طائفية وتوازنات هشة.. لماذا لن تختلف لبنان بعد الانتخابات؟

عربي بوست
تم النشر: 2018/05/08 الساعة 08:55 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/05/08 الساعة 14:00 بتوقيت غرينتش
Government election officials carry a ballot box which will be located in polling stations ahead of the country's May 6 parliamentary election, in Beirut, Lebanon, May 5, 2018. REUTERS/Mohamed Azakir

أجريت الانتخابات التشريعية اللبنانية، بعد تسع سنوات انتظار. استمر خلالها مجلس النواب الذي انتُخب عام 2009 في بيئة شديدة الاستقطاب السياسي والفئوي. وبالمقارنة مع انتخابات 2009، تبدو انتخابات الأمس أقل تعقيداً وحساسية على المستوى الداخلي. لكنها، في المقابل، جاءت في بيئة خارجية شديدة الاضطراب والتوتر؛ حيث الوضع الإقليمي متحرك ومرشح لتغيرات مفصلية في كل لحظة. حتى إن المشهد العام، عشية الانتخابات، يوحي أن الفرقاء والأصدقاء يخوضون استحقاقاً داخلياً تشريعياً، وأعينهم على الخارج، وعلى الحكومة التي ستقود السياسة الخارجية اللبنانية في المرحلة القريبة المقبلة. ليس جديداً أن السياسة في لبنان مرآة عاكسة للبيئة الخارجية المحيطة به.

لكن التطورات التي شهدتها المنطقة، وكذلك لبنان، في الأشهر الماضية، تركت بصمات قوية في الداخل اللبناني، كانت كافيةً لجعل المشهد الانتخابي خارجياً بامتياز. مثلاً، لم ينس اللبنانيون بعد، أزمة استقالة الحريري. وبالطبع، لم ينسها الحريري نفسه. وكذلك الأطراف الخارجية المعنية بوضع الحريري ومستقبله السياسي؛ لذا لم يكن مفاجئاً أن تبدأ الاستعدادات للانتخابات مبكراً، خصوصاً أن آخر تأجيل لها كان العام الماضي، لإتاحة الوقت أمام التوافق على تعديل قانون الانتخاب. ومن المفارقات أن ذلك القانون الذي تم إعداده ليتوافق مع الوضع السياسي المعقد في لبنان، وفي مجاله الحيوي، زاد من ذلك التعقيد، بدلاً من أن يسهم في تفكيكه.

بموجب القانون الجديد، أعيد تقسيم الدوائر الانتخابية، واعتمد النظام الانتخابي الاختيار بالقوائم النسبية، ما يعني العودة بقوة إلى الطائفية محدداً جوهرياً للتصويت وتوزيع المقاعد. وهذا مفهوم ومنطقي في ظل الطائفية التي تستشري في المنطقة، خصوصاً المحيط المباشر للبنان، في سوريا والعراق والتنافس السعودي الإيراني. أي أن القانون استجاب للواقع اللبناني والإقليمي، وأمعن في تكريسه، فيما كان الهدف الأصلي من الدعوة إلى تعديل قانون الانتخابات تحجيم النزعة الطائفية، والسعي إلى تحصين لبنان، أو على الأقل تقوية مناعته الداخلية في مواجهة الانقسامات الإقليمية.

ولم تقتصر مفارقات انتخابات الأمس على المردود العكسي التعقيدي للقانون الانتخابي، بل امتدت إلى التحالفات الانتخابية والعلاقات غير المنطقية بين المرشحين التابعين لتيارات وقوى متناقضة. فللمرة الأولى في لبنان، تظهر تحالفات ظرفية مرتبطة حصراً بمرحلة الانتخابات، فيما تراجعت أولوية التحالفات السياسية والمذهبية التقليدية، وإن لم تختف نهائياً بالطبع، حتى وصل الحال في بعض الدوائر أن جمعت القوائم الانتخابية موالين وخصوصاً في وقت واحد.

وكان التيار الوطني الحر من أكثر الأطراف التي تحالفت مع قوى مختلفة معها سياسياً ومذهبياً، وبدرجة أقل تيار المستقبل. بينما حافظ حزب الله وحركة أمل على التحالفات التقليدية المعتادة مع قوى قريبة منهما، أو بينها تفاهمات سابقة على الانتخابات.

لكن الواضح أيضاً أن الأوزان النسبية للقوى الأساسية في الساحة اللبنانية قد تعرّضت لاختلالات نتيجة مواقفها إزاء الأزمات والتطورات المحيطة بلبنان. مثلاً، يعاني تيار المستقبل من تحدياتٍ كثيرة في معاقله الانتخابية التقليدية، ويحاول تعويض ما قد يترتب على ذلك من فقدان أصوات ومقاعد، بتحالفات جزئية بين مرشحيه ومرشحي قوى أخرى مختلفة تماماً معه.

وفقد تيار المستقبل بعض شعبيته، بفعل الأداء الحكومي الباهت داخلياً، والمصاعب الاقتصادية المتتالية، لكنه استفاد من تفتت القوى الأخرى، وعدم تماسكها، إضافة إلى خشية اللبنانيين من تداعيات تدخّل إيران وحزب الله في سوريا.

وبما أن التركيبة البرلمانية لن تشهد تغييراً جذرياً، ستتشكل الحكومة المقبلة أيضا بتوافقات صعبة، وستكون متوازنةً، أي ائتلافية وليست حكومة أغلبية. وبالتالي، لن تكون هناك غلبة لتوجه سياسي معين في القضايا الخارجية. وستستمر السياسة اللبنانية على نهج "النأي بالنفس" رسمياً، بينما سيستمر أيضاً التدخل، أي عدم النأي بالنفس، بشكل غير رسمي، كما بالنسبة لتدخّل حزب الله في سوريا.

إجمالا، لبنان قبل الانتخابات لن يختلف كثيراً عن لبنان بعد الانتخابات، مع الارتداد نحو مزيد من الطائفية والائتلافات الحكومية الحرجة والتوازنات الهشة.

العربي الجديد

 

 

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
سامح راشد
باحث متخصص في العلاقات الدولية
تحميل المزيد