عندما أخطأ آدم وأكل من الشجرة المحرمة وعصى الإله.. منحه الله فرصة ثانية، فعمَّر الأرض وابتدأ مسيرة أسطورية لآلاف السنين على سطح هذا الكوكب، عاش خلالها أقوام وقبائل وعشائر وحضارات وثقافات ولغات وحروب ومملكات وثورات حفرت في جذور الأرض عميقاً؛ لتشكل هذا العالم الغريب الذي نعيشه.
فرصة ثانية فقط كانت كفيلة بإنتاج قصة بشرية طويلة جداً نهايتها أبعد من بدايتها، فرصة ثانية سمحت لأب البشر بأن يجعل من الأرض مكاناً صالحاً للعيش والازدهار.
أخطأ آدم، وأخطأ غيره وغيره وغيره، وكان الخطأ حليف البشرية منذ نشأتها، فيخطئ الكبير قبل الصغير، ويتفاوت الخطأ من شخص لآخر، وينتقل الشخص من خطأ لآخر، وتستمر حياته بين خطأ وصواب، إلى أن يتوفاه الله، مجسداً بذلك طبيعته التي جبل عليها.
في حياتنا اليومية نخطئ بعدد أنفاسنا المتصاعدة، نخطئ في حق أنفسنا، أو في حق من نحب، أو زملائنا أو جيراننا، أو حتى حيواناتنا الأليفة التي نعتني بها، نخطئ عندما نفشي سراً تحملنا مهمة حفظه، نخطئ عندنا نتوقع من الآخرين أشياء لا يطيقونها، نخطئ عندما نشكو همومنا للشامتين، نخطئ عندما نحزن على فراق الخائنين، نخطئ ونخطئ دون اكتراث، ونمنح لأنفسنا الحق في فرصة ثانية، وثالثة ورابعة ومليون.. نعطي لأنفسنا صكوك الغفران التي تتجدد مع كل خطيئة، فمن دونها لا يسعنا الاستمرار، ولا تقبلنا الحياة نخترقها طولاً وعرضاً براحة وسلام.
فهل نعطي لغيرنا هذه الفرصة؟! هل نبلغ من درجات التسامح أن نغفر زلات البشر التي قد تكون أهون من زلاتنا وأقل قبحاً وبشاعة من أخطائنا التي نغضي الطرف عنها؟! أم تأخذنا العزة فنسلب من دوننا حقه الطبيعي في الخطأ؟! هل نمنح أحبابنا فرصة التراجع أم ندفعهم إلى حافة القطيعة والهجر بسبب زلة بشرية تافهة؟!
أرقى الناس من يعطي لغيره الحق في الاعتذار، ويسمح له بممارسة بشريته بحرية كاملة، بأخطائها وزلاتها وحسناتها، فلا ينتظر منه كمالاً ولا قداسة، يقبله بعيوبه ويصبر على سقطاته، مدركاً حد اليقين أن فرصة ثانية كفيلة بجعل الحياة أسعد وأجمل، مؤمناً أن الخطأ صفة بشرية يمتلكها الجميع ويمارسها الكل، هو أولاً.. وغيره ثانياً، والكل له الحق في فرصة أخرى.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.