على عكس ما نسمع دائماً.. التفكير بإيجابية قد يدمر نفسيتك في هذه الحالات

عدد القراءات
1,785
عربي بوست
تم النشر: 2018/11/07 الساعة 07:58 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/11/07 الساعة 07:58 بتوقيت غرينتش
شاب يُفكر

هل مرّت أمام خاطرك نكتة أنه قيل لحمار: قف أمام  المرآة وكرّر أنا أسد، فتصبح أسداً؟

حقيقة أنا شخصياً ضحكت على هذه النكتة كثيراً ووجدتها على حق! اليوم أعلم أن الحمار مهما كرّر هذه التوكيدات لن يصبح أسداً، وعلى الأرجح ستزيد نسبة غبائه كحمار (في حال اعتبرنا أن الحمار يتمتع بغباء ويحلم أن يصبح أسداً؛ لأنه رمز القوة).

ما يزيد موجة انتقاد التنمية البشرية، وخاصة مفهوم التأكيد الإيجابي وتكرار جُمل إيجابية، هي عدم استجابة العقل لما نردّده ظاهراً، مفهوم المقاومة.

إن تبنّي التفكير الإيجابي بتكلّف، بعدم قناعة تامة نابعة من النفس، يخلق مقاومة عقلية، هذه المقاومة تنقلب على الممارس المتكلّف، وتعود بنتائج سلبية على حالته النفسية.

حسناً، لماذا يقاوم العقل التفكير الإيجابي الذي جرّبه الحمار لتغيير واقعه؟

علينا أن نعي قاعدة واحدة: العقل عضوٌ مسكين، محدود، لا يعرف سوى العالم المادي، يكوّن انطباعاته من المحسوسات فقط، ميكانيكيته دفاعية بحتة، هو يرفض ويقاوم أي فكر أو جسم غريب عليه، لم يتعوّده، لم يكوّن انطباعاً عنه فيما سبق.

مقاومة العقل استراتيجية دفاعية لا حول له فيها ولا قوة، لا تقاوم مقاومة عقلك وتجبره على تبنّي مفهوم القوة بدل الغباء، والإيجابية بدل الإحباط، والسعادة الدائمة بدل التقلبات العاطفية "الطبيعية" للإنسان.

لا تقاوم..

أنا أؤمن -وهذه معتقداتي الشخصية وأنا ما زلت في أوج رحلتي نحو ذاتي وهدفي ومن أكون لكن كل تجاربي إلى الآن تدعم وتثبت هذا الإيمان- أن الإنسان هو قلبه وعاطفته، أما العقل فهو خادم جيد، عضوُ بيولوجي يقوم بدوره على أكمل وجه، كما هي المعدة والأمعاء والأذنان. ومن القلب يبدأ كلٌّ منّا بالتغيير.

ربما لست مجبراً على تبنّي قناعاتي؛ لأنني أعلم أن أغلبية الناس، وخاصة الرجال، يولون عقولهم أهمية أكثر من معدتهم وأمعائهم وآذانهم، لكن ما أودّ شرحه، أن العقل هو السبب وراء عدم نفع التوكيدات الإيجابية، والتفكير الإيجابي، وأن المقاومة هي وظيفة جدّ طبيعية للعقل، هي التي تقف حاجزاً بين غباء الحمار وقوة الأسد.

ليس العيب في تمارين التوكيدات والتغيير الإيجابي وإعادة النظر في المفاهيم وتغييرها، بل بممارستنا إياها، بالتعلّق بالنتائج السحرية، وبقصّة كل فردٍ منّا، كماضٍ وتجارب ومعتقدات يتمسك بها العقل؛ لأنه يعتبرها على صواب.

هذا الفهم لا يعني أن نرفض عقولنا، هل سمعت يوماً بأحدهم كان يرفض معدته ولا يحبّها؛ لأنها لا تهضم اللاكتوز مثلاً! بل إن فهم مشكلة معدته مع اللاكتوز تعلّمه كيف يستبدل الحليب بمأكولات لا تحتوي على مواد تسبب له المشاكل، يتعلّم أن يجنّب معدته وجسده الألم، وببساطة، على هذا النسق فإن فهم ميكانيكية العقل يساعد في السيطرة عليه وتقبّله، كما أوضحت في المقال السابق عندما تكلّمت عن أصل المعاناة ومَنشئِها.

ماذا كان على الحمار أن يفعل كي لا يقاومه عقله ويدخل بمتاهات لها أوّل دون آخر؟

كان عليه ببساطة أن يتقبّل نفسه أنه حمار، وأن ينظر إلى المرآة على أنه حمار، ويستمتع بمواصفاته كحمار، ويدرس أو يتناول تمارين -عند نفس المدرّب ربما- عن كيفية تهذيب خصاله كحمار، وألّا يدخل في متاهات لا يدري عقله عنها شيئاً، فيحمي نفسه وعقله ويحتويه.

المشكلة الكبرى أننا نعطي عقولنا زمام السيطرة على حياتنا، ونعتبر أن القلب ناقص، رغم أن العكس هو الصحيح.

لا أقصد بالقلب هوى النفس والرغبات، بل أقصد مكمن الروح، الحدس، الذات الحقيقية الكامنة وراء كل ما نختبره، أقصد طريق الإيمان وعرش الله، أقصد حيث انطوى العالم الأكبر.

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
نسب زكريا
مهندسة معمارية
تحميل المزيد