية في فتاوى يوم الجمعة وفي أدعيتها. تلك الأيام كان يلخصها شهيد الحرية زهير اليحياوي في هذا السؤال: هل تونس جمهورية أم مملكة أم حديقة حيوانات أم سجن؟
أيام القمع النوفمبري لا تزال عالقة في أذهان التونسيين ولا سيما الشباب الذين شاركوا في مظاهرات شتاء 2008 أيام الحوض المنجمي ورفعوا شعارات: يا نظام يا جبان شعب قفصة لا يهان.. والتشغيل استحقاق يا عصابة السراق.
ولكن عودة رموز النظام السابق يتحمل مسؤوليتها حزب النهضة والغنوشي أساساً الذي تراجع قبل انتخابات 2014 عن دفاعه عن قانون العزل السياسي لرموز النظام السابق في إطار إبرامه "صفقة سياسية" مع الرئيس الباجي قائد السبسي، تقضي برفع العزل السياسي عن رموز حزب التجمع المنحل، وفتح أبوابه أمام عودتهم إلى المشهد السياسي، قصد الاعتماد على الخزان الانتخابي لهذا الحزب في الفوز بانتخابات 2014، مقابل إشراك حركة النهضة في الائتلاف الحاكم، إثر التهديد بإخراجها منه سنة 2013 من المشهد السياسي التونسي عقب استشهاد شكري بلعيد والبراهمي واتهام حركة النهضة بذلك.
في ظل تحالفات الشيوخ عادت عبير وأنصارها للمشهد السياسي لتنقلب هي أيضاً على راشد الغنوشي داخل البرلمان وتطالب بسحب الثقة منه وتعود حركة النهضة للحديث عن تحصين الثورة من النظام البائد واستهداف راشد الغنوشي راعي الديمقراطية في تونس الذي لا يزال متحكماً بزمام الأمور بحزبه منذ تأسيسه إلى الآن، بطريقة تدور حولها عديد من علامات الاستفهام. من الجهة الأخرى تغرد عبير موسى في صفحتها عن السيادة الوطنية وهي التي تستقوي بمكتب السفير السعودي وتبث تصريحاتها عبر وسائل الإعلام الإماراتية.
إن اختطاف المشهد الديمقراطي التونسي، ووصول حالة الاستقطاب السياسي للذروة، وما نراه من سيرك سياسي بين بواكي الأمة التونسي من جهة والزاعقين "الإسلام في خطر" هو انقلاب على إرادة الشعب التونسي وشبابه الباحث عن الكرامة والحرية والتشغيل، والحالم بوطن أخضر يطيب فيه العيش، ويقرر هو مصيره من خلال الصناديق والطرق السلمية، لا عن طريق تحالفات غير شرعية ورؤوس أموال فاسدة، وتدخلات خارجية قد تجعل من تونس رقعة شطرنج للمخابرات الأجنبية.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.