يفعل الأحمق بنفسه ما يفعل العدو بعدوه.. هكذا ورطت الرياض نفسها وجنت تركيا أرباحاً عظيمة

عدد القراءات
8,551
عربي بوست
تم النشر: 2018/10/17 الساعة 07:55 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/11/20 الساعة 11:22 بتوقيت غرينتش
الأمير محمد بن سلمان والرئيس أردوغان

يفعل الأحمق بنفسه ما يفعل العدو بعدوه..

بعد الصمت القاتل في الأيام الأولى ورفض التعاون مع الجهات القضائية التركية التي تشرف على التحقيقات الجارية بشأن مصير الكاتب الصحافي المُعارض جمال خاشقجي ، المختفي منذ يوم 2 أكتوبر، تاريخ دخوله قنصلية بلاده بالعاصمة التركية إسطنبول، تسارعت في اليومين الأخيرة وتيرة الاتصالات السعودية والخطوات التي أقدمت عليها سلطات الرياض باتجاه نظيرتها التركية لاحتواء الموقف والهروب من العاصفة المشتدة بعدما أصبح مصير خاشقجي قضية تهزّ الرأي العام الدولي.

خطوات لاحتواء الأزمة

بعد خطوة تصعيدية تركية تمثّلت في رفض سلطات البلاد السماح لطائرتين سعوديتين بالنزول في أحد مطاراتها، وبعد أخرى تمثّلت في كشف المحققين الأتراك لوسائل الإعلام عن وجود أدلة ثابتة على تعرّض الصحافي السعودي للتصفية داخل قنصلية بلاده، تسعى سلطات الرياض بكل جهدها في الساعات الأخيرة لاحتواء الأزمة.

 وفود سعودية رفيعة المستوى تصل تباعاً إلى إسطنبول وتجري نقاشات وحوارات مع الجانب التركي، تلاها اتصال هاتفي من الملك السعودي مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، قالت وكالة الأنباء الرسمية السعودية إنه تطرّق إلى "حرص السعودية على تثمين علاقاتها المتينة بتركيا"، فيما أشارت مصادر من الرئاسة التركية إلى أن الطرفين تطرّقا إلى تشكيل فريق تحقيق مشترك في قضية خاشقجي، وأضافت أن أردوغان قد ناقش مع الملك سلمان مسألة كشف ملابسات قضية المعارض السعودي.

فجأة وبعد المشاركة بشكل واضح في دعم محاولة الانقلاب العسكري الفاشلة في تركيا وشن حرب اقتصادية عليها لتدمير عملتها والتهجّم الإعلامي المستمر على سلطات البلاد وعلى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان شخصياً، خاصّة في ما يتعلّق بالموقف من صفقة القرن ومن الحصار المفروض ضدّ دولة قطر ورفض السعودية المعلن نهاية السنة الماضية تزعّم تركيا للعالم الإسلامي، تحول الحديث في الساعات الأخيرة عن "علاقات متينة" وعن "أخوة وتعاون" من الجانب السعودي نفسه!

تؤكّد الخطوات الأخيرة التي بدأت الرياض القيام بها بشكل سريع ومكثّف تجاه نظيرتها التركية أن السلطات التركية قد باتت تمتلك بشكل كامل تفاصيل وحيثيات قضية اختفاء جمال خاشقجي ومصيره، وتشير بوضوح تام إلى سعي سعودي واضح لاحتواء الأزمة والتبعات وربما إلى استجداء عدم الكشف عن التفاصيل أو عن جزء منها يتعلق بالدور الذي لعبه محمد بن سلمان وليّ العهد شخصياً في تدبير الاغتيال والإشراف عليه، بل متابعته لحظة بلحظة، في محاولة سعودية قد تكون الأخيرة لسلطات الرياض والعائلة المالكة للحفاظ على السلطة.

الخطوات السعودية الأخيرة والانتقال من الصمت إلى الحركية المكثفة يرجّح الأخبار والتحاليل التي تحدثت عنها مصادر متطابقة ومختلفة من أن عملية اختطاف وتصفية جمل خاشقجي قد تمّت بأمر وبإشراف من أعلى هرم في سلطة الرياض ومن ولي العهد محمد بن سلمان بشكل مباشر، وهو ما قد يفسّر التحرّكات المتسارعة لاحتواء الأزمة ومحاولة حجب معالم جريمة باتت مفضوحة أمام أنظار العالم.

مكسب ثمين لتركيا

خرجت تركيا المستفيد الوحيد من الأزمة الأخيرة التي أوقعت فيها سلطات الرياض نفسها، خاصة أن التحقيقات كشفت قوة وقدرة الجانب التركي على إدارة ملف القضية، وكشف كل الملابسات والتفاصيل المحيطة بالجريمة، لكن المسألة أكبر من ذلك بكثير فما اكتسبته تركيا خارج حدودها أكبر بكثير من الذي اكتسبته رمزياً في داخلها.

بالأزمة التي أوقعت فيها سلطات الرياض نفسها أصبحت تركيا أمام خيارات كثيرة تصبّ كلُّها في نتيجة واحدة متمثلة أساساً في تمكّنها من الانتقال بالسرعة القصوى إلى الطرف الأقوى الذي يتزعّم "العالم الإسلامي السنّي" من جهة، وهو ما سيجعلها أكثر حصانة أمام ما يُحاك ضدّها في السنوات الأخيرة إقليمياً ودوليّاً.

تمتلك تركيا كلّ الخيارات، فهي في كلّ الأحوال قد باتت أمام حتمية الكشف عن نتائج التحقيقات، وخاصّة عن مصير جمال خاشقجي، وهو ما سيورّط حتماً سلطات الرياض وهذا بدوره يفتح أمام السلطات التركيّة باب الخيارات من جهة أخرى في ظلّ المحاولات السعودية الأخيرة لاحتواء الأزمة والخروج بأخفّ الأضرار.

في كلّ الأحوال ستكون سلطات الرياض أمام حتمية إجراء عملية جراحية كبيرة داخلياً ستكون تركيا مستفيدة منها في كل الأحوال.

ستعلن الجهات القضائية التركية عن مصير جمال خاشقجي أمام أنظار العالم، قد يكون هذا مكسباً لتركيا في حد ذاته، لكنها ستكون أمام خيارين أوّلها استعمال الجريمة ورقة للضغط على سلطات الرياض وأبوظبي لتحصين نفسها من محاولات الإضرار بها، أو كورقة لتصفية حسابات سابقة مع سلطات الرياض وأبوظبي التي دعمت انقلاباً عسكرياً فاشلاً وما انفكت تخوض ضدها حرباً اقتصادية وسياسية وإعلامية بلا بهوادة.

والخلاصة في كل هذا تقودنا إلى المثل العربي الشهير: يفعل الأحمق بنفسه ما يفعل العدو بعدوه.

ميم

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
توفيق البكاري
كاتب صحفي
تحميل المزيد