العقم في بلد الـ100 مليون مواطن.. ليس مشكلة

عربي بوست
تم النشر: 2018/07/26 الساعة 10:46 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/07/27 الساعة 13:37 بتوقيت غرينتش
أحد شوارع مصر المزدحمة/رويترز

قبل فترة دار حديث بين الأصدقاء عن ضرورة السرعة في الزواج والإنجاب وتكوين الأسرة قبل مُضي العمر، وأخذ البعض ينصحني أن ألحق بالقطار وأفكر في الأمر بجدية، لكنني اختلفت معهم في أن يضع الإنسان نفسه رهن شخص لهدف الإنجاب دون تمحيص وتفحيص، وكانت وجهة نظري أن الزواج ليس مسألة سهلة وبسيطة، والبحث عن الشخص المناسب يتطلب وقتاً طويلاً، أما الإنجاب فهناك حلول طرحتها، لكنها لاقت الاستخفاف والسخرية، وإن كنت أبحث عمن يساعدني في تبنّي الفكرة.

فكرتي أن الإنجاب لم يعد مسألة ضرورية في دولة عدد سكانها تجاوز الـ90 مليون نسمة، وعوضاً عن الشعور بالعجز واليأس بسبب العنوسة والعقم فيمكن أن نُسهِم في أمور أقوى من أن ننجب أطفالاً من دمنا والسلام.

هناك عدد كبير من الذين تزوّجوا لم ينجبوا وما زالوا يبحثون عن علاج العقم، وأنا أرى ضرورة التخلص من النظرة الضيقة للأمور، وأن يوسع هؤلاء نظرتهم قليلاً في بلد الـ90 مليوناً؛ لأن مصر لم تعد بحاجة إلى مزيد من السكان، أو على الأقل يمكن تقنين الإنجاب وتوجيه الموارد البشرية الضائعة المتمثلة في أطفال الشوارع والأيتام بلا مأوى.

لدينا الآن عدد كبير من أطفال الشوارع والأيتام، ونصرخ ليل نهار ونحن نطالب بحل لهؤلاء قبل أن يتحولوا إلى عالم الإجرام والبلطجة والتسول، فيهددون المجتمع ويتم استقطابهم نحو أفكار سلبية ومتطرفة.

هناك مَن أسهموا وتبرعوا -مشكورين- بمصروفات للأيتام، دون الوعي بأن المسألة أكبر من المال، فإلى جانب المادة، يحتاج الطفل إلى أن يشعر بالاستقرار العاطفي، وأن يحيا في بيئة سوية ويجد من يحتضنه ويتحدث معه بشكل مباشر ويصطحبه في النزهات والسفر، ويعلمه اللياقة والأناقة وآداب الحديث والطعام، وتفاصيل أخرى كثيرة لا تأتي إلا بالمعايشة والحياة في منزل مع أب وأم.

ما أطالب به هو "التبنّي" الذي يختلف معي فيه البعض لمخالفته الشرع الإسلامي الذي طُرح بديل التكفل والإنفاق والتبرع والصدقة، "نحتاج للنقاش حول تلك النقطة بفهم أكثر" الإسلام منع نسب الأطفال لغير أبيهم، لكنه لم يمنع التبني بمعنى  الكفالة والتربية مثل الأبناء في المنزل.

أرى أن التصدُّق على هؤلاء لا يكفي، ويمكننا أن نعالج الأمر بتبنّيهم بقوة ويصبح علينا مسؤولية تجاههم، فالمسألة تبادلية؛ الطفل بحاجة إلى أم وأب، وزوجان لا ينجبان بحاجة إلى طفل، إلى جانب أن الفكرة تحمي الأطفال المشرّدين وتنقذ المجتمع، ويمكن أيضاً أن تحل أزمة الانفجار السكاني إذا طبقها العزّاب الميسورون والمتأخرون في الزواج.

ما الضير في أن يتبنى الإنسان بحسب إمكاناته طفلاً ليس من صلبه، ويتولى مسؤوليته كاملة مادياً وتعليمياً، وتربوياً، وأيضاً يمنحه أسرة ودفئاً وعائلة ينتمي إليها وترعى مواهبه وطاقاته وتساعده على توجيهها؟

الفكرة تحتاج إلى بلورة ونقاش وإعادة صياغة لمفاهيمنا وثقافتنا، وأن توضع في إطارها السليم، وبدلاً من البكاء على اللبن المسكوب والسعي دون نتيجة نحو علاج العقم لسنوات، يمكن بسهولة أن نقوم بأدوار أقوى وأكثر تأثيراً وإنسانية تماماً كما نفعل حين نأخذ قرار تربية القطط والكلاب، لا بد من تربية "البشر" أولاً، ونحتاج  لتوسيع الأفق قليلاً حول فكرة "التبنّي".

اليوم الجديد 

 

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
غادة قدري
كاتبة مصرية
تحميل المزيد